سلطت قضية المقدسية زينة عشراوي التي استغلت السلطات الاسرائيلية اقامتها مع زوجها في الولاياتالمتحدة لحرمانها من حقها في العودة الى مدينتها القدس، ضوءا ساطعا على سياسة اسرائيلية حثيثة تهدف الى تهجير تدريجي لاهالي المدينة واحلال المستوطنين محلهم. وتقول زينة 27 عاما، وهي ابنة السياسية الفلسطينية المعروفة الدكتورة حنان عشراوي، ان السلطات الاسرائيلية استغلت اقامتها في الولاياتالمتحدة مع زوجها وابنها لتصادر وثيقة سفرها وتحرمها من العودة الى مدينتها التي ولدت ونشأت فيها. وقالت زينة في رسالة وزعتها عبر الانترنت وحملت عنوان"هذه قصتي":"جئت إلى الولاياتالمتحدة بعمر 17 سنة لأنهي دراستي الثانوية في ولاية بنسلفانيا. التحقت بالجامعة، وبعد ذلك تزوجت، وأعيش حالياً شمال فيرجينيا. أزور الوطن مرة واحدة على الأقل سنوياً لأرى والديّ وعائلتي وأصدقائي، ولأجدد وثيقة سفري، إذ أنني استطعت تمديد صلاحيتها مرة واحدة في السنة من واشنطن". وتصف عشراوي الاجراءات القاسية التي يخضع لها المقدسيون لدى تجديد وثائق سفرهم الاسرائيلية بهدف التضييق عليهم ودفعهم الى الهجرة الطوعية قائلة:"نقف، أنا ووالدي، من الساعة الرابعة والنصف صباحاً في صف في وزارة الداخلية الإسرائيلية في القدس، إلى جانب العديد من الفلسطينيين الآخرين، لنجرب حظنا بدخول أبواب الوزارة المعدنية قبل حلول الظهر، موعد إقفال الوزارة، في محاولة لتجديد وثيقة السفر. وقمنا بذلك عاماً بعد عام". وتضيف:"كشعب يعيش تحت الاحتلال، يعاملنا المحتل بإذلال مستمر. هي القاعدة، لكننا قمنا بما يجب أن نقوم به لضمان عدم سرقة هويتنا منا. في آب اغسطس عام 2007، ذهبت إلى السفارة الإسرائيلية في واشنطن في محاولة لتمديد صلاحية وثيقة السفر والحصول على تأشيرة"عودة مقيم"المعتادة التي يصدرها الإسرائيليون للفلسطينيين الحاملين وثيقة سفر إسرائيلية"، مستعرضة التعقيدات التي وضعها امامها الموظفون الاسرائيليون وصولاً الى مصادرة وثيقتها واستبدالها بوثيقة سياحية تمكنها من دخول القدس والاراضي الفلسطينية كسائحة فقط لمدة ثلاثة اشهر. ويحمل الفلسطينيون المقدسيون وثيقة سفر اسرائيلية من دون ان تكون لهم اي حقوق سياسية. ويقول خبراء قانونيون ان الهوية التي يحملها اهل القدس هي بطاقة ساكن مقيم وليس بمواطن في المدينة. وسعت السلطات الاسرائيلية منذ احتلال المدينة عام 1967 الى تقليص عدد سكانها الفلسطينيين الى اقل عدد ممكن ضمن خطة طويلة الامد تهدف الى تهويد المدينة واستبدال هويتها الفلسطينية بالهوية الاسرائيلية. وتلجأ السلطات الاسرائيلية الى قانون يسمى"تغيير مركز الحياة"لسحب بطاقات الهوية من اهالي القدس الفلسطينيين الذين يقطنون في مناطق خارج المدينة، بما فيها الضفة الغربية. يقول مركز المعلومات الاسرائيلي لحقوق الانسان في الاراضي الفلسطينية"بتسيلم"ان اسرائيل سحبت منذ احتلال المدينة ثمانية آلاف بطاقة هوية من مقدسين، حارمة اياهم من العيش في مدينتهم. وزادت السلطات الاسرائيلية من عدد البطاقات المسحوبة من مقدسيين في السنوات الاخيرة بصورة ملحوظة. وحسب"بتسيلم"، فإن اسرائيل سحبت عام 2006 بطاقات الهوية من 1363 فلسطينيا من سكان القدس، مضيفاً ان هذا العدد اعلى بكثير من عدد البطاقات التي سحبت في العام السابق 222 بطاقة. وفي الصورة الأخرى المعاكسة، توظف السلطات الاسرائيلية موارد مالية وبشرية هائلة لزيادة عدد المستوطنين في