في الدورة الأخيرة لمهرجان الإسكندرية قوبلت الفنانة ماجدة الشخصية المكرمة بعاصفة من التصفيق، كونها فنانة سكنت وجدان الجمهور المصري والعربي على مدار أربعة عقود عبر الكثير من الأدوار المتنوعة، يبرز بينها على وجه الخصوص دورها في فيلم المناضلة الجزائرية جميلة. وفي الليلة ذاتها تسلمت الفنانة المرموقة شهادة التكريم من محافظ الإسكندرية وراعي المهرجان لمجمل"عطائها في السينما المصرية كممثلة منتجة"، فأطرقت الفنانة الكبيرة في تواضع أمام الحضور المحتشدين في قاعة سيد درويش ولم تسعفها الكلمات فأراحت كفيها على رأسها تحية لجمهور تحمل له الحب والتقدير. وفي إطار المهرجان أقيمت ندوة للفنانة في مركز الإبداع في الإسكندرية أدارتها الناقدة ايريس نظمي وحضرها حشد من الجمهور. وفي مستهل الندوة قدمت نظمي، الفنانة المحتفى بها بلقب"عذراء الشاشة"، وأضافت أنها أثرت السينما المصرية بنحو 65 فيلماً اختار النقاد ستة من أفلامها ضمن قائمة أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية، بينها ثلاثة أفلام من إخراج أحمد بدرخان هي"مصطفى كامل"1953 وپ"ليلة غرام"1951 وپ"الله معنا"1955، ذلك غير فيلم"جميلة"1958 الذي اشترك في كتابته نجيب محفوظ وعبدالرحمن الشرقاوي وأخرجه يوسف شاهين، إضافة الى فيلم"الرجل الذي فقد ظله"1968 الذي أخرجه كمال الشيخ عن رواية للكاتب فتحي غانم، وأخيراً فيلم"إجازة نصف السنة"الذي قاسمتها بطولته فرقة رضا للفنون الاستعراضية وأخرجه علي رضا 1962. البدايات تحدثت ماجدة إلى الجمهور فقالت إنها لم تدرس التمثيل دراسة أكاديمية إنما اكتسبت خبرتها من خلال توجيهات كبار المخرجين الذين عملت معهم. ويسجل الناقد حسين بيومي في كتابه عن الفنانة ماجدة أنها عملت مع ثلاثين مخرجاً، منهم أحمد بدرخان وعاطف سالم وحسين كمال وكمال الشيخ وحسن الإمام وهنري بركات وفطين عبدالوهاب، إضافة الى المخرج الراحل يوسف شاهين الذي أخرج لها فيلمين:"بين ايديك"وپ"جميلة". وتصرح الفنانة ماجدة بأن أحمد ضياء الدين هو مخرجها المفضل حيث كان أكثر المخرجين إحساساً بقدراتها فقدمها في الأطر التي مست مشاعر الجماهير فسكنت وجدانهم. أخرج لها أحمد ضياء الدين سبعة أفلام بينها:"أين عمري"عن قصة لإحسان عبدالقدوس وپ"المراهقات". ويضيف الناقد بيومي في كتابه ان الفنانة ماجدة استطاعت أن تعمق ثقافتها بارتيادها الصالون الثقافي الذي أقامته الرائدة بهيجة حافظ وهناك استمعت إلى الكثير من الصحافيين والمفكرين. تحكي ماجدة أنها نشأت في حي شبرا في مدينة القاهرة الذي تسكنه الطبقة المتوسطة وأنها درست في مدرسة للراهبات فأجادت اللغة الفرنسية وأنها دخلت السينما من باب الصدفة. وتضيف أنها تنتمي إلى عائلة محافظة من أعيان محافظة المنوفية وتتذكر أن العائلة تقدمت ببلاغ إلى النائب العام تتهم القائمين على الفيلم بتهمة إغواء قاصر، وذلك فور علمها أنها تمثل دوراً في السينما. وتمكن المنتج آنذاك من طمأنة الأسرة حين تعهد لهم بأن كريمتهم ستظهر في إطار من الاحترام والاحتشام وأنها