كانت فترة التسعينات فترة التحول الديموقراطي في الوطن العربي بشكل عام، مع وجود اختلافات تراوحت بين قطر وآخر. فمصر والمغرب والأردن، وبعض بلدان الخليج خطت خطوات لا بأس بها في سياق التحول نحو الديموقراطية، في حين أن بلداناً عربية أخرى ما تزال تراوح في ظل الاستبداد أو اللاديموقراطية، أو المحاولات الخجولة نحو الديموقراطية في أحسن الأحوال. ينبغي ألا نلقي العبء كله على السلطة العربية، إذ تتحمل الأحزاب العربية والمجالس النيابية والمؤسسات الأهلية والمجتمع المدني دوراً مهماً في عملية التحول الديموقراطي، على الرغم من أن حقيقة أن الأحزاب في الوطن العربي لا تؤدي دورها إلا في هامش التعددية السياسية الذي تفسحه السلطات الحاكمة فإنه وهذا الهامش غالباً ما يضيق حتى يصبح للحزب الحاكم وحده. وهكذا يبدو دور هذه الأحزاب السياسية العربية هامشياً وغير فاعل. كما أن هذه الأحزاب نفسها لا تمتلك تقاليد العمل الديموقراطي، وغالباً ما تستنسخ تجربة الحزب الحاكم في الشخصنة والاستبداد بالرأي، والتلويح بالفصل. أما البرلمانات العربية فهي لا تشذ كثيراً عن دور الأحزاب في التحول الديموقراطي، إذ هي تقتصر في وظيفتها على الشرعية الدستورية والتغطية الإعلامية الخارجية التي تطلبها السلطة. بمعنى آخر إنها مرتبطة بالهامش الذي تفسحه السلطة نفسها وهكذا تجتمع خيوط التحول الديموقراطي جميعها - على هشاشتها - في يد السلطة، ويبدأ تحريكها حسب ما تريد السلطة بهذا الخيط أو ذاك. وهنا يبدو أن أي تغيير حقيقي يرتطم دوماً بآفاق مسدودة طالما أن السلطة تقف حياله. هنا ينحصر الرهان الوحيد على دور مؤسسات المجتمع المدني، والمنظمات الأهلية، وغير الحكومية في القيام بأدوار تساعد وتسرع التحول نحو الديموقراطية. وهي بذلك مرشحة دوماً للاصطدام المباشر بالسلطة والدخول معها في مواجهة غير معلنة. وهذا ما يحتم عليها القيام بوظائف تجعلها دائماً محمية بإطار اجتماعي واسع يحتويها ويتبنى آراءها بحيث لا يبدو خيار البطش بها من قبل السلطة سهلاً ما دامت السلطة تحاول باستمرار ترقيع أزمة اهتراء شرعيتها المتكرر. لذلك فهي ستحافظ على نوع من الصلة مع ما تراه ذا بعد شعبي أو اجتماعي. وهذا ما يتداخل بشكل رئيسي مع تغير الثقافة السائدة بجعلها ثقافة التغيير بدلاً من كونها ثقافة الاستبداد. وماذا عن المجتمع المدني؟ لا بد أن يدخل مجتمعنا المدني، على ضعفه في وطننا العربي، في علاقة جدلية مع السلطة. فهو يراقب السلطة عن طريق مؤسساته ويضبط توازناتها، وترعى السلطة المجتمع المدني وتحافظ على استقراره واستقلاليته. والدولة ذات المؤسسات الديموقراطية تستطيع أن ترعى هذا التوازن. أما الدولة الشمولية فهي لا ترى في المجتمع المدني إلا عاملاً يهدد أمنها واستقرارها لذلك فهي تخشاه وتضعه باستمرار تحت السيطرة والمراقبة مما يمنع مؤسساته عن القيام بنشاطها المستقل ويحجب دورها الفاعل ذاك. لقد راج مصطلح المجتمع المدني في الأدبيات العربية في وقت متأخر. وقدومه المتأخر هذا لم يمنع الالتباس والاضطراب الكبيرين اللذين رافقا نشأته وظهوره. وهذا متعلق بالفكر العربي أولاً، وفي تعامله مع المفاهيم في غير سياقها الطبيعي. * كاتب فلسطيني