في البداية أهنىء معالي وزير العمل المهندس عادل محمد فقيه على الثقة الملكية، وتعيينه وزيرًا للعمل، خلفًا لمعالي الدكتور غازي القصيبي -يرحمه الله-، وأسأل الله أن يعينه ويسدده في مهمته الجديدة والصعبة، والتي لا أشك أنه أهل لها بعون الله. وقبل أن أدخل في موضوع مقال هذا الأسبوع لابد لي من كلمة حق عن المرحوم الدكتور غازي القصيبي، الذي غادرنا إلى رحاب رب كريم عظيم يحب العفو (اللهم اعف عنا وعنه)، بعد أن أمضى أكثر من شطر عمره في خدمة بلده بجد واجتهاد وحرفة، وقد كان معاليه ضمن كوكبة من الشباب الذين حظوا بثقة الملك خالد -يرحمه الله- عندما شكّل وزارته في بدايات حكمه، وقد أبلوا بلاءً حسنًا كلًا في وزارته، وبرغم ذلك تراجعت -فيما يبدو- الثقة بالشباب، فلم نعد نشهد تولي الشباب لحقائب وزارية أو لمناصب قيادية إلاّ فيما ندر. لقد كتب الكثيرون عن غازي القصيبي المسؤول، الإنسان، المثقف، والشاعر، ورثوه بكلمات يستحقها، وأنا أود أن أضيف بأن من أميز صفاته -يرحمه الله- أنه كان إنسانًا حرًا في آرائه وقراراته، فهو رغم أنه صُنّف من قبل البعض ضمن الليبراليين والعلمانيين بسبب بعض آرائه الحرة، إلاّ أن هذا لم يمنعه من الوقوف إلى جانب الحق، وإلى إنصاف خصومه ما داموا مع الحق أو على الأقل ما يراه هو أنه حق وصواب، ولم يكن في يوم إمعة أو على شاكلة من يرفض الحق مادام جاء على أيدي الخصوم، وهو ما يقع فيه الكثيرون من بعض كتّابنا ومثقفينا للأسف الشديد. ويكفي في هذا المقام تذكر قصيدته المشهورة في استشهاد آيات الأخرس تقبلها الله في الشهداء حيث يقول: يشهد الله أنكم شهداءُ ** يشهد الأنبياءُ والأولياءُ متمُ كي تعز كلمة ربي ** في ربوعٍ أعزها الإسراءُ انتحرتم؟! نحن الذين انتحرنا ** بحياة ٍ أمواتها أحياءُ إلى أن يقول: قل لمن دبجوا الفتاوي رويدًا ** رب فتوى تضجُ منها السماءُ حين يدعو الجهاد ُ يصمتُ ** حبرٌ ويراعٌ والكتبُ والفقهاءُ حين يدعو الجهادُ لا استفتاءُ ** الاستفتاء يوم الجهاد الدماءُ رحمك الله يا غازي القصيبي رحمة الأبرار وتغمدك بواسع رحمته، وألهم ذويك ومحبيك الصبر والسلوان. وأعود لموضوع المقال ووزير العمل الجديد الذي أتمنى أن ينجح في إحداث تغيير جذري في سياسات وزارته، التي لم تنجح حتى الآن في تحقيق إختراق حقيقي لأوضاع سوق العمل، برغم الجهود التي بذلها المسؤولون فيها بما فيهم المرحوم القصيبي، الذي بدا أقرب إلى الواقعية عندما توجه نحو المساهمة في إحداث تغيير في ثقافة احتقار العمل اليدوي والمهني، عندما ظهر عدة مرات مع الشباب وهو يرتدي قبعة الطهاة وخوذة العمّال. فالمشكلة في جلها متعلقة بثقافة المجتمع، التي تحتقر العمل اليدوي، والمهن والحرف اليدوية، ولا تحتفي بالإنتاجية، ولا تقيم وزنًا لقيم وأخلاقيات العمل، للأسف. وأما الجانب الآخر الذي يجب إحداث اختراق حقيقي فيه هو إلغاء جميع القرارات التي ثبت فشلها في توظيف شبابنا وتمكينهم من شغل الوظائف في مؤسسات القطاع الخاص، وفي رأيي أن جميع قرارات السعودة ثبت فشلها، وينطبق عليها القول المشهور: (لم ينجح أحد). فلا سعودة سائقي الأجرة نجحت، ولا سعودة سائقي حافلات نقل الحجاج نجحت، ولا سعودة أسواق الخضار نجحت، ولا سعودة أسواق الذهب نجحت، ولا قرار زيادة السعودة بنسبة 5% سنويًا -برغم تعديلاته- نجح، ولا قرار رفع تكاليف العمالة الوافدة من خلال زيادة رسوم التأشيرات والإقامات للوافدين نجح، ولا قرار التضييق على الاستقدام نجح، ولا مشروع صندوق تنمية الموارد البشرية –بسبب طريقة أدائه- نجح، ولا قرارات قصر إشغال مجموعة من الوظائف على السعوديين نجحت، ولي مقال مفصل حول هذه القرارات بعنوان (القرار الأول لوزير العمل)، نُشر قبل عدة أشهر، وهذا رابطه على موقع هذه الصحيفة http://archive.al-madina.com/node/246186، إن أراد معالي الوزير الاطلاع عليه، والقائمة تطول. ولذلك لابد يا معالي الوزير من المبادرة إلى إشراك القطاع الخاص –وأنت قادم منه وعليم بشؤونه- ممثلًا في الغرف التجارية الصناعية، وبالأخص أصحاب المؤسسات الصغيرة التي عانت ولا زالت تعاني من قرارات السعودة، فهي بين سندان واقع عدم رغبة وقدرة معظم الشباب السعودي على العمل في وظائفها، ومطرقة الأنظمة التي لا تميز بينها وبين الشركات الكبرى. ولابد أن تكون الشراكة حقيقية، وبروح إيجابية، معززة بالثقة، التي فُقدت بين طرفي المعادلة –الوزارة والقطاع الخاص- خلال الفترة الماضية، وأدت إلى الإخفاقات المتتالية، وهذه الشراكة واجبة من أجل أن نصل إلى أنظمة وقرارات واقعية قابلة للتطبيق، حتى تحقق أهدافها، وننجح في انتشال أبنائنا وبناتنا من شبح البطالة، والفراغ، ومجتمعنا من الفقر، وتردي الأخلاق، والجريمة، والمخدرات. أما أن يظل عمل وزارة العمل بطيئًا وانتقائيًا كما شهدناه في السنوات الماضية التي شهدت الوفرة وتنامي أعداد وأحجام مشاريع البنى التحتية، فإننا سنفوت على أنفسنا فرصة ذهبية للتغيير وإحداث اختراق وتطوير حقيقي في أساليب عمل الوزارة بما يخدم هدفها الأهم وهو توفير فرص العمل للشباب السعودي ذكورًا وإناثًا. والله من وراء القصد وهوولي التوفيق للجميع. فاكس: 5422611-02 [email protected]