حافظت البلدان، التي استطاعت أن تزيد صادراتها، أو تبقيها في مستوى مقبول، على معدلات نموٍ إيجابية، خلال النصف الأول من 2008، بخلاف بلدان ذات اقتصاداتٍ قويّة، لكنها عجزت عن التصدير. وفي حين سجّل أقوى اقتصادٍ في الاتحاد الأوروبي، أي ألمانيا، فائضاً تجارياً نتيجةً لمتلازمة سلبية في الصادرات والواردات، حقق أقوى اقتصادٍ عالمي، أي الولاياتالمتحدة، فائضاً تجارياً نتيجة زيادة صادراته، وحتماً التراجع في وارداته. وإذا كان حجم التبادل التجاري العالمي للسلع، يربو على 13 تريليون دولار، فإن نصيب البلدان المصدّرة منها، يتوقف على مدى حاجة زبائنها للسلع المصدّرة، مثل النفط، أو لمدى مطابقة منتجاتها لمعايير المواصفات الدولية. فالسلع والمنتجات والبضائع الصينية التي تغزو بلداناً في أميركا الشمالية وأوروبا، هي غير البضائع التي تصدرها الصين إلى دول بلدانٍ نامية لا تلتزم معايير المواصفات القياسية. والشركات المتعددة الجنسية تنتج سلعاً تنافسية تتوافر فيها المواصفات القياسية ومعايير السلامة العامة، توردها إلى الأسواق الملتزمة بها، بينما تصدر سلعاً بنوعية رديئة، إلى أسواق البلدان النامية والفقيرة، فتنافس في السعر ورداءة النوع. ولا تستقيم أصول المنافسة، بالتزام الضوابط المعيارية بأسعارٍ ملائمة، بل تتعداها إلى الابتكار. فالابتكار يبقى"محروقات مولّد النمو وضمانةً فضلى لاختصاص البلد"، بحسب تقرير"مجلس التحليل الاقتصادي"رئاسة مجلس الوزراء الفرنسي، تاريخ 28 آب/أغسطس الماضي. من دون الابتكار لا يمكن للبلدان المتقدمة أن تحقق نمواً أو تنافس في أسواق العالم. ويحتاج الابتكار إلى استثماراتٍ توازي اثنين في المئة على الأقل، من الناتج المحلي، وهي لم تعد متوافرة في الاتحاد الأوروبي، بل في الولاياتالمتحدة، فأغرت الأدمغة الأجنبية بارتياد مختبراتها الخاصّة والعامة، وبقيت الأسبق في الابتكارات وتعديل الاختراعات السابقة، لتؤدي سبق التنافس في نوعية الخدمات، وتوفّر في التكلفة والوقت. وبات الابتكار وملاءمة البضائع، أدب الاقتصاد العالمي، أكثر ترسيخاً في أميركا الشمالية واليابان منه في الاتحاد الأوروبي. وتنفق اليابان أكثر من 3 في المئة من ناتجها المحلي على الابتكار، بينما تنفق الولاياتالمتحدة أقل من 3 في المئة والاتحاد الأوروبي أقل من اثنين في المئة. وتستثمر الصناعة نحو 60 في المئة من إجمالي الاستثمارات على البحوث والتطوير، لأنها المعنية أكثر بتحقيق تنافسية منتجاتها في الأسواق. وتحتاج اختراعات إلى سنواتِ بحثٍ ومبالغ طائلة. لكنها تستفيد من السوق وتحقق عائداً مجزياً للشركة المخترعة، سواء لناحية الاستفادة من براءة الاختراع أو لناحية المنتجات. وتشير دراساتٍ إلى أن اختراع دواءٍ ما، يكلف نحو 300 مليون دولار، لذا تستفيد الشركة المنتجة من حصرية إنتاج الدواء لمدةٍ كافية. وفي الولاياتالمتحدة تحتكر شركات إنتاج الحبوب الزراعية المعدّلة وراثياً، جميعَ عمليات الإنتاج، سواء لناحية البذار أو لناحية المبيدات الخاصة أو لناحية إنتاج البذار للموسم المقبل، ما يجعل تكلفة استخدام هذه الحبوب عبءاً على البلدان النامية. وتتخلّف البلدان غير المنتجة على صعيد البحوث والتطوير، عن البلدان المتقدمة عليها، بكون الأولى خارج مجال التنافسية، التي تبقى محصورةً في البلدان الشديدة الاهتمام بالابتكار، وأهمها اليوم أميركا الشمالية، الاتحاد الأوروبي واليابان، وتشكل منظومة البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي. أهمية الابتكارات أنها تطرح في الأسواق منتجاتٍ حديثة، لا تتوافر لدى بلدانٍ أخرى، وتثبت فعاليتها قبل أن تبتكر بلدانٌ منافسة شبيهاً لها، أو أفضل منها. وفي المتوسط تستغرق رحلة"الابتكار"من بلد المنشأ إلى أسواق العالم بين ثمانية أشهر و18 شهراً، بحيث يصير الاختراع قديماً، أو يكون تلقى تعديلاً. هذه التنافسية ستميّز السلع والمنتجات والبضائع والخدمات والآليات، وسط تنافسٍ في إنتاج السلع المتشابهة الرخيصة وقدرتها على الانسياب إلى أسواق العالم بلا منازع. لذا تهتم بلدان مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا والولاياتالمتحدة وكندا واليابان بالبحوث والتطوير والابتكار، لتنافس البضائع الصينية الرخيصة والسلع الوافدة من بلدان الشرق الأقصى. يبقى أن الابتكار ظاهرة تثمينٍ اقتصاديٍ للأفكار الجديدة التي تهم الإنتاج أو الممتلكات أو الخدمات، سواء لغاية تجارية أم لا. والاهتمام به أساسيٌ للسلطات العامة. من دون الابتكار والاستثمار في البحوث والتطوير، تبقى البلدان العربية، مستوردة لما تنتجه بلدان العالم المتقدم، في ميادين الاستهلاك والخدمات جميعها. ولا تنافسية بين البلدان المتقدمة وتلك الناشئة، إلا بالابتكار.