هل تركيا على أعتاب ثورة جديدة في السياسة والفن والثقافة والرياضة؟ هل تغيّرت العقلية التركية برغبة استعادة امبراطورية"عثمانية"بوجه أوروبي؟ هل جنى تفوق"الدراما"التركية على تقاعس نظيرتها العربية؟ هل نجح الفن التركي في الوصول إلى قلب المشاهد العربي؟ لماذا ما زالت الدراما العربيَّة منهمكة في تسويق الأفكار السياسيَّة، والغَرْفِ من التراث ب"ركاكة"، بداعي الحفاظ على الأصالة؟ هل شاشات التلفزيونات العربية مقبلة على اجتياح درامي تركي في ظل عدم قدرة الدراما العربية على التجديد؟ هل انتهى التنافس بين الدراما المصرية والسورية وبدأ صراع المنافسة بين دراما عربية ودراما تركية؟! لم تصمد الدراما العربية بكل أشكالها في عين المشاهد العربي حينما شاهد دراما تركية"احترافية"، بتأثيرات"فنتازية"وإسقاطات وجدانية واجتماعية تخفف الأعباء عن المرأة قبل الرجل. إن تناول الحياة وهمومها الاجتماعيَّة بكاميرا تلفزيونية"غير متكلفة"، أصبح سبيلاً ناجعاً للتسويق والترويج السياحي، كما تجلّى ذلك في الدراما التلفزيونيَّة التركيَّة المدبلجة التي تنفرد بعرضها قناة"أم بي سي"عبر مسلسلي"سنوات الضياع"و"نور". يقول رئيس مجلس إدارة"أم بي سي"الشيخ الوليد البراهيم إن المسلسلين التركيين"المدبلجين"يحظيان بنسبة مشاهدة ومتابعة عربية لم يحظ بهما أي مسلسل قبلهما، وإن نسب مشاهدتهما فاقت ما حظي به"باب الحارة". وتشير التوقعات إلى أن السياحة العربيَّة إلى المدن التركيَّة شهدت هذا العام زيادة كبيرة، خصوصاً من الدول الخليجية بعد عرض المسلسلين السالفي الذكر، وهو ما يؤكد ما قاله هوشنك أوسي في مقالة سابقة في"الحياة"، من أن الدراما التركيَّة لم تنجح في نقل الصورة عن المجتمع التركي الى المشاهد العربي فحسب، بل نقلت له صورة عن أناقة المناطق السياحيَّة، وجمال الطبيعة في تركيا، ما أثار شهيَّة المواطن العربي، وجعله يتَّخذ من الدراما التركيَّة خياراً واسع الانتشار، وفي شكل لم يكن متوقَّعاً أبداً، كخيار سياحي، لقضاء عطلة الصيف، في الأماكن التي تمَّ فيها تصوير تلك الأعمال المفضَّلة. يشير الكاتب الكردي هوشنك إلى أن الدراما قدَّمت إنجازاً كبيراً لتركيا التي تجمع بين أصالة الشرق وأناقة الغرب، ووفَّرت عليها ملايين الدولارات لعمليات الدعاية والإعلان والتسويق السياحي. الأكيد أن هناك عوامل ساعدت في استقرار الدراما التركية في عين وعقل المشاهد العربي، على رغم أن هناك تجاوزات دينية مثل حمل لميس"سفاحاً"من عشيقها، إلا أن هناك بعض القيم المشتركة والتقاليد المتشابهة بين المجتمعات العربية والمجتمع التركي، فببساطة عندما يرى المشاهد العربي امرأة تضع على رأسها غطاء الرأس، والعائلة تجلس على طاولة طعام تكتظ بالفلافل والحمص والكباب والرز والخبز، فإن الشعور الداخلي يجذبه إلى المشاهدة والملاحقة والمتابعة، خصوصاً في ظل طغيان جمال طبيعة المناظر التركية ورومانسية المرأة وأناقة الرجل. في الفترة الأخيرة انتشرت نغمة"سنوات الضياع"عبر هواتف"الموبايل"، فما أن تجلس في مطعم أو على كرسي انتظار داخل مستشفى أو حتى في مجال العمل حتى تسمع رنة تلك النغمة"الحزينة"يضج بها المكان. كما أن"الغيرة"تسببت في وقوع حالات طلاق وانشقاقات أسرية بين بعض الأزواج العاشقين لأبطال المسلسلات التركية. المرأة تطالب برومانسية ووسامة"مهند"، والرجل يبحث عن مثيل لجمال"لميس"، حتى وصلت الحال إلى تبادل نكات ساخرة تمجّد الجمال التركي وتقبّح الروح العربية سواء في الرجل أو المرأة. يعتقد كثيرون أن نجاح"الدبلجة"باللهجة السورية، ساعد في رفع نسبة المشاهدة، والتعاطي مع العمل على أنه عربي يجسده أتراك. المؤكد أن المنتج التركي سيحرك المياه الراكدة في شريان المنتج العربي. لا أعرف مدى صحة معلومات مفادها أن إدارة الأحوال المدنية في منطقة الرياض سجلت في الأشهر الأخيرة من عرض مسلسلي"سنوات الضياع"و"نور"ما يقارب حوالي 700 طفلة باسم لميس، وتغيير 200 فتاة أسماءهن إلى اسم لميس، كما سجلت ما يقارب 500 طفل باسمي يحيى ومهند و300 طفلة باسم نور و200 طفلة باسم رفيف. إن صحت تلك المعلومات وغيرها من حالات الطلاق التي حصلت بين الأزواج فأعتقد أن قوة تأثير الأتراك بخير ونحن شعوب غير، تملأنا السطحية والهشاشة الداخلية.