لم تؤد مشاهد خارجة عن التقاليد، والتزمت الفنانة ماجدة على مدار مشوارها بما تعهدت به للأسرة. الخصوصية والتميز لقد استطاعت الفنانة ماجدة أن تحتل مكانة خاصة ومميزة في السينما المصرية في حقبة كان الوسط السينمائي زاخراً بالنجوم اللامعة مثل فاتن حمامة ومديحة يسري ومريم فخر الدين وسميرة أحمد ولحقت بهن لبنى عبدالعزيز ونادية لطفي، لقد أهلتها بشرتها السمراء وملامحها الشرقية الهادئة لبطولة عدد من الأفلام المستقاة من التاريخ الإسلامي مثل أفلام:"انتصار الاسلام"1952 وپ"بلال مؤذن الرسول"1953 وپ"هجرة الرسول"1964، وتميزت الفنانة ماجدة برشاقتها وطريقتها الخاصة في نطق الكلمات فجسدت على مدار مشوارها دور البنت الخجول الطيبة التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة والتي تلتزم بالأخلاق وتقاوم الرذيلة فلم ترتدِ ملابس كاشفة ولم ترتدْ أماكن خارجة ولم تظهر في مشاهد فاضحة فدخلت قلوب المصريين على اعتبار أنها ابنة أو شقيقة لهم، باستثناء قبلة واحدة سمحت بها الفنانة القديرة للفنان عمر الشريف في فيلم"شاطئ الأسرار"1958، إضافة الى فيلمين اضطلعت ببطولتهما أمام زوجها في ذلك الوقت ووالد وحيدتها الفنان إيهاب نافع. عنيت الفنانة ماجدة خلال أفلامها بالكشف عن أن المرأة كائن حي لها مشاعر وأحاسيس كما في فيلم"المراهقات"، وتبنت في الأساس قضية حرية المرأة وسعت خلال أدوارها للدفاع عن مساواتها بالرجل في الحقوق وأيضاً بالواجبات، وعنيت بتقديم أدوار المرأة العاملة مهما كانت طبيعة ذلك العمل فقامت بدور عاملة في ورشة لخياطة الملابس وبدور بائعة الجرائد وعاملة في السنترال وأدّت دور الشاعرة والصحافية والمرشدة السياحية فضلاً عن دورها المميز كخادمة في فيلم"الرجل الذي فقد ظله"ودورها كمناضلة في فيلم"جميلة". لقد دعت الفنانة ماجدة الى أهمية التنوع فاضطلعت ببطولة الكثير من الأفلام منها الكوميدي أمام نجم الكوميديا إسماعيل ياسين ومنها الرومانسي أمام شكري سرحان وكمال الشناوي ويحيى شاهين وأنور وجدي، إضافة الى الفنان عبدالحليم حافظ الذي قاسمته البطولة في فيلم"بنات اليوم". رأت الفنانة ماجدة أن تكسر طوق الميلودراما الذي أراد المخرجون تقييدها به، فأسست شركة أفلام ماجدة لتوسيع دائرة أدوارها وتعميق الأفكار التي تطرحها وتجديد مواضيعها. أنتجت ماجدة 11 فيلماً ولجأت إلى الأدب لتقدم مجموعة من أبدع الأفلام منها"أين عمري"1956 عن رواية لإحسان عبدالقدوس وإخراج مخرجها المفضل احمد ضياء الدين، الفيلم يطرح بجرأة مأساة صبية تنتمي إلى أسرة تحكمها التقاليد فتنتزعها من المدرسة لتزف إلى من في سن والدها، فتعاني من الجفاف العاطفي وتنجرف إلى حياة اللهو بعد وفاة الزوج إلى أن ينقذها صديق من هوة الانحراف. وفي"الرجل الذي فقد ظله"عن رواية لفتحي غانم تطرق باب الأفلام الاجتماعية ذات الإطار السياسي فتؤدي دور خادمة في بيت أحد الصحافيين الانتهازيين في أربعينات القرن الفائت، وحين تنجب ولداً من والده العجوز يرفض الصحافي إعانتها على الحياة، فيساندها