استشهاد 18 فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    السعودية تنهى مشاركتها في العاب القوى الآسيوية ب"5″ ميداليات    ضبط (20688) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    سانتوس جيزان يتغلب على ترجي الحقو بخماسية في ثاني أيام بطولة الأبطال بملعب بلدية صبيا    مصرع ما لا يقل عن 143 شخصًا في حريق قارب بالكونغو الديمقراطية    صدور موافقة خادم الحرمين الشريفين على منح ميدالية الاستحقاق من الدرجة الثالثة ل 115 مقيمًا لتبرعهم بالدم عشر مرات    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الفوز على الفيحاء    يايسله يتغنى في الأهلي بعد اكتساح الفيحاء    الجيش الأمريكي يقرر تقليص عدد قواته في سوريا إلى أقل من ألف    القصيم تحتفل باليوم العالمي للتراث    انطلاق البرنامج التدريبي والتأهيلي ل "هاكثون التحوّل"    انتهاء مهلة تخفيض المخالفات المرورية بنسبة (50%) وعودتها إلى قيمتها الأساسية    لاندو نوريس يتصدر التجارب الثانية بجدة وتسونودا يتعرض لحادث    القادسية يكسب النصر بثنائية في دوري روشن للمحترفين    «سلمان للإغاثة» يختتم الأعمال المتعلقة بتوزيع الأبقار على أمهات الأيتام والأرامل بسوريا    المملكة تدشّن مشاركتها في المعرض الدولي للنشر والكتاب بالمغرب 2025    القبض على 4 يمنيين بمكة لارتكابهم عمليات نصب واحتيال بنشر إعلانات حملات حج وهمية    عبدالله السلوم البهلال مدير تعليم عسير الأسبق في ذمة الله        إنتر ميلان يعلن إصابة مهاجمه قبل مواجهة برشلونة المرتقبة    قطاع وادي بن هشبل الصحي يُفعّل عدداً من الفعاليات    صيد سمك الحريد بجزر فرسان .. موروث شعبي ومناسبة سعيدة يحتفي بها الأهالي منذ مئات السنين    جمعية المودة تدشّن "وحدة سامي الجفالي للتكامل الحسي"    وزارة التعليم تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية القيادات الكشفية    القائد الكشفي محمد بن سعد العمري: مسيرة عطاء وقيادة ملهمة    إدارة الأمن السيبراني بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف تحصل على شهادة الآيزو    بلدية البصر تطرح فرصة استثمارية في مجال أنشطة الخدمات العامة    ٢٤ ألف زائر وأكثر من 4 آلاف اتفاقية في منتدى العمرة    محافظ الطائف يستقبل مدير عام الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    نائب أمير الشرقية يعزي أسرة الثميري في وفاة والدتهم    خطباء المملكة الإسراف في الموائد منكر وكسر لقلوب الفقراء والمساكين    وفاة الفنان المصري سليمان عيد إثر تعرضه ل"أزمة قلبية"    إمام المسجد الحرام: الدنيا دار ابتلاء والموت قادم لا محالة فاستعدوا بالعمل الصالح    وزارة الرياضة ومجمع الملك سلمان للغة العربية يطلقان "معجم المصطلحات الرياضية"    إمام المسجد النبوي: التوحيد غاية الخلق وروح الإسلام وأساس قبول الأعمال    خالد بن محمد بن زايد يشهد حفل افتتاح متحف "تيم لاب فينومينا أبوظبي" للفنون الرقمية في المنطقة الثقافية في السعديات    تعاون بناء بين جامعة عفت واتحاد الفنانين العرب    محافظ صامطة يلتقي قادة جمعيات تخصصية لتفعيل مبادرات تنموية تخدم المجتمع    جامعة شقراء تنظم اليوم العالمي للمختبرات الطبية في سوق حليوة التراثي    إعاقة الطلاب السمعية تفوق البصرية    رسوم ترمب الجمركية ..