واحد من المؤرخين العرب الذين أحدثوا تحولاً في الكتابة التاريخية في العالم العربي، وعملوا على جعل التاريخ علماً لا مجرد تسجيل للوقائع، وسرد للأحداث، ومتابعة لأخبار أولي الأمر كما نجد في كثير من كتب التاريخ الرسمية. لكن الدوري، الذي يبلغ في العام المقبل تسعين سنة، لا يُلتفت إليه ولا إلى عمله بما يستحقه هذا العالم من تقدير ودرس ونشر لكتبه وأفكاره. وهو على رغم بلوغه التاسعة والثمانين من العمر ما زال يعمل ويكتب ويبحث ويدرّس طلابه في الجامعة الأردنية في عمان، وكأنه ما زال في ريعان شبابه. ولد عبدالعزيز الدوري في بغداد عام 1919 ودَرَس في مدارسها ثم سافر إلى المملكة المتحدة ليتابع دراسته الجامعية فيها حيث حصل على شهادة الدكتوراه من مدرسة اللغات الشرقية، التابعة لجامعة لندن، عام 1942. وكانت رسالته التي أعدها لنيل شهادة الدكتوراه عن تاريخ العراق الاقتصادي في القرن الرابع الهجري. وبعد أن أنهى دراسته في جامعتي لندن وكيمبريدج عاد إلى بغداد لينضم إلى الهيئة التدريسية في دار المعلمين العالية التي كانت بمثابة الجامعة غير المعلنة التي يدرس فيها طلبة العراق فروعاً من العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية. وقد أسس الدكتور الدوري كلية الآداب في جامعة بغداد عام 1949، ثم أصبح رئيساً لجامعة بغداد في ما بعد. لكن الأوضاع السياسية المتقلبة في عراق الستينات من القرن الماضي أدت إلى سجنه وخروجه من العراق ليعمل فترة قصيرة في الجامعة الأميركية في بيروت ثم ليستقر بعد ذلك أستاذاً للتاريخ في الجامعة الأردنية منذ عام 1970. يعدّ الدوري واحداً من المؤرخين العرب الذين أسسوا لمفهوم التاريخ العربي الحديث وكيفية دراسة أحداث الماضي، فهو يدرس التاريخ بصفته موضوعاً حيوياً له أسسه وطرائق بحثه وأهدافه وخطورته بين حقول المعرفة المختلفة. ويقوم علم التاريخ، بحسب الدوري، بدور بليغ في الثقافة والتكوين الاجتماعي والخلقي للأمم، وهو يتأثر بالتيارات الفكرية والفعاليات الاجتماعية والاقتصادية والدينية والتطورات العامة. وهو يشدد على عالمية التاريخ وتشابك الحضارات البشرية وتبادلها التأثير بين بعضها بعضاً. لكن الدوري يرى في الوقت نفسه أن دراسة تاريخ أمة من الأمم يتطلب الرجوع إلى أصولها الحضارية والبشرية في شكل حواري شامل ودقيق. ساهم الدوري في وضع تصور فلسفي معاصر للتاريخ العربي بعامة، كما ساهم في دراسة التاريخ العربي القديم والتاريخ العربي الحديث، وقام في الوقت نفسه بدراسة الفكرة العربية، فكان واحداً من المؤرخين المؤثرين الذين أسسوا للفكرة القومية العربية. ومن الكتب الأساسية التي أصدرها الدوري:"مقدمة في التاريخ الاقتصادي العربي"، وپ"بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب"، وپ"مقدمة في تاريخ صدر الإسلام"، وپ"الجذور التاريخية للقومية العربية"، وپ"التكوين التاريخي للأمة العربية"، وپ"العصر العباسي الأول"، إضافة إلى عدد كبير من الدراسات والأبحاث المختلفة التي نشر كثير منها في الدوريات العلمية بالإنكليزية والألمانية. من خلال هذه الكتب والدراسات، استطاع الدوري أن يصبح واحداً من أبرز مؤرخي العرب في القرن العشرين، وشاهداً حياً على أبرز أحداثه، وظل منكباً على دراسة التاريخ العربي، موغلاً في التنقيب عن الفكر العربي في كل مراحله، مستخرجاً دروس الماضي ومحللاً أحداث القرن العشرين التي عايشها وتفاعل معها. فهل تتذكر مؤسسات الجامعة العربية أو المؤسسات الأكاديمية العربية هذه القامة في ميدان الدراسات التاريخية فتقيم مؤتمراً يكرّمه؟