ثبتت رؤية رمضان تلفزيونياً قبل شهر من ثبوتها شرعياً"إذ بدأت الفضائيات تقديم لقطات من المسلسلات التي ستعرضها حصرياً، أو بالتوازي مع قنوات أخرى. وفي إطار هذه المنافسة الشرسة فاضت الإعلانات من قنواتها. "كبرت وما بتصغر"بحسب الإعلان الذي يتكرر يومياً، على لسان أحد أبطال"باب الحارة"تعليقاً على معركة حامية تشوق"إم بي سي"مشاهديها بقطرات من الدماء التي سالت فيها، على أن يلتقيه النبع كاملاً في رمضان! وفي الجعبة أيضاً مسلسل"أسمهان"بعد نجاح"الملك فاروق"وپ"أم كلثوم"، في شكل خاص، إذ توفر شخصيات ذلك العصر مهنة التلصص على المشاهير، مع إشباع الحنين الى العصر، ليس حباً في تلك الأيام، بل يأساً من أيامنا! ولا تتصارع القنوات على عيون الصائمين وآذانهم فقط، بل على أفواههم أيضاً، باعتبار أن أقصر الطرق لامتلاك قلب الصائم معدته. "قناة فتافيت"التي أثبتت جدارتها كقناة متخصصة، لا تتوقف عن بث الإعلانات عن مفاجأتها في رمضان، مع أن تميز القناة لا يأتي من تميز الوجبات، بمقدار ما يأتي من تميز الطاهيات، لكن ليس في هذا أي مشكلة، فالمسلسلات تحشد جميلاتها أيضاً في الصالونات الفاخرة، وليس عيباً أن تحشد"فتافيت"طاهياتها المتميزات في المطابخ الأجمل من غرف الاستقبال، أو تجعلهن يدرن في جولات حول العالم ويدخلن أفضل المطاعم في كل بلد يزرنه. ولم تترك القنوات الأخرى الساحة خالية لپ"فتافيت"، فقد تسابقت القنوات أيضاً على الإعلان عن برامج الطبخ لديها. والمشكلة في كل هذه الإعلانات أنها تسوق سلعاً للفقراء، لكنها لا يمكن أن تقدمها لهم من خلال مطبخ متواضع لطاهية بدينة داخل مريول متسخ، بل تذهب بعيداً في تسويق قنينة الزيت من خلال مائدة ضخمة في قصور الأثرياء، حيث السعادة مرسومة على الوجوه، ملتفة حول المائدة المكتظة. يأتي رمضان هذا العام وسط موجة غلاء يقال إنها عالمية، لكنها تطحن المواطن في الدول الأكثر فقراً. وتكشف إعلانات رمضان عن مشكلة أخرى من مشلات الفضائيات وهي مشكلة عولمة الإعلانات وتعريبها، بينما تختلف ظروف المشاهد في بلاد عربية تصنف بين الأكثر فقراً، وأخرى تصنف بين الأكثر غنى في العالم. "تشاهدون في رمضان"وعوداً تستطيع القنوات أن تفي بها بعدما أصبحت المسلسلات في مكتباتها، ولكي تحافظ على صدقيتها، لا بد من أن تنوه للمشاهدين قبل أن تضع صور الموائد العامرة بعبارة تقول:"هذا ما لن تأكلوه في رمضان"!