التصعيد وسيناريوهات التراجع المحتملة    في توثيقٍ بصري لفن النورة الجازانية: المهند النعمان يستعيد ذاكرة البيوت القديمة    وزير الدفاع يلتقي أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني    نائب أمير منطقة جازان يضع حجر أساسٍ ل 42 مشروعًا تنمويًا    معرض اليوم الخليجي للمدن الصحية بالشماسية يشهد حضورا كبيراً    24 ألف مستفيد من خدمات مستشفى الأسياح خلال الربع الأول من 2025    تجمع القصيم الصحي يدشّن خدمة الغسيل الكلوي المستمر (CRRT)    مشاركة كبيرة من عمداء وأمناء المدن الرياض تستضيف أول منتدى لحوار المدن العربية والأوروبية    قطاع ومستشفى تنومة يُنفّذ فعالية "التوعية بشلل الرعاش"    يوم الأسير الفلسطيني.. قهرٌ خلف القضبان وتعذيب بلا سقف.. 16400 اعتقال و63 شهيدا بسجون الاحتلال منذ بدء العدوان    5 جهات حكومية تناقش تعزيز الارتقاء بخدمات ضيوف الرحمن    "التعليم" تدشن مشروع المدارس المركزية    بقيمة 50 مليون ريال.. جمعية التطوع تطلق مبادرة لمعرض فني    معركة الفاشر تقترب وسط تحذيرات من تفاقم الكارثة الإنسانية.. الجيش يتقدم ميدانيا وحكومة حميدتي الموازية تواجه العزلة    الاتحاد الأوروبي يشدد قيود التأشيرات على نهج ترامب    القيادة تعزي ملك ماليزيا في وفاة رئيس الوزراء الأسبق    قيود أمريكية تفرض 5.5 مليارات دولار على NVIDIA    قوات الدعم السريع تعلن حكومة موازية وسط مخاوف دولية من التقسيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الخطر والفرصة" لإدوارد دجيرجيان ... الديبلوماسية الأميركية وقضايا الشرق الأوسط . حين اشترط مرشد "الأخوان" للحوار مع واشنطن تقديمها طلباً الى الخارجية المصرية 2 من 8
نشر في الحياة يوم 13 - 01 - 2009

تنشر "الحياة"مقاطع من كتاب DANGER AND OPPORTUNITY"الخطر والفرصة"للديبلوماسي الأميركي ادوارد دجيرجيان الذي عمل في سفارة بلاده في بيروت، وكان سفيراً في دمشق ثم في تل أبيب في عهدي حافظ الأسد واسحق رابين، قبل أن يتولى مسؤوليات في وزارة الخارجية تتعلق بالشأن العراقي وسائر شؤون الشرق الأوسط.
هنا حلقة ثانية:
فشلت إدارة جورج بوش في إدراك النتائج غير المقصودة لتعزيز الديمقراطية أو تغيير النظام بالقوة العسكرية في العراق. وأطلق المسار الذي سلكته العنان لقوى الطائفية والتمرد والإرهاب، كما أعطى الفرصة السانحة لإيران لتعظيم نفوذها في العراق والمنطقة، كما أن هذه الإدارة لم تدرك أن الانتخابات في مناطق السلطة الفلسطينية ستتمخض عن انتصار"حماس"عام 2006. وبمقاطعتها حكومة تقودها حماس، أعطت الانطباع في العالم العربي والدول الإسلامية أن حكومة الولايات المتحدة منافقة في دعوتها العامة للديموقراطية في المنطقة. فقد بيّن استطلاع للرأي قام به معهد غالوب عام 2005 أنه بينما كان نشر الديموقراطية هو الهدف المعلن للولايات المتحدة فإن الغالبية من دول العالم الإسلامي أبدت معارضة لما أعلنت واشنطن، وخامرتها الشكوك في عدم جديتها في إقرار النظم الديموقراطية في المنطقة. ولم يكن هناك سوى 24 في المئة في مصر والأردن و16 في المئة في تركيا قالوا إنّهم يثقون بنيات الولايات المتحدة. وكانت هناك موافقة كبيرة في لبنان 38 في المئة وإندونيسيا 48 في المئة"إلا أن الغالبية من اللبنانيين 58 في المئة والأندونيسيين 52 في المئة اعترضت على الدعوة التي نادت بها الولايات المتحدة.
