بعد مخاض عسير دام اكثر من شهرين تخللتها مفاوضات معقدة تمكن البرلمان العراقي امس من تمرير قانون انتخابات مجالس المحافظات، الذي نقضه مجلس الرئاسة، بإجماع كل الكتل البرلمانية بعدما تم التوصل الى صيغة توافقية بشأن المادة 24 من القانون المتعلقة بانتخابات كركوك المتنازع عليها عبر تأجيل الانتخابات فيها. ووافق النواب بالاجماع على تعديل القانون، الذي اعدته لجنة التنسيق المكونة من لجنتي الاقاليم والقانونية البرلمانيتين، وينص على اجراء الانتخابات المحلية في موعد اقصاه 31 كانون الثاني يناير المقبل باستثاء كركوك، وعبّر نواب مسيحيون عن خيبة أملهم حيال تجاهل القانون حقوق الاقليات، فيما ابدت المفوضية المستقلة العليا للانتخابات قلقها من امكان تنظيم العملية الانتخابية في الموعد المعدل. ووافق 191 نائبا حضروا الجلسة من اصل 275 بالإجماع عبر رفع الايدي على اجراء الانتخابات خلال الاشهر الاربعة المقبلة. وقال رئيس البرلمان محمود المشهداني في مؤتمر صحافي مشترك مع ممثل الامين العام للامم المتحدة في العراق ستيفان دي ميتسورا بعد الجلسة:"بعثنا رسائل كثيرة من خلال قانون الانتخابات، هي ان القانون وضع بالشكل الذي يريده العراقيون وكما يريد الشعب". واضاف ان"التوافق سيد الموقف. واصرارنا عليه مرده اننا نستطيع ان نحل مشاكلنا ديموقراطيا". وشدد المشهداني على ان"كركوك كانت أم المشاكل واصبحت الان رمز الرسالة القومية والتوافق وجمع شملنا، وهي عنوان توافقنا". واضاف ان"كركوك رمز الوحدة الوطنية ورمز النظام العراقي الجديد". لكنه لفت الى تجاهل الاشارة الى نسب الاقليات ودورها في القانون المعدل واعتبرها"غصة"تثير الحزن لكنه وعد بمتابعة الامر مع ممثل الاممالمتحدة واللجان المشتركة لتضمين ذلك مستقبلا. ومن جهته اعتبر دي ميتسورا ان"كركوك رمز الوحدة الوطنية ورمز النظام الجديد، وهذا يوم عظيم للعراق ويوم للديمقراطية". واضاف ان"العراقيين اثبتوا أن بإمكانهم التوصل الى توافق حول قانون انتخابات مجالس المحافظات". وتابع"اقول لممثلي الاقليات، لقد سمعنا صوتكم ومخاوفكم وأنتم على حق". لكن النائب المسيحي الاشوري يونادم كنا عبر عن خيبة امله حيال تجاهل القانون حقوق الاقليات. وقال"اشعر بخيبة امل ازاء تراجع مبادئ الديموقراطية". واضاف"اشعر ان هناك توجها لاجتثاث المسيحيين من كل مرافق الدولة"لكنه اكد ارتياحه ازاء تطمينات رئيس البرلمان وممثل الاممالمتحدة. من جانبه، شكر النائب سليم عبدالله المتحدث باسم"جبهة التوافق"السنة،"الكتل كافة التي قدمت تنازلات"للتوصل الى اتفاق. وقال القيادي في"التحالف الكردستاني"محسن السعدون ل"الحياة"انه"تم الاتفاق على الصيغة التوافقية قبيل جلسة الاربعاء، واصبحت المادة 24 تنص على ان"تتكفل على قدم المساواة الحكومتان الاتحادية والمحلية في كركوك بتنفيذ كافة المستلزمات لانجاز اللجنة النيابية المكلفة تقصي الحقائق ووضع ترتيبات الانتخابات في كركوك اعمالها وفق الدستور". واضاف"ان كتلة التحالف