أحد الفنانين الشرفاء ويرعاها ويرعى وليدها بينما تنهار حياة الصحافي حين تسقط الحكومة التي يسخّر قلمه لخدمة أطماعها. وفي فيلم"أنف وثلاث عيون"عن رواية لإحسان عبدالقدوس وإخراج حسين كمال عن ثلاث نساء، تقدم ماجدة شخصية امرأة بورجوازية هشة تفشل في الحب وتفشل في الزواج فتنحدر لممارسة الرذيلة. وتطرق الفنانة ماجدة نوعية الأفلام الوطنية في فيلم"العمر لحظة"عن رواية ليوسف السباعي وإخراج محمد راضي، فتقوم بدور صحافية طليعية ترفض الاستكانة للشعور بالانكسار بعد هزيمة حزيران يونيو وتتردد على جبهة القتال إبان حرب الاستنزاف وتكتب عن الرابضين على خط القتال وتساند المصابين في المستشفى إلى أن يتم نصر تشرين الأول اكتوبر ويفوز الفيلم بأكثر من جائزة. وتستهوي الفنانة ماجدة نوعية الدراما النفسية فتضطلع ببطولة فيلم"السراب"عن رواية للأديب الكبير نجيب محفوظ وإخراج أنور الشناوي حيث تتقاسم البطولة للمرة الأولى مع النجم الشاب نور الشريف ويعرض الفيلم مأساة زوجة شابة تكتشف عجز زوجها لظروف نفسية واجتماعية آلت به ليرتبط الجنس في نفسه بالمحرمات فتلجأ إلى طبيب نفسي لعلاجه حتى يشفى، غير أنها تكون قد ارتبطت بالطبيب عاطفياً وتموت في نهاية الفيلم أثناء عملية الإجهاض ليجرّم الفيلم مجتمعاً ينكر الحق في الحب والحياة. شهادة سارتر يعد فيلم"جميلة"عن المناضلة الجزائرية تحفة الفنانة ماجدة وهو من إخراج يوسف شاهين. وعلى رغم مرور السنين، إلا أن المشاهد المصري والعربي ما زال يتذكر المشاهد المعبرة والمؤثرة للتعذيب الجسدي والنفسي الذي احتملته المناضلة بشجاعة فضلاً عن مشاهد الكفاح في جبال الجزائر، إضافة الى مشهد المحاكمة حيث تصدى للدفاع عنها أحد المحامين الفرنسيين فينتزع الحكم بالبراءة من حقها كمواطنة للدفاع عن حرية وطنها ضد المستعمر الفرنسي مذكراً هيئة المحكمة بكفاح الفرنسيين ضد الألمان. ونذكر أن الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر شاهد الفيلم في باريس فقال تعليقاً على الفيلم:"لقد انفعلت كثيراً بالفيلم، لقد هزتني الممثلة الصغيرة التي أبدعت الدور حتى أنستني جنسيتي كفرنسي". فازت الفنانة ماجدة بالكثير من الجوائز وشهادات التقدير المحلية والدولية عن أدوارها في فيلم:"ليلة غرام"وپ"أين عمري"وپ"أرضنا الخضراء"وپ"الحقيقة العارية"كما فازت بجائزة الاتحاد النسائي الدولي عن دورها في فيلم"جميلة"في مهرجان موسكو 1959 الذي حضرته مع مخرج الفيلم يوسف شاهين وشاركت الفنانة ماجدة في عضوية لجان التحكيم في مهرجانات سينمائية دولية في فينيسيا ونيودلهي وطشقند وكرلوفيفاري وموسكو، وكرمتها السينماتيك الفرنسية 1986 تقديراً لمواقفها الوطنية، كما كرمها التلفزيون الأميركي 1991 ومنحها جائزة الجدارة الفنية لريادتها في صناعة السينما وتميز أدائها وكونها علامة في تاريخ السينما المصرية، وتشغل الآن الفنانة ماجدة منصب رئيس شرف جمعية السينمائيات المصريات والتي تعمل على مشروع إنتاج مجموعة من الأفلام عن رائدات الفن والأدب والعمل الاجتماعي في مصر.