ومن السذاجة ألا نعترف أن الأحزاب والحركات الإسلامية ستلعب دوراً سياسياً مهماً في العملية الانتخابية في الدول الإسلامية، حيث يعدّ الدين مصدراً رئيسياً للهوية الاجتماعية، لكل من الفرد والمجتمع"ومن المتوقع أن يلعب دوراً محسوساً في الأمور السياسية. ولعل التحدي الكبير الذي تواجهه الدول الإسلامية هو رسم الهياكل السياسية التي يمكنها التوفيق بين المفاهيم الدينية والحكم العلماني. فهذه المهمة تصبح معقدة إذا أدركنا حقيقة في العالم الإسلامي هي أنّ العلمانية غالباً ما تحمل معاني دنيوية بل ومعاني مضادة للدين الإسلامي. ....
القومية بديلاً
والبديل عن الإسلام كان دوماً العقيدة السياسية للقرن العشرين وهي القومية. ولقد كان هدف للكثير من التنظيمات الوطنية في منطقة الشرق الأوسط، الحصول على الاستقلال من المحتلين الأجانب، خصوصاً القوى الاستعمارية الكولونيالية البريطانية والفرنسية. وبمجرد حصول هذه الدول على الاستقلال أصبح دعاة الوطنية والقومية ممسكين بالسلطة ويمنعون مشاركة الأحزاب والطوائف الأخرى في السلطة. ومن ثم فإن مفهوم المعارضة الموالية والوفية يعتبر مفهوماً غريباً. أما الإصلاحات الداخلية والممارسات الديموقراطية فأهملت وظل الهم الرئيسي هو البقاء في الحكم. وأدى ذلك إلى فساد السلطة، وفي كثير من الحالات كان العسكر يتدخلون ويستحوذون على السلطة السياسية في سلسلة من الانقلابات كما كانت الحال في سورية عندما استولى حسني الزعيم على السلطة عام 1949، وكما هي الحال أيضاً عندما استولى جمال عبد الناصر على السلطة في مصر عام 1952.
ولعل تطور النمو السياسي في المنطقة منذ ذلك الوقت كان ينحصر في شكل إصلاحات جزئية وما يسمّى أوتوقراطيات انتخابية أو حكم الفرد مع الحضور القوي للمؤسسات العسكرية والأمنية ومظهر خارجي ديموقراطي بحواشيه وزخارفه. وفي الواقع كان هناك ميل قوي لحكم الفرد الواحد في الكثير من دول الشرق الأوسط وبلدانه، وكان ذلك في شكل ملكيات أو ديكتاتوريات.
وكي تكون هناك إصلاحات سياسية واقتصادية مستدامة في الدول الإسلامية، لا بد من مراعاة المفاهيم الإسلامية، التي يمكن أن تخلق أشكالاً إسلامية للديموقراطية، أو ما يطلق عليه"الاجتهاد"، أي ممارسة الأحكام التي تعتمد على إعمال الفكر والعقل والتدبر"عبر ما يسمّى"البيعة"وهو قسم الولاء لشيخ القبيلة.
والشورى، نعني بها ممارسة التشاور بين الحكام والشعوب بهدف عقد انتخابات لاختيار ممثلي الشعب.
والإجماع، هو مفهوم الاتفاق الجماعي في الرأي كأساس لسيادة القانون والحكم البرلماني.
ولا يجب أن نتوقع أنّ فصل الكنيسة عن الدولة الذي تطور عبر التاريخ بطرق ووسائل شتى في الغرب يمكن تطبيقه في منطقة الشرق الأوسط، فهناك الكثير من المتغيرات بالنسبة لهذا الموضوع.
وإن ألقينا نظرة خاطفة على تاريخ الفكر السياسي الإسلامي نجد جدلاً قوياً بالنسبة لموضوع العلاقة المناسبة واللائقة بين الدين والدولة. ... تضّم أندونيسيا أكبر كثافة سكانية من المسلمين في العالم ويُقدّر عدد سكانها بحوالى 200 مليون نسمة، لكنّها ليست دولة إسلامية، ومن غير المحتمل أن تصبح كذلك. وعلى رغم أن العناصر التقليدية وحتى الأصوليّة تتمتع ببعض القوة، وخصوصاً في مقاطعة آتشي، فإن معظم الأندونيسيين ينتمون إلى شكل من الإسلام المعتدل لا يتطلب رفض الحداثة. ففي عام 1954، ورداً على مساعي بعض المسلمين لإعطاء الشريعة صفة رسمية، تمكن الرئيس سوكارنو من صياغة فلسفة للدولة أو أيديولوجية تعرف"بالبنكتشيلا"تتضمن مبادئها الإيمان بإله واحد ووحدة وطنية وعدلاً اجتماعياً ورحمة وإخاء وديموقراطية. ولعل مثل هذه المبادئ الغامضة كان يمكن تفسيرها كي تناسب رغبات الحكام وأهدافهم، إلا أنها كانت تضمن قدراً كبيراً من الحرية.