المدينة، اذ أعلنت العام الحالي اقامة 7600 وحدة استيطانية جديدة في القدس لاسكان مستوطنين، في خطوة تهدف الى فرض المزيد من حقائق الامر الواقع على الارض قبل التوصل الى تسوية سياسية مع الفلسطينيين. وقال الخبير في شؤون الاستيطان خليل التوفكجي ان عدد المستوطنين في القدسالشرقية يصل اليوم الى 191 ألفا. ومدينة القدس هي المدينة الفلسطينية الاكبر لجهة عدد السكان 280 الف مواطن. وعملت اسرائيل على توسيع المدينة لتشمل مساحات واسعة من الاراضي المحتلة عام 1967 بهدف ضم هذه الاراضي بعدما اعلنت ضم المدينة واعلنتها عاصمة موحدة ابدية. وبهدف السيطرة على القدس مع اقل عدد ممكن من السكان الفلسطينيين، عملت السلطات الاسرائيلية على فرض قيود صارمة على بناء واقامة المواطنين العرب في المدينة بهدف دفعهم الى العيش خارجها، خصوصا في باقي مدن الضفة الغربية المجاورة، وتالياً سحب بطاقات هويتهم وحرمانهم من العودة اليها. اذ خصصت المساحة الاكبر من المدينة 52 في المئة منها مناطق خضراء يحظر اقامة الابنية فيها، كما فرضت رسوما باهظة على البناء تبلغ 30 الف دولار للبيت الواحد، ما يحد من قدرة المواطنين العرب على البناء نظرا لان غالبيتهم العظمى من ذوي الدخل المحدود. ونظرا لشدة هذه القيود، يضطر الكثير من اهالي المدينة الى اقامة مساكن لهم من دون الحصول على تراخيص. لكن السلطات الاسرائيلية تسارع الى هدم البيوت القائمة من دون ترخيص. وحسب مركز ابحاث الاراضي في جمعية الدراسات العربية في المدينة، فإن اسرائيل هدمت 8500 مسكن في المدينة منذ احتلالها. ويقول المركز ان عدد البيوت المهددة بالهدم في المدينة اليوم يبلغ 20 الف بيت. وبدأت اسرائيل سياستها الرامية للاستيلاء على ارض القدس وتغيير الميزان الديموغرافي فيها منذ اليوم الاول لاحتلال المدينة. ففي 11 حزيران عام 1967، اقدمت على هدم حي المغاربة وحي آخر محيط بالمسجد الاقصى. وكان حي المغاربة يضم 135 مبنى بين بيت ومدرسة ومسجد ومنشأة. وفي محيط الحرم القدسي، هدمت اسرائيل 200 بيت ومبنى، ثم هدمت في الفترة نفسها قرى اللطرون الثلاث الواقعة شمال غربي المدينة والتي كانت تضم خمسة آلاف بيت ومبنى. واتبعت اسرائيل سياسية استيطانية تقوم على انشاء مستوطنات ومدن استيطانية كبيرة ملحقة بالقدس وتغيير الطابع العربي للبلدة القديمة الى طابع يهودي. ووصل عدد المستوطنات القائمة على اراضي المواطنين الفلسطينيين في القدس 17 مستوطنة، بينها مدينة"معاليه ادوميم"الاستيطانية الكبيرة. وفي البلدة القديمة، سيطرت جمعيات استيطانية على 70 مبنى، بينها مبان كبيرة مثل فندق مار يوحنا الذي يضم 24 غرفة فندقية، وبيت شارون المؤلف من ثلاث طبقات. واتبعت في سلب مباني البلدة القديمة أربع طرق تمثلت في السيطرة بحجة الامن، والسيطرة على املاك غائبين، والسيطرة على املاك يهودية قديمة، او السيطرة عبر عقود استخدام من مستأجرين. وتختتم زينة عشراوي رسالتها الموجهة الى الرأي العام العالمي قائلة:"لو كنت يهودية أعيش في أي مكان في العالم ولا رابط بيني وبين المنطقة ولم أطأها أبداً، لكان لي الحق في الذهاب في أي وقت أريد والحصول على جواز سفر إسرائيلي". وتضيف:"لكنني لست يهودية بل ولدت ونشأت هناك، ولا يزال والديّ وعائلتي وأصدقائي يعيشون هناك ولا أستطيع العودة. لست مجرمة ولا أمثل تهديداً لواحدة من أقوى الدول في العالم، إلا أنني غُرّبت عن وطني وطردتُ منه".