شهدت الفترة الماضية إعلانات متتالية من دول عربية لإيفاد سفراء لها إلى بغداد، توجت بتسمية الجامعة العربية السفير هاني خلاف مبعوثاً لدى العراق. فهل هناك رؤية عربية جديدة للتعامل مع العراق؟ وما آليات تنفيذ هذه الرؤية؟ وكيف ستكون طبيعة العلاقة بين الجامعة العربية والأطراف الفاعلة في العراق، خصوصا الولاياتالمتحدةوإيران؟ السفير خلاف الذي يستعد للسفر إلى بغداد بعد عيد الفطر زار العراق واستطلع أحوال مكتب الجامعة، وأجرى لقاءات مع مسؤولين عراقيين. وقدم تقريراً إلى الأمين العام عمرو موسى، يتضمن تصوره لمهمته. ويعوّل السفير كثيرا على إمكان إدراج"البعد الإنساني"إلى جانب"الدور القومي"للجامعة، وقال انه لا يتوقف عند مجرد"تحقيق دور فاعل في العراق"، بل سيتخطى ذلك إلى إمكان جعل"تجربة العمل العربي في العراق فرصة يمكن أن تفيد في تطوير النظام الإقليمي العربي ذاته واستكمال بعض نواقصه". ودعا في حديث الى"الحياة"الى الافادة من الشيعة مواطني الدول العربية لمد جسور التواصل مع بغداد، مؤكداً أن في إيران أطرافاً تسعى الى مد نفوذها"لكن الحكم يهمه الاستقرار"في المنطقة. وهنا نص الحديث: ما تصورك لدور الجامعة العربية في العراق؟ - لديّ تصور لبرنامج عمل يشمل محاور عدة: الأول دفع جهود المصالحة الوطنية بمشاركة كل القوى السياسية والدينية، بما فيها الحكومة والمقاومة التي تؤمن بفكرة التحول السياسي والديموقراطية. والثاني يتعلق بالمدخل الإنساني الذيي تعلق بالحاجات الاجتماعية لشرائح كثيرة من أبناء الشعب. وهنا ستحرص الجامعة على تكريس مبدأ المساواة بين المتضررين.لا محل لتخصيص الدعم على أسس عرقية أو طائفية، إنما المعيار هو حجم الضرر، وثالثاً: تنمية البعد الاقتصادي. أما المجال الرابع فهو التمثيل الديبلوماسي، وربما تعويض الغياب الموقت لبعض الدول العربية، في حدود ما تسمح به قواعد العمل في المنظمات الإقليمية وما يقتضيه مبدأ السيادة المستقلة لكل دولة عضو في الجامعة. تنفيذ هذا التصور يتطلب آليات محددة، هل تملك الجامعة هذه الآليات؟ - هذا هو التحدي الحقيقي، فالجامعة لم يكن لديها حتى وقت قريب آليات وأدوات للعمل الميداني، وهي في العراق ستكون أحوج ما تكون إلى تنشيط دور منظمات المجتمع المدني، ولو تمكنا من توظيف هذه الآليات سيكون الأمر جيدا لكل من العراق والجامعة. كيف يكون دوركم فعالا في العراق؟ - هناك ثلاثة أمور: الأول مدى تعاون الدول العربية مع الأمانة العامة للجامعة. والثاني: مدى تعاون السلطات والقوى العراقية المختلفة، والثالث تفهم الأطراف الإقليمية المحيطة والمنظمات والقوى الدولية لكون الجامعة لا تستهدف سوى صالح العراق الموحد بكل أطيافه. لكن الواقعية تقتضي ألا نتصور أن العمل سيكون سهلاً من اليوم فهناك محددات وقيود، وقد يرجع بعضها إلى طبيعة النظام الإقليمي العربي ذاته، وإمكاناته في العمل المادي والميداني، وقد يرجع بعضها إلى مخططات وإرادات أخرى لبعض الأطراف الدولية والإقليمية التي تعكس مصالحها الذاتية. ولا ننسى قبل ذلك وبعده أن هناك قوات أجنبية على الأرض تواجهها مقاومة مستمرة بأشكال متباينة، وقد تكون هناك أطراف محلية لا تتحمس كثيراً، أو أنها غير مقتنعة بدور للجامعة. هناك بعض القوى الإقليمية، خصوصا إيران، غير راغبة في وجود عربي فعال في العراق؟ - دعني هنا أحيل إلى تصريحات نقلت عن بعض المصادر الإيرانية التي رحبت بدور عربي يساعد على إنهاء الوضع الاستثنائي في العراق وإنهاء الوجود الأجنبي هناك. صحيح أن هناك بعض الفئات والدوائر الإيرانية الذي يعمل من منطلقات مذهبية وتوسعية ويسعى إلى بسط نفوذه في العراق وربما في المنطقة المجاورة أيضا، لكنني اعتقد أن النظام الرسمي في إيران مستعد للتعامل مع مقاربة رصينة مع الأطراف العربية لصالح الأمن والاستقرار في المنطقة. ماذا تملك الجامعة لتكون فاعلة في مواجهة القوات الأجنبية والطموحات الإقليمية؟ - الجامعة، من حيث المبدأ لا ترضى بأن تكون لها أدوات قسرية أو اتفاقات تؤثر في استقلال وسيادة دولة عضو من أعضائها. ويمكن أن يكون لها رصيد أكبر من الاحترام والتأثير إذا استخدمت آليات الدعم الفني والإنساني التي توجّه إلى عموم العراقيين وقد يكون استقبال الدول العربية اللاجئين العراقيين إحدى أهم هذه الآليات. وهناك في الواقع الديموغرافي الكثير من القبائل والعشائر الواحدة الممتدة والمنتشرة عبر الحدود. وعلى المستوى السياسي يمكن أن يفيد العرب بذكاء من وجود نسبة شيعية معتبرة في التركيبة السكانية لبعض الدول العربية في عمل مقاربات إيجابية لتكريس مفهوم المواطنة في تلك الدول وفي العراق ومد جسور معه. وإلى جانب ذلك هناك على المستوى الاستراتيجي إمكان تقسيم الأدوار وتوزيع المهمات بين أطراف المنظومة الإقليمية الواحدة، حسب المزايا النسبية وقدرات الاتصال التي تتوفر لبعض الأطراف العربية في علاقاتها مع الأطراف الإقليمية والدولية. سبق أن صرحت بأن هناك تطوراً ملحوظاً في مواقف مختلف الأطراف العراقية تجاه قضايا محددة، ما هي؟ - لاحظت فعلاً هذا التطور والتقارب في مواقف الأطراف العراقية إزاء مسألة الوجود العسكري الأجنبي، والمصالحة وتوسيع المشاركة السياسية وأيضا العلاقة مع إيران. فبالنسبة إلى القضية الأولى لوحظ أن الحكومة العراقية أصبحت تتعامل مع وجود القوات الأجنبية بمنطق متحفظ، خصوصا في ما يتعلق بفكرة الوجود الدائم، أما بالنسبة الى المشاركة فلوحظ انفتاح أكبر من كل الأطراف على فكرة توسيع المشاركة، وهناك حديث جاد لأركان النظام العراقي عن ضرورة تحجيم التدخل الإيراني في بعض المصالح الإدارية والرغبة في ترسيم الحدود بين البلدين. هل ناقشت الاتفاق الأمني بين العراقوالولاياتالمتحدة مع المسؤولين العراقيين؟ - لكل دولة الحق في إبرام ما تراه من اتفاقات أو ترتيبات تحقق مصالحها، شرط ألا تؤثر هذه الاتفاقات في مصالح وحرية حركة الأطراف المجاورة، وهذا ما يسعى العراقيون إلى إنجازه حاليا، يحققون لأنفسهم سيادة واستقلالاً وفي الوقت ذاته يضمنون ألا تستخدم الترتيبات الجديدة لتهديد أي طرف مجاور، عربي أو غير عربي. واعتقد بأن هناك تطمينات عراقية في هذا الشأن. وقد تكون هناك اتصالات أو توضيحات أخرى في الطريق.