كنت في سبيلي الى التعليق على ما نشرت وسائل الإعلام عن المبادرة الشجاعة وذات المغزى العميق التي قام بها معالي الدكتور غازي القصيبي لتدشين"حملة"جادة لتشجيع شبابنا لاقتحام مجال العمل في المؤسسات السياحية بدءاً بالمطاعم والمتنزهات، وصولاً الى الفنادق ومكاتب السفر والسياحة، إلا أنني، وبعد قراءتي مقال الأستاذ الصديق محمد جابر الأنصاري حول هذا الموضوع نشرته"الحياة"في 3/7/2008، عدت بالذاكرة الى مقال لي نشر في"عكاظ"عام 1986 عندما كنت سفيراً للمملكة العربية السعودية في الهند ومن وحي لقائي بعض شبابنا الذين كانوا يتابعون دراستهم في نيودلهي في الصناعة الفندقية لدى إحدى المؤسسات الهندية الرائدة في هذه الصناعة. كنت دعوت في المقال شبابنا الى طرق أبواب جديدة خارج نطاق العمل الوظيفي الحكومي، وانتهاز فرصة الازدهار المالي والاقتصادي والإنمائي الواعد لبناء مستقبلهم الواعد، بل مستقبل الوطن، بسواعد ابنائه، جنباً الى جنب مع العمالة الأجنبية التي لا يمكن الاستغناء عنها أو إلغاء دورها في مرحلة البناء هذه، فهم شركاؤنا في التنمية ويستحقون منا كل التقدير والعرفان. وعملية"السعودة"التي تتبناها الدولة ممثلة بوزارة العمل لا تعني إلغاء الدور الحيوي للعمالة الوافدة، بل هي عملية ضرورية لتنظيم سوق العمل وإتاحة الفرص لأبناء الوطن للحصول على نصيبهم العادل في السوق بما يتناسب وقدراتهم العلمية والعملية، مع توافر عنصر الكفاءة والأداء الجيد لشغل الوظائف وبما يحقق التوازن في سوق العمل الذي تعرض للخلل الكبير. هنا يجيء دور الدولة وأجهزتها المختلفة لتهيئة شبابنا وتأهيلهم التأهيل اللازم ليكونوا جديرين بتحمل المسؤولية الموكلة إليهم، والقضاء في الوقت نفسه على الشكوى الدائمة من لدن رجال الأعمال وأصحاب العمل من تدني مستوى أداء الشباب السعودي وربما الخليجي، وعدم خبرتهم وضعف مهاراتهم في العمل على الحاسوب وضعف مستواهم في اللغة الإنكليزية أو اللغات الأجنبية الأخرى. من هنا نشأت لدى الدولة فكرة إنشاء عدد من المعاهد الفنية والمهنية وتعديل مناهج الدراسة الجامعية بحيث يتوافر لدينا جيل من الشباب المؤهل والكفء والقادر على تلبية متطلبات أصحاب العمل. هناك خطوة أخرى مهمة لا بد من ان ترافق عملية التأهيل هذه، وهي الخطوة التي قادها بكل ذكاء وشجاعة، الدكتور غازي القصيبي عندما شارك بعض شبابنا في عملهم في احد المطاعم وارتدى زي عامل المطعم المميز وتولى تقديم الطعام للزبائن، وهي رسالة بليغة موجهة للشباب لتغيير المفهوم الاجتماعي الخاطئ والسائد عن العاملين بهذه الوظائف، وإزالة"الحرج"من لدن بعض شرائح المجتمع. وهنا يجيء دور الإعلام لترسيخ المفهوم الجديد ونشر هذا انوعي. وكأنما مبادرة الوزير القصيبي تدشين للتبشير بهذه الثقافة التي يجب ان تواكب عملية"السعودة". بيروت في 4/7/2008 * سفير سعودي سابق.