فتحت قناة فضائية جديدة انطلقت قبل أيام باب النقاش ما إذا كان تقليد الشخصية العامة، شكلاً من أشكال الفن أو لوناً من التجريح والسخرية. وبصرف النظر عما إذا كان التقليد فناً أو تجريحاً أو مزيجاً من الاثنين، إلا أنه يجذب شريحة كبيرة إليه، لا سيما حين تكون الشخصية المقلدة قريبة من المشاهدين. وفي هذه الأيام ليس هناك من هو أقرب إلى جموع مشاهدي التلفزيون من حفنة من المذيعين والمذيعات ممن يقدمون توليفة ليلية يومية من برامج ال"توك شو"، وهو العنوان الذي اختارته قناة"موجة"الفضائية الجديدة لأحد برامجها الذي أثبت نجاحاً كبيراً بعد أيام قليلة من بدء عرضه. "في حياة المبدع طرائف، وطرائف المبدع تنفذ إلى القلب، وهذا البرنامج هو تعبير عن الاحترام لصاحب هذا الإبداع"... بهذه الكلمات التمهيدية - أو بالأحرى الاعتذارية - يستهل البرنامج الساخر فقرته. واختار، كبداية، المذيعة منى الشاذلي مقدمة برنامج"العاشرة مساء"والمذيع عمرو أديب مقدم برنامج"القاهرة اليوم"، حيث تقدم فنانة كوميدية مغمورة البرنامج الأول تحت عنوان"العاشرة إلا عشرة"ويقدم الثاني ممثل تحت عنوان"العاصمة اليوم". وعلى رغم أن القناة حافلة بأشكال الفنون الكوميدية كافة من أفلام ومسرحيات وأغان ومسلسلات، لم تنجح فقرات التقليد فقط في جذب المشاهدين إليها بسرعة البرق، بل فتحت باب النقاش والجدل حول فن التقليد وجدوى تخصيص قناة بأسرها للكوميديا فقط. وهكذا صارت القناة الجديدة بما تقدمه من لمحات ساخرة وضاحكة وسيلة للهروب من الواقع المرير، سواء كان إحباطاً سياسياً أم إخفاقاً اقتصادياً أم فساداً اجتماعياً. ويتشوق كثر لرؤية الرموز السياسية والاقتصادية المسيطرة على الساحة تحت مجهر هذه القناة، إلا أنه شوق قد يطول تحقيقه. فالتجربة العربية الوحيدة لتقليد الرموز السياسية في شكل هزلي على شاشة التلفزيون تظل حكراً على لبنان، ولم تجرؤ أي من القنوات العربية الأخرى، لا رسمية ولا خاصة على نقل التجربة. صحيح أن عدداً من القنوات العربية تتسابق على بث الفقرات المماثلة التي أنتجتها وبثتها قنوات غربية تسخر من ساسة غربيين مثل الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير وغيرهما. أما السخرية السياسية العربية فتبقى حلماً يصعب تحقيقه على الشاشة الفضية. وإذا كان تقليد الساسة يحقق نوعاً من شفاء الغليل، فهو متاح بمقدار محدود على قنوات إعلامية عنكبوتية مثل ال"يو تيوب"التي تحفل بمحاولات لمقلدين هواة يقلدون الساسة العرب. وإلى أن تتسع ملكة التقليد لتشمل الساسة المحليين، سيتحتم على الفنانين والمذيعين وغيرهم من الشخصيات العامة غير السياسية مع استثناء الساسة الراحلين الذين يسمح بتقليدهم تحمل الوقوع تحت مطرقة التقليد، وعليهم إما تجاهل ما يحدث أو التظاهر بالإعجاب به وبأنهم يتمتعون بروح رياضية فيها متسع للنقد والفكاهة. عموماً، تستمر المناقشات حول أخلاقيات التقليد، وربما نفاجأ قريباً بأحد رموز"التوك شو"يستضيف من يقلده على الهواء ليسأله بنفسه إن كان التقليد فناً أو تجريحاً.