الكلام على رد غير متناسب، أو مفرط في استعمال القوة، حين وصف الرد العسكري الإسرائيلي على"حماس"، يضمر أن ثمة حالاً عادية وسوية في نزاع إسرائيل و"حماس"تقوم عدوانية"تساحال"بالإخلال بها، وقلبها رأساً على عقب. ويفترض هذا أن النزاعات الحقيقية ليست، أساساً، ناجمة عن خلل. وعلى هذا، فما هو التناسب الذي على إسرائيل احترامه لتستميل الجمهور؟ فهل على الجيش الإسرائيلي ألا يستعمل تفوقه التقني، ويقنع بالأسلحة التي تقاتله بها"حماس"، أي التوسل بحرب الصواريخ غير الدقيقة، والحجارة؟ فيحل له، إذا شاء، إعمال استراتيجية الهجمات الانتحارية والقنابل البشرية وتعمد استهداف السكان المدنيين؟ أم أن على إسرائيل الاعتصام بصبر حكيم الى أن تتولى إيران وسورية"موازنة"قوة نيران"حماس"ومدها بما يلزم؟ وربما يقصد بالكلام على التوازن الغايات وليس الوسائل العسكرية. ولما كانت"حماس"، على خلاف السلطة الفلسطينية، تمسك بإنكار حق الدولة العبرية في الوجود، وتحكم بالقضاء على مواطنيها واستئصالهم، فهل على إسرائيل الاقتداء بهذه الراديكالية، ومباشرة تطهير إثني هائل؟ وهل يريد أحد، فعلاً، أن"تناسب"رغبات إسرائيل رغبات"حماس"الاستئصالية وتناظرها؟ ولئن وسع المتخاصمين والمتحاربين التواضع أو الاتفاق على استعمال آلات حربهم، وعلى الغايات التي يريدون بلوغها، لما اختصموا ولا حارب بعضهم بعضاً. فحيث يندلع نزاع يقع خلاف وسوء تفاهم. وينزع كل طرف الى استثمار امتيازاته على خصمه وعدوه، واستغلال مواطن ضعفه. وهذا ما لا يحرم الجيش الإسرائيلي نفسه منه، فيستفيد من تفوقه التقني والتصويب على أهدافه. ولا تحرم"حماس"نفسها من التوسل بأهالي غزة درعاً بشرية، وتنحية جانباً ضوابط خصمها الأخلاقية ومعاييره الديبلوماسية. والحق أن العمل في سبيل إقرار السلام في الشرق الأوسط ممتنع من غير الإحجام عن الوقوع في التميز غير المشروط. وهذا لا ينفرد به المتطرفون والمهووسون. فمثل هذا التحيز تنقاد إليه النفوس الملائكية التي تتوهم"تناسباً"معجزاً أو عجائبياً وقميناً بطرد الخلل من النزاعات الدامية والمدمرة. وليست المسألة في الشرق الأوسط احترام ميزان النزاع وقواعده فقط، بل المسألة أولاً هي سن هذه القواعد وإقرار ميزانها. ولا نفع من افتراض الحل سلفاً بواسطة الضمير العالمي ويده الخفية. فليست إرادة البقاء إفراطاً ولا إخلالاً في المناسبة. عن أندريه غلوكسمان،"لوموند"الفرنسية، 7/1/2009 نشر في العدد: 16721 ت.م: 14-01-2009 ص: 24 ط: الرياض