- شوشيل، نحن لن نعيش هنا الى الأبد، أنا لا أكسب نقوداً كافية في الوقت الحاضر، ولكنني أؤلف كتاباً، وهناك بعد ذلك مسرحيتي التي أكتبها للمسرح، وحتى إذا لم أوفق هذه المرة فلسوف أوفق في المرة المقبلة، وآخذك بعيداً من هنا. - الى أين ستأخذني؟ البنات الأخريات يقرأن ويكتبن، أما أنا فلم أتعلم كيف ذلك، لعلك تذكر عندما طردوني من المدرسة، كنت أجلس في الفصل ويقرأ المعلم شيئاً لنا فلا أفهمه، كنت أرى دائماً وجوهاً مضحكة، وحين أدعى الى السبورة لا أعرف شيئاً وأبدأ في البكاء. فسألتها: ماذا كنت ترين؟ - أوه، أخشى أن أخبرك، كنت أرى امرأة تمشط شعر ابنتها بمشط بديع وتضع الكيروسين عليه لتستخرج منه القمل، وفجأة يأتي القمل من كل ناحية، وبق الفراش أيضاً، فتصرخ الفتاة كالمجنونة، ولا أذكر الآن إن كانت يهودية أم غير يهودية، ويلتهم القمل الأم والفتاة في دقيقة، ولا يترك سوى عظامهما، وعندما كنت أسير في الشارع أقول لنفسي: ماذا يحدث لو سقطت شرفة على رأسي؟ وإذا مررت بشرطي قلت لنفسي: ربما حدثته نفسه بأنني سرقت شيئاً، فيأخذني الى السجن، أريل، لسوف تظن أنني مجنونة. - كلا، يا شوشيل، ليس ذلك وإنما هي الأعصاب. - ما الأعصاب؟ أخبرني. - الخوف من المصائب والمحن التي حدثت أو قد تحدث للبشر. - ليزر الساعاتي يقرأ الصحف لنا، أشياء فظيعة تحدث كل يوم، كان رجل يعبر الشارع فدهسته عربة وحاولت فتاة من الرقم 9 أن تصعد عربة التروللي قبل أن تتوقف ففقدت ساقها، وفي الأسبوع الماضي فقط كان سمكري يصلح سقفاً فسقط وقُتِل، وكانت البالوعة حمراء من كثرة الدم، لم أكن أنتبه لدروسي وأشياء كهذه تدور في رأسي، وعندما كانت أمي ترسلني لشراء شيء كنت أحكم قبضتي على النقود، فإذا ما وصلت إلى الدكان تكون قد فقدت مني، فما تفسير ذلك؟ - في داخل كل شخص عدو يكيد له. - إذاً، لماذا لا يوجد عدو لدى تيبل يا أريل؟ أريدك أن تعلم الحقيقة كيلا تظن أننا خدعناك. - لم تخدعي أحداً يا شوشيل، لسوف أساعدك. - كيف؟ إذا كان الأمر سيئاً جداً الآن، فماذا سيحدث حينما يأتي هتلر، أوه، أمي صَحَت! وجرت"شوشا"من التجويف، فسمعت صوتَ تمزقِ قميصها، إذ أمسك به مسمار في الباب. * هذه الزاوية تتذكر كتاباً وتدل القراء إليه. رواية"شوشا"للبولندي إسحق باشيفيس سنجر 1904-1991 صدرت عام 1978. ترجمها الى العربية سمير أبو الفتوح وصدرت في القاهرة عن"الهيئة المصرية العامة للكتاب". المنشور أعلاه مقطع منها.