انشغل العالم بأنباء الازمة المالية، في النصف الثاني من 2008، ونسي مخاطر تدهور الاوضاع في الشرق الاوسط وتعاظم حظوظه. والتدخل العسكري الاسرائيلي في غزة هو فاتحة الميل الى اللجوء الى القوة للحؤول دون تفاقم التدهور فحرب لبنان، في 2006 لم تصغ حلولاً للأزمة. ويبدو أن تداعي أحجار الدومينو بلغ الشرق الاوسط الكبير، وهو الشرق الذي زعم المحافظون الجدد تغيير وجهه السياسي من بيروت الى اسلام أباد. ويبدو أن حظوظ إنشاء دولة فلسطينية تضاءلت. وفي الاعوام الاربعة الماضية، أي في ولاية الرئيس الاميركي جورج بوش الثانية وولاية الرئيس الايراني احمدي نجاد، توسعت رقعة الحرب الى لبنان، وأفغانستان، وغزة. ولا شك في أن التوازن العسكري الهش في العراق لم يفض الى تقدم في العملية السياسية. فالصراع على السلطة مستمر. والسلام بالعراق هو رهن إسهام تركياوإيران في إرسائه. وأفغانستان هي، اليوم، بؤرة أزمة محلية واقليمية كبيرة، بعدما كانت، الى وقت قريب، مسرح حرب ثانوية. ولا شك في أن زيادة عديد القوات الاميركية وقوات حلف شمال الاطلسي خطوة ضرورية. ولكنها لن ترسي الاستقرار بأفغانستان، وهذا شرطه حل سياسي. وانتصار الغرب في هذه الحرب مستبعد. ويجب التوصل الى توازن قوى بأفغانستان بين دول الجوار الاقليمي، أي باكستان والهند وايران. وشأن هذا التوازن ارساء الاستقرار بأفغانستان. ولا تلوح في الافق معالم حلول دائمة أو وشيكة. وصدقية حلف شمال الاطلسي على المحك. فأهداف سياسته مبهمة منتشرة وملتبسة. ومهماته في مناطق متباعدة، وقارات مختلفة. والتزاماته متنوعة، ومنها منظومة الدرع الصاروخية ببولندا وتشيخيا، ومشروع توسيع الحلف، وضم جورجيا وأوكرانيا اليه. والحق أن الحلول السلمية لن تبصر النور، في حال فاز بنيامين نتانياهو في الانتخابات في شباط فبراير المقبل، وأعيد انتخاب أحمدي نجاد. ولن تسلم دول المنطقة من الحرب. وهذه قد تمتد الى دول مجلس التعاون الخليجي. ولن تحمد عاقبة اضطراب هذه المنطقة من العالم اقتصادياً. وقد يضطر الرئيس الاميركي المنتخب، باراك أوباما، الى مواجهة هذه الاوضاع، على رغم أنه لا يتحمل المسؤولية عن تدهورها. وآلة الحرب، ونواتها السياسية إيران، انطلقت. فإسرائيل لا يسعها أن ترضى عن حيازة ايران سلاحاً نووياً. وفي وسع ايران نزع فتيل التوتر في لبنانوالعراق وافغانستان، أو تأجيج التوتر في البلدان هذه. وهذا يستدعي حواراً اميركياً - ايرانياً. وتفترض تحديات الشرق الاوسط الكبيرة تعاون الاطراف جميعها، وتعاون الغرب مع روسياوالصين. وحري بأوباما دفع عجلة هذا التحرك الدولي والانفتاح على الصينوروسيا. وفي وسع أوروبا الاسهام في هذه الخطوة، ودعوة روسيا الى التعاون. ولعل وقت مساعي السلام آخذ في النفاد. وإذا لم يسارع الغرب الى التدخل، قد ينهار استقرار المنطقة، وترسو هذه على توازن قوى استراتيجية يقوض نفوذ الغرب. عن جيرار شاليان خبير في الاستراتيجيات،"لوموند"الفرنسية، 10/1/2009 نشر في العدد: 16721 ت.م: 14-01-2009 ص: 24 ط: الرياض