يعتصم عشرات المواطنين المقدسيين منذ أكثر من اسبوعين في بيت فلسطيني قررت أعلى محكمة في اسرائيل مصادرته لصالح جمعية استيطانية، محاولين ليس فقط منع طرد العائلة من بيتها بل ايضا خلق مواجهة سياسية توقف طرد عائلات فلسطينية اخرى من بيوتها وإحلال المستوطنين مكانها. وكانت محكمة العدل العليا الاسرائيلية اصدرت أخيراً قراراً يقضي بإخلاء عائلة الكرد المقدسية من بيتها في حي الشيخ جراح في المدينة، والذي تعيش فيه منذ عام 1954، أي قبل احتلال المدينة. وقضى القرار ايضا بتسليم البيت لجمعية استيطانية تدعى"نخلة شمعون"تقول إنها اشترت ارض البيت من يهود يملكونه منذ عام 1879. وهذا البيت واحد من 28 بيتاً في حي الشيخ جراح تدعي الجميعة الاستيطانية انها تمتلك ارضها المتوارثة منذ قرون. ونشرت وسائل الاعلام الاسرائيلية تقارير تقول إن الجمعية اعدت خطة لهدم البيوت ال28 وإقامة 200 وحدة سكنية على ارضها. وأثار قرار المحكمة الاسرائيلية ذعر أهالي القدس خشية ان تلاقي باقي البيوت ال28 وأخرى غيرها المصير نفسه، فشرعوا في حملة شعبية سياسية واسعة للتصدي له تشمل اعتصامات يومية يدعى إليها قناصل أجانب وناشطو سلام اسرائيليون وغربيون. وكان بين زوار البيت الاسبوع الاخير القنصل الاميركي العام في القدس جاكوب والاس. وشنت اسرائيل حملة ضد والاس على خلفية هذه الزيارة، ونشرت وسائل اعلام اسرائيلية رسائل احتجاج اسرائيلية موجهة الى البيت الابيض تتهمه فيها بموالاة الفلسطينيين على حساب الاسرائيليين. واقيمت البيوت ال28 المستهدفة في حي الشيخ جراح عام 1952 من جانب"وكالة الاممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين"اونروا لإسكان مجموعة من اللاجئين الفلسطينيين بعد طردهم من بيوتهم في القدس الغربية. واليوم تلاحق اسرائيل هؤلاء اللاجئين لطرهم من منطقة اللجوء، معترفة بحقوق ملكية يدعيها اليهود منذ قرون في الارض التي يقيمون عليها، ومنكرة عليهم ملكيتهم للأرض والبيوت التي طردتهم منها قبل ستين عاما. ويقول اصحاب البيوت إن بيوتهم مقامة على ارض استأجرتها وكالة الغوث من الحكومة الاردنية التي كانت تدير الضفة الغربية عقب احتلال عام 1948. ومنذ احتلال المدينة عام 1967، يواجه اصحاب البيوت حملة اسرائيلية تهدف الى اخلاء بيوتهم واعادة ارضها الى المدعين اليهود. وتفاقمت القضية عندما ظهرت جميعة"نخلة شمعون"قبل عشر سنوات وادعت شراء الارض. وحشدت الجمعية الرأي العام الاسرائيلي، والكثير من الموارد المالية اليهودية خلف مخططها، مدعية ان في الحي مقاما دينيا لشخصية دينية يهودية تدعى"شمعون هتساديك". ويقول محامي اصحاب البيوت حسني ابو حسين إن وثائق الملكية التي قدمتها الجمعية اليهودية للمحكمة ليست قانونية، مضيفا:"هذه الوثائق لا تتحدث سوى عن حق عثماني بالانتفاع لغرض الزراعة يعود الى العام 1879، من دون ان يذكر اسما او مكانا محددا". وبدأت السياسية الاسرائيلية للاستيلاء على الأملاك العربية في المدينة المقدسة منذ الأيام الاولى لاحتلال المدينة في الرابع من حزيران يونيو عام 1967. وشملت هذه السياسة هدم أحياء سكنية برمتها، ومصادرة اراض واقامة مستوطنات عليها، وتخصيص اكثر من نصف مساحة المدينة كأرض خضراء يحظر البناء فيها، وتحديد مناطق البناء ب12 في المئة فقط من اراضي المدينة، وفرض رسوم باهظة على اقامة المباني تصل إلى 30 الف دولار للمسكن الواحد، وهدم كل مبنى يقام من دون ترخيض، وعدم منح ترخيص بناء على اي ارض ليس فيها سند ملكية"طابو"، وهو ما ادى الى حرمان اهل المدينة من البناء في نصف المساحة المخصصة