المثل السابق مقتبس من منطقة تسكنها غالبية سنية"إلا أن أكبر حدث وأهم مثال معاصر في تاريخ الإسلام السياسي في العالم الإسلامي هو الثورة الإيرانية عام 1979، عندما نجح النضاليون من الشيعة بقيادة آية الله روح الله الخميني في قلب نظام حكم الشاه محمّد رضا بهلوي، وإحلال حكومة دينية ثيوقراطية مؤسسة على"حراس الثورة وولاية الفقهاء"، وهم مجموعة من رجال الدين أو الملالي قادهم في البداية آية الله علي خامنئي. وعلى رغم أن هذا النظام غلبت عليه القسوة في إرساء سياساته وإسكات معارضيه، إلا أنه يسمح الآن بقدر من الديموقراطية، فالمواطنون ذكوراً وإناثاً لهم حق التصويت في الانتخابات على كل المستويات لانتخاب مرشحين يوافق عليهم الملالي. وكانت حقوق النساء مقيّدة كثيراً في بعض المناطق والمجالات إلا أنّه سمح لهن بالالتحاق بالمدارس والجامعات وشغل الوظائف العامة وأصبح لهن الحق في الترشّح للانتخابات.
حاولت إيران مراراً وتكراراً تصدير الثورة داعية المسلمين إلى إحلال الحكومات الإسلامية محل الحكام العلمانيين أو المرتدين وإعطاء الكثير من الدعم المالي والعسكري لمنظمات شعبية وسكان شيعة في كل من العراق ولبنان. وحتى في المناطق السنية مثل فلسطين، أمد الإيرانيون إخوانهم بالعون والدعم وخصوصاً الجماعات الإسلامية الأصوليّة مثل حماس.
ما ذكرنا يعطي فكرة واضحة عما يجري في العالم الإسلامي، ومن ثم يتوجب علينا أن نسلك منحى يتسم بالمرونة في تعاملنا مع هذا العالم ونتذكر دائماً أنه يختلف في الكثير من الأمور في شتى أجزائه، حتى أنه ينطبق عليه الوصف"فسيفساء وليس كلاً واحداً". ...
في هذا السياق يجب وعي الفروق بين الجماعات الإسلامية. ولأكون صريحا وواضحاً، بعض هذه الجماعات والحركات خارج النطاق ولا بد من معارضتها وصدها بقوة والعمل على تهميشها.....
إلا أن بعض الجماعات والأحزاب الإسلامية تمثل مدارس فكر إسلامية يمكن الانخراط معها لتشارك في العملية السياسية، وإقناعها بالتقيد بقوانين اللعبة. ومن هذه الجماعات أو الأحزاب حزب"العدالة والتنمية"في تركيا الذي نجح في الانتخابات عام 2002 وحكم البلاد بزعامة رئيس الوزراء طيّب أردوغان، وكذلك حزب"العدالة والتنمية"في المغرب، وجماعة"الإخوان المسلمين"في مصر والأردن، وپ"حزب العدالة المزدهر"في أندونيسيا.
وهناك نوع آخر من الجماعات مثل"حماس"وپ"حزب الله"اللتين تمتلكان أجندة أصولية إسلامية وتلجآن للعنف ولهما أهداف إقليمية، ومنها معارضتهما للاحتلال الإسرائيلي. إن التطورات على الأرض بين الإسرائيليين والفلسطينيين مثل فك الارتباط من جانب واحد الذي استخدمه باراك، والانسحاب من جنوب لبنان عام 2000، والانسحاب الأحادي من جانب آرييل شارون من غزة وأربع مستوطنات في الضفة الغربية عام 2005، يمكن أن تساعد في التقليل من سبب وجود هذه المنظمات، مع الأخذ في الاعتبار الأحداث الأخيرة في كل من لبنان وفلسطين وذلك حتى التوصل إلى سلام شامل في المنطقة كلّها.
