لا شكَّ في أنَّ للدراما التلفزيونية، بالغ الأثر في سلوك الأفراد، سلباً أم إيجاباً. وربما يصل التأثير الى مزاج مجتمع بأكمله. والأمثلة هنا، أكثر من أن تحصى. فمن الترفيه والتخفيف من الأعباء والمعاناة والضغوط عن المُشاهد، عبر تقديم المسلسلات الكوميديَّة، إلى المعالجات الفانتازيَّة التاريخيَّة، وإسقاطاتها على الواقع، إلى الغوص في دهاليز التاريخ والتنقيب عن سيَر الأبطال والعظماء، إلى كشف النقاب عن سير المشاهير المعاصرين قادة سياسيين، أدباء، فنانين، وحتَّى راقصات...، إلى تناول الهموم الاجتماعيَّة الهادئة البعيدة من الپ"آكشن"...، هكذا يمكن اختزال أجندة عمل الدراما العربيَّة، وكذا الأجنبيَّة، إلى حدٍّ ما. وخلال متابعة النقَّاد للاشتغالات والانشغالات السالفة الذكر للدراما، لا شكَّ في أن ثمِّة ما يثير شهيِّة الناقد في كشف محاسن أو مساوئ ومثالب العمل الدرامي، وتناول الأخطاء والأفكار والمعالجات، وقياس منسوب التطوُّر أو التقهقر فيه، وتسليط الضوء على مكامن التحوير أو التزوير أو الخلل، وما أريدَ بثُّه، وما تمَّ تجنُّبه، خلال هذا العمل. من هنا، ليس من قبيل المجازفة القول إن الدراما التلفزيونيَّة، صارت من أسلس وأسهل وأنجع السبل للتسويق والترويج لأفكارٍ، قد تعبِّر عن سياسة دولة، أو مؤسسة، أو كاتب العمل أو مخرجه...الخ. ولكن، في الدراما التلفزيونيَّة التركيَّة المدبلجة للعربيَّة، ونقصد مسلسلي"سنوات الضياع"وپ"نور"، اللذين تنفرد بعرضهما"أم بي سي"، ثمَّة حكاية أخرى، وغريبة نوعاً ما، في عمليات التسويق. قد يُكلِّف عرض إعلان أو دعاية عن منتوج استهلاكي ما، في إحدى القنوات الفضائيَّة، أثماناً باهظة. ولعرض الإعلان أو الدعاية تلك، ضمن برنامج أو مسلسل يلقى إقبالاً جماهيريَّاً كبيراً، سعره الخاص، لدى القائمين على تلك القنوات. ولكن، أن يقوم عمل درامي تلفزيوني، بالتسويق للمناطق السياحيَّة، في شكل غير مباشر، وفي سياق أحداث العمل، عبر تصوير المشاهد في المرافق والمنشآت السياحيَّة، كما فعلت الدراما التركيَّة المدبلجة، فهذا ما لم يكن في الحسبان. واللافت ان بعض المصادر المطِّلعة أفادت أن السياحة العربيَّة في الديار التركيَّة، قد شهدت زيادة كبيرة، بعد عرض المسلسلات التركيَّة السالفة الذكر. وهذا يعني، أن الدراما التركيَّة، لم تنجح في نقل الصورة عن المجتمع التركي للمشاهد العربي وحسب، بل نقلت له صورة عن أناقة المناطق السياحيَّة، وجمال الطبيعة في تركيا، ما أثار شهيَّة المواطن العربي، وجعله يتَّخذ من الدراما التركيَّة خياراً واسع الانتشار، وفي شكل لم يكن متوقَّعاً أبداً، لا لدى الأتراك، ولا لدى"أم بي سي"، إلى جانب اتخاذه لتركيا خياراً سياحيَّاً، لقضاء عطلة الصيف، في الأماكن التي تمَّ فيها تصوير أعماله المفضَّلة. وهكذا، سيتابع السائح العربي مسلسله المفضَّل، وهو يتجوَّل في الأماكن التي تمَّ فيها تصوير هذا العمل! وبهذا، تكون الدراما التركيَّة قدَّمت إنجازاً كبيراً لبلادها، بأن صارت مدخلاً للتسويق السياحي لها في البلاد العربيَّة، ووفَّرت على تركيا التي تجمع بين أصالة الشرق وأناقة الغرب، حتَّى في الدراما، ملايين الدولارات لعمليات الدعاية والإعلان والتسويق السياحي. في حين ما زالت الدراما العربيَّة منهمكة في التسويق للأفكار السياسيَّة، أو الغَرْفِ من التراث، بداعي الحفاظ على الأصالة، أو العودة الى سير مشاهير العرب.