حين يقلد أحد الفكاهيين فناناً ما، فهذا يعني فوراً أن الفنان نجح في شكل أو آخر في لفت الانتباه إليه، من خلال نبرة صوت مميزة أو طريقة أداء متفردة أو صفة ما تميزه عن غيره. في السنوات الأخيرة، تسلل إلى عالم المقلدين بعض المذيعين والمذيعات من الذين نجحوا في لفت الانتباه، ليس فقط من خلال تميز ما يقدمونه بل كذلك لشخصياتهم المميزة، وحتى المستفزة، إذ غالباً ما يكون هذا الاستفزاز سبب التميز. لكن الجديد هو ان عدداً من مراسلي الفضائيات صاروا محور اهتمام المقلدين. وربما كانت البداية قبل نحو ثلاث سنوات في برنامج رمضاني كوميدي ظهرت فيه ممثلة تجسد دور مراسلة لإحدى القنوات الفضائية وتذيّل تقريرها المذاع باسم"متيحة حاتم"تقصد مديحة حاتم من أمام ثلاجة بيبسي في كشك عم عبده". كانت تلك على الأرجح بداية ضم المقلدين لمراسلي الأخبار من الذين يمعن بعضهم في الأداء التراجيدي أمام الكاميرا، أو تميزهم أصوات جشة أو شعور مشعثة أو نطق غير صحيح للكلمات. الآن، على رغم أن إقبال بعض المقلدين على ضم المراسلين الى ما يقدمون من عروض في الأفراح والملاهي الليلية في شكل يثير الضحك، وقد يبدو احياناً سخرية من هذا المراسل أو ذاك، فإن هذا النوع الجديد يجذب مزيداً من الاهتمام ويوسع دائرة شعبية المراسل، لا سيما إذا كان المقلد بارعاً، قادراً على التقليد من دون إمعان في المبالغة ولكن باللعب على الأوتار التي تميز هذا المراسل أو ذاك. السينما كانت سياقة، ففي فيلم"جاءنا البيان التالي"يقف النجم محمد هنيدي معبراً بأسلوبه الكوميدي الساخر شديد الالتصاق بالطبيعة، عن قطاع عريض من"النجوم الجدد"اي المراسلين. هو أدى دور مراسل لإحدى الفضائيات الإخبارية يبحث عن التميز، فهو تارة يبث"من أهدأ مكان في العالم"حيث حرب الشيشان، وأخرى يبث تقريره من الأراضي الفلسطينية المحتلة. من هذا كله نستنتج أن مهنة"المراسل الصحافي"، تحديداً مراسل الفضائيات الإخبارية، حفرت لنفسها مكانة بالغة التميز في الإعلام العربي ولدى مشاهديه. فهو لم يعد مجرد ببغاء يقوده حظه العاثر إلى التواجد في بقعة صراع أو منطقة كوارث أو بلد محتل، ليردد بيانات حكومته عبر آلاف الأميال وليبدو المشهد كأنما العالم يتابع خطوات حكومته الرشيدة. ولم تعد المهنة كذلك مجرد خطوة صعبة، أو"شر لا بد منه"، على المراسل اجتيازه للوصول إلى غاية المنى والأمل، اي الجلوس على مقعد وثير في استوديو مكيف الهواء بعد الخضوع لأيدي خبراء التجميل والتصفيف والملابس والإكسسوارات، ليذيع نشرة الإخبار أو ليحاور ضيفاً. أصبح المراسل الصحافي العربي في بعض القنوات نجماً تلفزيونياً، تعتمد عليه قناته في مدّها بالأخبار لحظة حدوثها وبالطريقة التي تخطط لها إدارة القناة . وبات هو من تستضيفه مذيعة الاستوديو لتستوضح مزيداً من المعلومات أو الشهادات المباشرة، مما قد يكون تعذر تصويره... وأصبح هو محاوراً يستضيف ضيفاً أو اثنين ضمن تقريره لاثرائه. باختصار، أصبح المراسل الصحافي العربي مهماً، والدليل أنه بات احد"الفنانين المميزين"الذين يخضعون لسكين المقلد.