للبناء. ثم جاء الجدار الفاصل الذي التف حول المدينة بطول 207 كيلومترات، وصادر منها نحو 40 دونم، وهدم في طريقه عشرات المباني والمنشآت. وفي المقابل، عمدت الدولة العبرية الى اقامة وتوسيع المستوطنات في كل جزء متاح من اراضي المدينة بهدف تغيير ملامحها العربية واستبدالها بملامح يهودية. وقال الخبير في شؤون الاستيطان خليل توفكجي ل"الحياة"إن عدد المستوطنات المقامة على اراضي القدس يصل اليوم الى 17 مستوطنة، بينها مدينة"معاليه ادوميم"الاسيتطانية الكبيرة. واضاف:"لقد سيطرت جميعات اسيتطانية على 70 مبنى فلسطيني في البلدة القديمة من القدس التي تشكل السيطرة عليها الهدف الأكبر لاسرائيل نظرا الى انها تضم الاماكن المقدسة للديانات الثلاث، بينها مبان كبيرة مثل فندق مار يوحنا الذي يضم 24 غرفة". وبهدف تشجيع اليهود على تركيز اهتمامهم على الاستيطان في البلدة القديمة من القدس، استولى رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق آرئيل شارون على بناية مؤلفة من ثلاث طبقات في البلدة. وسنّت اسرائيل رزمة قوانين للاستيلاء على مباني البلدة القديمة مثل قانون السيطرة الحكومية على عقارات لدواع امنية، وقانون السيطرة الحكومية على املاك غائبين، وقانون السيطرة الحكومية على املاك يهودية قديمة، او سيطرة عبر عقود استخدام من مستأجرين وغيرها. وخصصت النسبة الأكبر من اراضي القدس لاستخدامات غير اغراض البناء لحرمان اهالي المدينة من الاقامة في ارضهم، اذ خصصت 52 في المئة منها للحدائق اراض خضراء. وقال مستشار رئيس الحكومة الفلسطينية لشؤون القدس حاتم عبدالقادر ل"الحياة"إن اسرائيل خصصت 12 في المئة فقط من ارض القدس للبناء، واشترطت ملكية شهادات طابو للارض، وهو ما لا يتوفر في نصف هذه المساحة. وزاد عدد الفلسطينيين في القدس من 75 ألفاً عام 1967 الى 250 ألفاً اليوم. وقال عبدالقادر إن هذا النمو يتطلب اقامة 60 الف مسكن جديد، لكن اسرائيل لم تسمح لاهالي المدينة سوى بإقامة عشرة آلاف بيت، ما اضطرهم الى إقامة نحو 20 الف بيت آخر من دون ترخيض. وكان الفصل الأقسى في الحرب الاسرائيلية على اهالي القدس مصادرة بطاقات هوية المغتربين من اهلها، ومنعهم من العودة إليها. وسنت لهذا الغرض قانونا خاصا اطلقت عليه اسم"تغيير مركز الحياة"تقوم بموجبه بمصادرة بطاقات الهوية من أهالي القدس الذين يعيشون خارج المدينة. وحسب مركز المعلومات الاسرائيلي لحقوق الانسان في الاراضي الفلسطينية"بتسيلم"، فإن اسرائيل صادرت منذ احتلال المدينة ثمانية آلاف بطاقة هوية من مقدسيين وحرمتهم من العودة الى المدينة. وزادت السلطات الاسرائيلية من عدد البطاقات المسحوبة من مقدسيين في السنوات الأخيرة بصورة ملحوظة. وحسب المركز، فإن اسرائيل صادرت 1363 بطاقة عام 2006. وفي الصورة الأخرى المعاكسة، توظف السلطات الاسرائيلية موارد مالية وبشرية هائلة لزيادة عدد المستوطنين في المدينة. وأعلنت العام الحالي إقامة 7600 وحدة استيطانية جديدة في القدس لاسكان مستوطنين، في خطوة تهدف الى فرض المزيد من حقائق الأمر الواقع على الارض قبل التوصل الى تسوية سياسية مع الفلسطينيين. وعلى رغم الهجمة الاسرائيلية المنظمة على اهالي القدس، الا أن اهلها يقولون إنهم لم يخسروا المعركة. وقال عبدالقادر:"رغم كل هذه الحملات، ما زلنا الغالبية في القدس، خصوصا في البلدة القديمة"، مشيرا الى وجود 280 ألف فلسطيني في الجزء الشرقي من المدينة الذي يطالب الفلسطينيون بإقامة عاصمتهم عليه في اي حل سياسي قادم، علما ان عدد المستوطنين في القدسالشرقية يصل اليوم الى 191 الف مستوطن.