والتحدي الذي نواجهه مع حركتي"حماس"وپ"حزب الله"ينحصر في ما إذا كانتا مستعدّتين لتغيير سياستهما والابتعاد عن العنف والمشاركة السياسية في كل من لبنان وفلسطين، وهو جهد يجب أن يكون مدعوماً، لكن من دون أوهام حول التعقيدات التي قد تنجم، خصوصاً إذا ما وضعنا في الاعتبار برنامجهما الأيديولوجي.
وفي هذا السياق أتفق مع رؤية شلومو بن عامي وزير خارجية إسرائيل السابق، عندما قال:
إن الحوار مع الإسلام السياسي في شكل"حماس"على سبيل المثال ضرورة حتمية. فالإقصاء وتحريم التعامل مع"حماس"لن يؤديا إلى شيء وستحل الكارثة ومثال الجزائر واضح أمامنا. ففتح مجال للنشاط السياسي المشروع لهذه الأحزاب وأنشطتها بما يشمل اعترافنا بحقها في الحكم هو الطريق الأوحد لتشجيع الاعتدال. لذلك، فإن التحدي الماثل أمامنا لا يكمن في تدمير الحركات الإسلامية التي تحظى بالتأييد الشعبي في العالم العربي، وإنما يجب علينا أن ندعم انتقالها الهش من الجهاد الأصولي إلى سياسة المساومة.
وجرت اتصالات بين ديبلوماسيّي الولايات المتحدة وممثليها وجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وعليه فإن هذا الحوار يجب أن يستمر. ففي عام 2005 سُئِل مرشد جماعة الإخوان محمد مهدي عاكف عما إذا كانت المنطقة مستعدة للتحدث مع الأميركيّين، وكان رده بالإيجاب، إلا أنه يجب على الأميركيين أن يتقدموا بطلب إلى وزارة الخارجية بهذا الخصوص. وكان يعني بذلك أن الجماعة لا تعمل في الخفاء وليست كياناً منعزلاً عن الحكومة المصرية.
وكتب جيمس تروب في"نيويورك تايمز"أن عضواً في جماعة الإخوان المسلمين أخبره"إننا نريد أن نرسي تصوراً بأن أي جماعة إسلامية يمكنها أن تتعاون مع أي جماعات أخرى معنية بحقوق الإنسان. فنحن لا نريد بلداً مثل إيران التي تظن أنها تحكم بتفويض إلهي"نحن نريد حكومة مؤسسة على القانون المدني ولها مصدر إسلامي للتشريع".
وبالمثل، قال حازم فاروق منصور رئيس لجنة السياسة الخارجية لتكتل الإخوان في البرلمان المصري عن معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل:"إننا نقبلها كاتفاق سواء رضينا أم لم نرض بها". فالقرآن، يحضّ المسلمين على احترام المعاهدات.
لا شكّ في وجوب اختبار هذه التصريحات، وفي هذه الحال فالسؤال الأساسي هو: إذا أخذنا في الاعتبار معارضة الإخوان المسلمين معاهدة كامب ديفيد والسلام مع إسرائيل فإن هذه الجماعة ستتخلى عن الالتزامات المنصوص عليها في المعاهدة في حال وصولها إلى السلطة ....
