باختياره جوزف بايدن نائباً له، يكون المرشح الديموقراطي للرئاسة الأميركية باراك أوباما قد اعترف بنقاط ضعفه، واستنجد بالسيناتور المعروف لمواجهة منافسه جون ماكين. ونقاط الضعف هذه تكشفت خلال الحملة الانتخابية: لون البشرة، والأصول الإفريقية الإسلامية، وقلة الخبرة في السياسة الخارجية. طوال الحملة الانتخابية، لاحظ أوباما ومساعدوه أن الناخبين الديموقراطيين البيض أكثر ميلاً الى منافِسته هيلاري كلينتون. صوتوا لها في ميتشيغن وأوهايو وبنسلفانيا، فهم على رغم قبولهم مرشحاً أسود ما زالت العنصرية تتحكم بخياراتهم الانتخابية. بعد انسحاب كلينتون أصبحوا مستعدين لانتخاب اليميني ماكين، على رغم طروحاته المضادة لقناعاتهم ومصالحهم، فالمشاعر العنصرية ما زالت قوية في المجتمع الأميركي، خصوصاً وسط الطبقات العمالية والفقيرة. وإلى نقطة الضعف هذه كان أوباما، وما زال، متهماً بأنه ليس خبيراً بالسياسة الخارجية. حاول الابتعاد عنها خلال حملته الانتخابية والتركيز على الشؤون الداخلية. لكن ماكين كان يعيده اليها، آخذاً عليه التصويت ضد الحرب على العراق، مازجاً، ضمناً، بين هذا الموقف لمنافسه وأصوله الاسلامية، ومستغلاً المشاعر العنصرية الى أقصى حد يسمح به القانون. لتعويض هذا "النقص"، اختار أوباما السيناتور المعروف، فهو كاثوليكي أبيض من بنسلفانيا ومن أصول عمالية. يستطيع أن يكون "اليانكي" الضامن لعدم "انحراف" الرئيس المقبل، اذا انتخب، في اتجاهات لا تريدها الطبقة السياسية الأميركية، ديموقراطية كانت أو جمهورية. ولهذا تأثير كبير في خيارات الناخبين البيض. وبايدن معروف كأحد أبرز المشرعين في الكونغرس منذ 35 سنة، فهو رئيسٌ للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وصاحب مبادرات كثيرة تحولت الى قرارات، منها قرار تبناه الكونغرس يقضي بتقسيم العراق الى ثلاث دول أو كانتونات على أساس مذهبي وعرقي. ومنها تأييده المطلق لقانون تحرير سورية والقرار 1559. ووقوفه الى جانب اسرائيل في حربها على لبنان. زار تل أبيب مع أوباما. واعرب الرجلان عن دعمهما الدولة العبرية لتبقى متفوقة في الشرق الأوسط وأعلنا تأييدهما لها في السعي الى جعل القدس "الموحدة" عاصمتها. والرجل لا يخفي ميوله. يؤكد أنه صهيوني ف "ليس بالضرورة أن تكون يهودياً كي تكون صهيونياً". اختيار بايدن يعني أن ماكين لن يستطيع، بعد الآن، أن يأخذ على المرشح الديموقراطي قلة خبرته في السياسة الخارجية، أو التركيز على هذه النقطة. فمواقف بايدن لا تفترق كثيراً عن مواقف الجمهوريين، خصوصاً بالنسبة الى الشرق الأوسط، وهو معروف بقربه منهم وبلعبه دور "الوسيط" بين الطرفين في أحيان كثيرة. هذه الصفات، فضلاً عن ضمانها عدم "انحراف" أوباما في اتجاهات "يسارية"، تحفظ لصانعي السياسة الأميركية مواقعهم، وتؤمن للمؤسسات والشركات مصالحها في الداخل والخارج. اضفاء اللون الأبيض على أوباما أو "اضافة قليل من الشعر الأبيض، الى رأسه" بمعنى اللون والعمر والخبرة بتعبير "واشنطن بوست"، لن يكون عاملاً مساعداً لأوباما في معركته الانتخابية فحسب، بل سيعيد سيرة ديك تشيني، نائب الرئيس جورج بوش، وهيمنته على البيت الأبيض. فضعف المرشح الديموقراطي في السياسة الخارجية ليس مقتصراً على المواجهة مع ماكين بل يتعداها الى عقدة أمام الشريك الذي اختاره لإنقاذه من هذا الضعف.