الكردستاني مرتاحة للاتفاق الجديد الذي نص على تقاسم السلطة الرقابية في الاشراف على الانتخابات وعمل لجنة تقصي الحقائق التي ستدرس التغيير الديموغرافي الذي لحق بكركوك قبل وبعد 9 نسيان ابريل 2003". وأكد السعدون ان كتلته"اشترطت عدم تداخل قانون انتخابات مجالس المحافظات والمادة 140 من الدستور الخاصة بكركوك". وكان دي ميتسورا اجرى مشاورات مكثفة مع قادة الكتل صباح امس لاقناعهم بالاتفاق الذي توصلت اليه لجنة التنسيق بعد تعديل ورقة الاممالمتحدة، فيما قال النائب عن"حزب الفضيلة"حسن الشمري ان الاتفاق كان اقتراحا قدمته"قوى 22 تموز"الى الاممالمتحدة واللجنة المشتركة ووافقت عليه باقي الكتل. وعبر النائب التركماني عن"الائتلاف العراقي الموحد"عباس البياتي عن ترحيب كتلته بإقرار قانون الانتخابات وقال ل"الحياة"ان"أجواء ايجابية سادت الجلسة، وبعد قراءة تعديل المادة 24 من القانون وتحديداً الفقرة 2 و 4 منه تم التصويت بالاجماع على القانون". واضاف"تم بموجب القانون المعدل ارجاء الانتخابات المحلية في كركوك الى ما بعد انتهاء عمل لجنة تقصي الحقائق البرلمانية التي ستشرف على عملها الحكومة المركزية مع الحكومة المحلية على قدم المساواة، وستقدم تقريرها الاولي في اذار مارس من العام المقبل، يصار بعدها الى تشريع قانون انتخابي خاص لكركوك". واوضح البياتي ان"القانون لم يحدد موعداً لاجراء الانتخابات في كركوك"لافتاً الى"ان ذلك يعتمد على تقرير لجنة تقصي الحقائق والمفاوضات التي ستجريها الكتل بعد ذلك". الى ذلك قال رئيس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق فرج الحيدري ان المفوضية تحتاج الى اكثر من 150 يوما للإعداد لأي انتخابات مضيفاً"لا نستطيع ان نؤكد الان قدرتنا على تنظيم عملية انتخابات مجالس المحافظات والأقضية والنواحي". واوضح الحيدري في تصريح الى"الحياة"ان"القانون سيأخذ وقتا غير قصير ليصل الى رئاسة الجمهورية للمصادقة عليه ومن ثم نشره في الجريدة الرسمية ليكون نافذاً وتعتمده المفوضية"، مشيراً الى ان"الفترة المقبلة ستشهد عطلات كثيرة ستؤثر على استعدادت المفوضية"وزاد"خلال الايام المقبلة سنعلن ما اذا كنا جاهزين او سنطلب تأجيل الانتخابات". وتمثل كركوك الغنية بالنفط، ويطالب الاكراد بضمها الى اقليم كردستان، محور خلاف بين الكتل البرلمانية. وتمحور الخلاف حول القانون على مسألة توزيع السلطات الادارية والامنية في كركوك. ووافق البرلمان على اقتراح اجراء انتخابات كركوك بعد تقاسم السلطة الادارية والامنية، وخصوصا منصب المحافظ ونائبه ورئيس مجلس المحافظة، بنسب عادلة بين مكوناتها الأساسية الثلاثة العرب والأكراد والتركمان من دون الاشارة الى موعد محدد لتقاسم السلطة. ويتضمن الاقتراح تشكيل لجنة، تضم عضوين من كل مكون رئيسي في كركوك العرب والاكراد والتركمان من نواب البرلمان وممثل عن المسيحيين، بحلول الاول من تشرين الثاني نوفمبر 2008 تتولى التنسيق مع الاممالمتحدة لتنظيم آلية تقاسم السلطة.