شهدت الكتل السياسية في البرلمان العراقي انشقاقات واسعة في تشكيلاتها وتحالفاتها خلال العامين الماضيين أسفرت عن ولادة كتل صغيرة تعمل داخل الكتل الكبيرة او خارجها وتتعارض معها في المواقف من القضايا المطروحة، فيما تشجع اجواء التشنج السياسي حول قضايا الخلاف على ولادة المزيد من تلك المكونات السياسية الجديدة. ويجد المتتبع للخارطة السياسية في العراق أن الانشقاقات طاولت جميع الكتل، إذ انسحب"حزب الفضيلة"والتيار الصدري من كتلة"الائتلاف العراقي الموحد"الشيعية مثلما انسحبت منها مجموعة من الشخصيات المستقلة وأعلنت تشكيل"كتلة التضامن"بزعامة النائب قاسم داود. كما شهدت"جبهة التوافق"السنية انشقاقات مماثلة أفرزت مجموعة من الكتل الصغيرة أبرزها"الكتلة العربية"وكتلة اخرى يقودها النائب طه اللهيبي، فضلاً عن انسحاب شخصيات مستقلة أخرى انضمت إلى"تجمع أبناء الرافدين"الذي يتزعمه نائب رئيس الوزراء السابق سلام الزوبعي. أما"القائمة العراقية"بزعامة رئيس الوزراء السابق اياد علاوي فتعرضت إلى انشقاقات من طابع آخر، حيث خرج الحزب الشيوعي من القائمة ليعمل منفرداً، وأعلنت مجموعة من النواب استقلالها عن الكتلة والعمل بشكل منفرد بينهم النائب صفية السهيل والنائب وائل عبداللطيف. ويلعب اختلاف المواقف من القوانين المطروحة داخل البرلمان دورا كبيرا في ظهور هذه الانشقاقات، إذ ان معظم الكتل يطالب نوابه بموقف موحد من القضايا التي يقرها قادته، في الوقت الذي يجد بعض النواب ان الأحزاب الكبرى المسيطرة على الكتل تسعى دائماً الى فرض آرائها على سائر نواب الكتلة بما يتعارض في كثير من الأحيان مع قناعاتهم. وشهدت الشهور الأربعة الماضية حراكاً واسعاً في المشهد السياسي نتج عنه تشكيل أكثر من 7 تكتلات وأحزاب سياسية جديدة، أبرزها"تيار الإصلاح"برئاسة إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء السابق العضو في"حزب الدعوة"الذي يرأسه رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي، و"تنظيم أبناء الرافدين"بزعامة سلام الزوبعي الذي يضم مجموعة من الشخصيات المستقلة التكنوقراط بينهم 4 وزراء سابقين، و"تجمع الكرامة"الذي يضم مجموعة كبيرة من مجالس الصحوة في بغداد وأطرافها. يذكر ان محاولات جرت لإنشاء كتلة جديدة باسم"الجبهة العراقية الوطنية"تضم القوى غير المنضوية في الكتل الرئيسية، وأبرزها"حزب الفضيلة الإسلامي"والتيار الصدري و"القائمة العراقية"و"الكتلة العربية للحوار الوطني"و"مجلس الحوار الوطني". ولم تبصر هذه الجبهة النور، فيما اكتفت هذه القوى بتنسيق مواقفها من القضايا المطروحة. ويلاحظ ان هذه القوى تبرر خروجها من الكتل السابقة وانخراطها في تنظيمات جديدة برغبتها في الخروج من مشاريع الكتل الطائفية والتأسيس لمشاريع وطنية بعيدة عن التحزبات الطائفية والعرقية في البلاد. وأخذت التحالفات السياسية الجديدة بعدا سياسيا للخروج من الأطر الطائفية والقومية وتقليل التوتر السياسي الذي غالبا ما ينعكس على الشارع العراقي. وعلى رغم تخوف الكثيرين من أن تكون هذه التحالفات مجرد خطابات وشعارات يلتقي عندها السياسيون فإن الحقيقة الراسخة تشير الى أن خريطة التحالفات السياسية في البلاد مقبلة على تغيير كبير، لا سيما وان قانون الانتخابات، الذي يخضع إلى جدل واسع في البرلمان بعد نقضه من هيئة الرئاسة، سيحدد طبيعة تلك التحالفات. ويرى النائب الكردي فؤاد معصوم أن"التحالفات الجديدة والمقبلة ستسهم في تقويم العملية السياسية برمتها خصوصاً وأنها جاءت مبنية على أسس وقناعات تهدف إلى اخراج العراق من أزمته"، مشيرا الى أن"التحسن الأمني والاستقرار من الاسباب الرئيسية التي تدفع باتجاه إعادة اصطفاف القوى السياسية". ويبرر رئيس الحزب الشيوعي حميد مجيد موسى بروز التحالفات الجديدة ب"فشل التحالفات التي قامت على أسس طائفية"، ويقول إن"تلك التحالفات لم تعد مقبولة لدى الشارع العراقي، ولا بد من تحالفات وائتلافات جديدة تعتمد البرامج والتوجهات والأهداف التي يسعى إليها الشعب العراقي من خلال اعادة الأمن والأعمار وترسيخ المؤسسات الديموقراطية"، مشيراً الى"استمرار المحاولات لتشكيل جبهات تقوم على رؤى وأهداف واحدة"، ويلفت الى ان"الوقت الحالي يستدعي من جميع الأحزاب نمطاً جديداً في التفكير يتسم ببعد النظر والواقعية والتعالي عن المصالح الضيقة واعتماد الأسلوب الديمقراطي بعيدا من العنف والإكراه". ويعتبر عضو"جبهة التوافق"رشيد العزاوي أن"التحالفات التي أعلنت ما زالت في اطار التكوين"، مشيراً الى ان "جبهة التوافق تتطلع الى مساهمة هذه التحالفات في إعادة رسم الخريطة السياسية وفق سياقات تخرجها من التخندق الطائفي"، ويلفت الى ان"التحالفات السياسية الجديدة ستفرز كتلاً متقاربة في الأفكار والرؤى السياسية من دون اعتماد المعايير السابقة طائفياً وعرقياً".