في إطار المباحثات المتقطعة بين سورية وإسرائيل، وعبر الوسيط التركي , يبقى الجولان الموضوع الأهم في صراع السلام. فقد كان الجولان محط وجهات نظر دولية وسورية وإسرائيلية متباينة ولكن الأحقية والشرعية السورية في استعادة الجولان مازالت محط تأكيد دولي وإصرار سوري. حول هذا الموضوع صدرت دراسات مهمة منها على سبيل الذكر لا الحصر دراسة محمد مصلح الخبير في الشؤون الخارجية السورية والجولان وفريد رك هوف الذي ركز على البعد المائي في مسألة الجولان وألون بر الذي أكد على الشرعية السورية في استرجاع الجولان كشرط أساسي لتحقيق السلام. ولا بد من الإشارة أيضاً إلى كتاب الباحث السوري رضوان زيادة حول هذا الموضوع. الأسطورة الأمنية التي تروجها إسرائيل باستمرار للحفاظ على الجولان لم تكن هي دافعها لاحتلال الهضبة بقدر ما كان يحرك القادة العسكريين الإسرائيليين منافع اقتصادية وزراعية بحتة . يتضح لنا ذلك بشكل أكثر جلاء: لدى النظر في تفاصيل المفاوضات السورية-الإسرائيلية التي عقدت على مدار عشر سنوات بين رابين الذي كان يعتبر مرتفعات الجولان حماية لإسرائيل ثم شمعون بيريز الذي كان يركز على البعد الاقتصادي للهضبة. أما نيتانياهو فكان يروج لفكرة"المساحات الدفاعية"الأساسية لإسرائيل وبينها الجولان. أما في عهد باراك فقد عاد موضوع المياه ليتصدر اهتمامات إسرائيل بالاحتفاظ بالجولان. أصبح الجولان بمثابة رهان جيوبوليتيكي بين سورية وإسرائيل. وإذا كان التصور القانوني والدولي لهذه الأراضي الجولان أنها "أراضٍ محتلة"فان إسرائيل تسوق مفاهيم مغايرة عن الجولان تستبعد الإطار القانوني والشرعي لهذه الأرض. بعد حرب 1967 سيطرت إسرائيل على الجولان القسم الأكبر من محافظة القنيطرة وعلى سكانها القاطنين 130 الف نسمة تقريبا ويقيمون في 139 قرية وبلدة و61 مزرعة. وخلال أشهر أصبحت مرتفعات الجولان بأسرها خالية تقريبا من السكان وفي حين تصر الرواية الإسرائيلية على تصوير الجولان ارض بلا شعب أو إلى الترويج بان سكان الجولان فروا من تلقاء أنفسهم ولم يجبروهم احد على الرحيل. إلا أن تقرير الأممالمتحدة الذي نشر في 2 تشرين الأول أكتوبر 1967 أكد على وجود بضعة ألاف من السكان. وبعد توقيع اتفاق تموز للوقف إطلاق النار اجبر الناس على مغادرة القنيطرة بالقوة. وأفرغ آنذاك العديد من القرى من ساكنيها مثل جباتا وزعورة وعين فيت، بانياس. وهكذا بنهاية تموز يوليو 1967 لم يكن قد بقي في الجولان سوى ست قرى هي مجدل شمس اكبر القرى وبقعاتا ومسعده وعين قينه وسحيتا والغجر. وبسبب موقع سحيتا القريب من خط إيقاف النار فقد عملت القوات الإسرائيلية على تدمير هذه القرى وتوزع سكانها على القرى الباقية وإرغام الكثيرين على النزوح نحو الجزء غير المحتل من الجولان. بعد أن استتب الأمر لإسرائيل في الجولان قامت باتخاذ عدة إجراءات" لتهويد"المنطقة.فقد أفرغ العديد من القرى من ساكنيها مثل جباتا، زعورة، بانياس، ولجأ الكثير منهم إلى قرية مجدل شمس وفي نهاية عام 1967 لم يكن قد بقي في الجولان سوى 6 قرى. كما صودرت الهويات الشخصية السورية واستبدلت بهويات عسكرية إسرائيلية واستبدلت العملة السورية بعملة إسرائيلية وتم إصدار لوحات معدنية إسرائيلية للسيارات وفي موازاة هذه الإجراءات القمعية استفاد المستوطنون الجدد من الإسرائيليين من الضمانات التي استحدثتها القيادة العسكرية في الجولان والتي كفلت لهم تخصيص وتوزيع الأراضي والممتلكات التي تعود إلى الحكومة السورية أو المواطنين السوريين. إذ بدأت حركة بناء المستوطنات مباشرة بعد انتهاء حرب 1967 حيث استضافت الجولان أول مستوطنة أنشأتها إسرائيل في المناطق التي احتلتها حديثا وبعد مرور شهر واحد فقط، وهي مستوطنة بيروم هغولان التي أنشئت في 14 تموز 1967. وبحلول 1969 كان هناك 11 مستوطنة إسرائيلية تعاونية وترتبط بأحزاب تنتمي إلى الائتلاف الحكومي العمالي آنذاك. أخيرا يمكن القول إن عدد المستوطنين الإسرائيليين في الجولان يبلغ اليوم 18 ألف مستوطن يتوزعون على 30 مستوطنة، ومدينة واحدة كتسرين هذا دون أن نأخذ بالحسبان بالطبع سكان الجولان الأصليين من العرب والدروز الذين يبلغون 13 ألفاً ويتوزعون في أربعة تجمعات سكنية هي مجدل شمس وبقعاتا ومسعده وعين قينه، يضاف إليها سكان قرية الغجر التي تقع ضمن الحدود اللبنانية. إن سكان الجولان الأصليين يعيشون الوجه الآخر للحياة المستوطنين اليهود إذ استخدمت الحكومات الإسرائيلية وسائل عدة من أجل إرغامهم على الخضوع والقبول بالجنسية الإسرائيلية التي كان يجري فرضها بالإكراه ومع هذا ظلت غالبية هؤلاء ترفض هذه الجنسية رغم ما يعني ذلك من اضطهاد لهم. * كاتب فلسطيني.