خيارات صعبة
مهمة انخراط الجماعات والأحزاب الإسلامية يتطلب منا أولاً خيارات صعبة وحوافز وعقبات تطرحها دول المنطقة المنخرطة، وثانياً، عملية تشكيل وصياغة سياسات للمجتمع الدولي، خصوصاً الولايات المتحدة، إذا أخذنا في الاعتبار دورها الرئيسي في منطقة الشرق الأوسط وعالمياً. وكما سبق أن أشرت في خطابي في الميريديان:
نحن نختلف مع هؤلاء بغض النظر عن دينهم، هؤلاء الذين يمارسون العنف ويعملون على قمع الأقليات ويحضّون على عدم التسامح أو يخرقون المستويات المقبولة للسلوك الدولي والمتعلقة بحقوق الإنسان"ونحن نختلف مع هؤلاء الذين يغلّفون رسالتهم بغلاف السلطوية والذين يتبنون المواجهة الدينية والسياسية بدلاً من الانخراط البنّاء مع بقية العالم"كما إننا نختلف مع هؤلاء الذين لا يشاركوننا التزامنا بالحل السلمي للصراع وخصوصاً الصراع العربي الاسرائيلي، ومع هؤلاء الذين يحاولون الوصول إلى أهدافهم عن طريق القمع أو العنف. وفي الوقت نفسه، فإن هؤلاء المستعدّين للقيام بخطوات معينة لتحقيق انتخابات حرة وخلق أنظمة قضائية مستقلة وتعزيز سيادة القانون والتقليل من القيود على الصحافة واحترام حقوق الأقليات وضمان الحقوق الفردية، سيجدون أننا جاهزون للاعتراف بجهودهم ودعمها....
على الولايات المتحدة والدول الأخرى الرائدة في القيادة أن تأخذ في الاعتبار مميزات الانخراط مع الجماعات الإسلامية المستعدة للتخلي عن العنف والراغبة في الالتزام بتوسيع المشاركة السياسية في منطقة الشرق الأوسط"والواقع أنّ اتصالات مماثلة لا تؤدي إلى نتائج سلبية، وقد نفهم على الأقل بشكل أفضل القوى الديناميكية الفاعلة في البلاد الإسلامية. حقاً إن هذا المنحى يمكن أن يعزز من قدرتنا على صياغة سياسات تسهل عملية التمثيل السياسي الأوسع والإصلاحات الاقتصادية.
الأحزاب الإسلامية - السياسية
كنت أتناقش في واشنطن عام 1992 مع الديبلوماسي المصري المحنك عبد الرؤوف الريدي عن استخدام الإسلام كأداة سياسية. وقال لي إن الحركات الإسلامية تسعى لكي تصبح أحزاباً سياسية حتى تستطيع الوصول إلى السلطة السياسية. فهي تبدأ كحركات دينية ولا تكشف عن دوافعها السياسية في البداية. فهم سيحاولون الاشتراك في الانتخابات وذلك في محاولة للاستيلاء على السلطة بالقوة. فعندما بدأت جماعة الإخوان في مصر عام 1928، برزت كمنظمة اجتماعية اقتصادية تؤكد على أن الله والدين هما ملجأ للفقراء والمحرومين. وفي الأردن أيضاً بدأت الجماعة كمنظمة اجتماعية إلا أنّها أعلنت عن نفسها كحزب سياسي عام 1940. أما في سورية، فلقد بدأت كمؤسسة أو اتحاد ثقافي ونمت حتى أصبحت قوة سياسية كبيرة وحاولت قلب نظام حكم الرئيس حافظ الأسد الذي سرعان ما تحرك بسرعة وبفاعلية ضدّهم في حماة عام 1982 في عمل عسكري نجح في شل حركتهم تماماً. وفي السودان تسللت الحركة إلى صفوف المؤسسة العسكرية وقاسمتها السلطة في انقلاب عسكري.
سألت"الريدي"عما إذا كان في مصلحة المجتمع الدولي مشاركة هذه الجماعات في العملية الانتخابية آخذين في الاعتبار أنهم إذا شاركوا في تقاسم السلطة السياسية وأُجبروا على التركيز على قضايا الحكم، فربما يجنحون إلى الاعتدال في أفكارهم وآرائهم وسلوكهم. ولقد كان"الريدي"سلبياً وأجابني:"إنها جماعات سلطوية ولن تسمح للعمليات الديموقراطية أن تتم".
ومن الأهمية بمكان أن نذكر أن القرارات التي اتخذتها الحكومات العديدة داخل المنطقة وخارجها كان لها أثر في دعم مكانة الأحزاب الإسلامية. ويقول البعض إنّ السادات ارتكب خطأً عندما أدخل الإخوان المسلمين في العملية السياسية حتى يكون هناك توازن بينهم وبين الشيوعيين واليساريين. غير أن السادات فتح المجتمع المصري وسمح بالمناقشات العامة، الأمر الذي أدّى إلى خلق مواجهة عامة مفتوحة بين المتطرفين الإسلاميين والعناصر الأكثر اعتدالاً في المجتمع. وبينما كان السادات يسمح بتأسيس الأحزاب السياسية إلا أنه لم يسمح للجماعات والحركات الدينية بتنظيم يمكن أن يؤدي إلى تكوين أحزاب سياسية. كان ينظر إلى هذه الخطوة على أنها ذكية. وارتكب الجزائريون خطأ عندما سمحوا للأحزاب السياسية أن تنظم نفسها على أساس من الدين، الأمر الذي أدى إلى العنف المأسوي الذي شهدته الجزائر بعد انتخابات عام 1992.
أيد الإسرائيليون"حماس"لتكون منافساً لمنظمة التحرير في الثمانينات، وبعد ذلك بسنوات واجهت إسرائيل نتائج فوز"حماس"في الانتخابات عام 2006"وبذلك أصبحت تهدد القيادة الفلسطينية المعتدلة، أي قيادة فتح، كما تهدد محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية.
وكانت الولايات المتحدة دعمت المحاربين المجاهدين في أفغانستان في محاولتهم صدّ الغزو السوفياتي، وكانت الاستراتيجية ناجحة، أدّت إلى هزيمة السوفياتي من جهة، لكنها من جهة أخرى أدّت إلى خلق تنظيم"القاعدة".
* تصدر الترجمة العربية للكتاب أوائل الشهر المقبل عن دار الكتاب العربي في بيروت.
أنور السادات
الخميني
محمد مهدي عاكف
حسن الترابي
راشد الغنوشي
الترابي والغنوشي: القول وعكسه
يبدو إن أزمة النظام التعليمي في العالم العربي لا يمكن فصلها عن صراع الأفكار في العالم الإسلامي والأنظمة السياسية في كل دولة. فالحرب الثقافية تشن في قاعات الدرس بين المُحْدَثين الذين يسعون إلى الانخراط البناء مع العلم ويؤيدون تدريس التفكير النقدي، والآخرين من رجال الدين المتحمسين الذين يؤمنون بالتفسيرات المتطرفة الصارمة للإسلام. ...
ومن الواضح أنّ لا ضمانات على أن الحوار سيسهل الوصول إلى فهم أوسع، وإلى حلّ الصراعات والاختلافات"ولا يمكننا افتراض ان دوافع هؤلاء الذين سنتمكنّ من التحاور معهم ستكون مفيدة، فهناك مثالان يحضرانني الآن، ففي أوائل التسعينات عندما كنت مساعداً لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، أتيحت لي فرصة التحدث مع حسن الترابي وهو شخصية سياسية بارزة. ... كان مرتدياً حلة من ثلاث قطع وجاءني إلى مكتبي في واشنطن ولم يكن مختلفاً عن الكثير من رجال الأعمال الأغنياء البارزين في منطقة الشرق الأوسط الذين عرفتهم في بيروت ودمشق. وبينما كان يتحدث لاحظت أنه على دراية واسعة وفهم عميق للعديد من القضايا العامة في دول الشرق الأوسط وعلاقاتها بالولايات المتحدة والغرب. ولم أندهش لعلمي أنه يحمل درجة الدكتوراه من السوربون ويتكلم الإنكليزية والفرنسية بطلاقة. تحدث بإيجابية عن شكل ما من أشكال الديموقراطية الإسلامية، وهو الرجل نفسه الذي أسس المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي وكان يظهر في لباسه العربي التقليدي مستضيفاً مجموعة من القادة الإسلاميين النضاليين من أنحاء العالم.
وبالمثل، عقب خطبتي في الميريديان، تلقيت رسالة طويلة من راشد الغنوشي، وهو إسلامي تونسي لبق لجأ إلى لندن عام 1989 هرباً من حكم قضائي بالسجن مدى الحياة كعدو للنظام السياسي التونسي. وفي حديثه معي، عبّر غنوشي عن سعادته بأن الولايات المتحدة أبدت استعداداً للتحاور ولم تعتبر الإسلام في حد ذاته عدواً. وكتب غنوشي ما يأتي:
"لا يضمر المسلمون أي مشاعر معادية لكم أو لمكانتكم كقوة عظمى، إلا إننا نريد حريتنا في أوطاننا، ونريد حقنا في اختيار النظام الذي نشعر أنه مناسب لنا. نريد أن تكون علاقتنا معكم مبنية على الصداقة"فنحن نريد الصداقة ولا نبغي التبعية. نحن نرى أن هناك قوى ذات فاعلية لتبادل الأفكار ولتدفق المعلومات وللتبادل الثقافي في عصر تتحكم فيه قواعد التنافس والتعادل عوضاً عن قواعد الهيمنة والتبعية. نحن ندعوكم لإيقاف اعتداءاتكم على شعبنا وعلى ديننا. ندعوكم لمصالحة تاريخية ولتقارب وتعاون".
لقد كنت أعي تماماً أن الغنوشي كان يأمل في أن أساعده في الحصول على تأشيرة لدخول الولايات المتحدة وهو الأمر الذي رفضناه تكراراً. إلا أن تصريحاته عكست ما يجب على الولايات المتحدة أن تسمعه من إسلامي متفانٍ إذا ما توافر السبب في الاعتقاد بأن تأكيداته كانت صحيحة. إلا أنّه مثل الترابي، الذي يكن له الإعجاب والمحبة، توضّح لي جانبه الآخر"فعلى رغم كونه سنياً أيد الثورة الإيرانية بزعامة أية الله روح اللّه الخميني وردد وصفه لأميركا بپ"الشيطان الأكبر"كما وصف إدارة بوش"بأكبر تهديد للحضارة والدين والسلام العالمي".
وفي حرب"عاصفة الصحراء"عام 1991، تلك التي سببها صدام حسين بعد غزوه الكويت، انضم الغنوشي بحرارة إلى صف صدام معلناً:"لا بد أن نعلن حرباً لا تتوقف ضد الأميركيين حتى يغادروا بلاد الإسلام، وإلا سنحرق ونحطم كل مصالحهم في طول العالم الإسلامي وعرضه"على الشباب المسلم أن يكون جدياً في تحذيره الأميركيين بأن أي ضربة ضد العراق ستعطي الفرصة لضرب المصالح الأميركية والغربية في طول البلاد الإسلامية وعرضها". ونتيجة لكل ذلك كان مؤيداً متحمساً لپ"حماس"وعارض عملية السلام العربية - الإسرائيلية ودان كل دولة تمد يدها إلى"العدو الصهيوني"ودعا الفلسطينيين الى عدم القبول بأي حل وسط.
من الممكن أن يكون الغنوشي والترابي وآخرون مخادعين، يخبرون الأميركيين بما يودون سماعه وينفسون عن مشاعرهم الحقيقية العدائية ضد أميركا كل في بلده. ومن الممكن أيضاً أنهم ما داموا يعرفون الاستجابات المناسبة لجدلهم فربما يبحثون عن تقديم فرصة للانخراط. ومهما كانت دوافعهم فإن الانخراط المتزايد والحوار معهم يمكن أن يختبر نياتهم الحقيقية.
النفوذ المتزايد للأحزاب الإسلامية في العالم العربي كما هو واضح في فوزهم في الانتخابات في كل من مصر والأردن والمغرب وفلسطين واليمن والكويت والجزائر يتطلب مناخاً متميزاً. لقد أوصيت سابقاً بأنّ على الولايات المتحدة أن تنخرط مع أحزاب معينة أو منظمات معينة للتعرف إليها في المقام الأول ولمعرفة ما تعبر عنه وذلك بهدف التفرقة بين تلك التي تلجأ للعنف وتؤيد الأيديولوجيات المتطرفة وتلك التي لا تلجأ لمثل هذه الأساليب، بغية تحديد أرضية مشتركة. ويجب أن يتركز هذا الحوار على موقف هذه الجماعات بالنسبة لأمور عدة مثل كون الشريعة أحد مصادر التشريع أو كونها المصدر الوحيد للتشريع، وموقفها من حقوق المرأة وحقوق الإنسان بوجه عام، وكذلك موقفها بالنسبة الى موضوع تداول السلطة ضمن نظام انتخابي، وحقوق الأقليات السياسية والدينية، واللجوء إلى العنف، والتفسيرات الجهادية، وكذلك بالنسبة الى حسم النزاع العربي - الإسرائيلي.
نشر في العدد: 16720 ت.م: 13-01-2009 ص: 25 ط: الرياض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.