بيده اليُسرى التي يستعملها في الملاعب، رفع لاعب التنس الدولي رفاييل نادال كأس دورة"ويمبلدون"التي أحرزها للمرة الأولى، بعد تغلبه على المُصنّف أولاً عالمياً روجيه فيدرير في مباراة وُصفت بأنها الأطول تاريخياً إذ استمر صراع البطلين فيها أربع ساعات و48 دقيقة. لم تكن بُشرى سارة للاعب الاسباني وجمهوره وحدهما، بل حملت أيضاً تألّقاً جديداً لمن يميلون لاستخدام اليد اليُسرى في إنجاز أعمالهم. وتؤكد الإحصاءات في عالم الرياضة أيضاً أن نسبة مستعملي اليُسرى ضمن العشرين الأوائل في التصنيف العالمي لمحترفي التنس تصل إلى 17 في المئة، من ضمنهم جيمي كونورز وستيف ماكنرو وتوماس موستر ومارتينا نافراتيلوفا. وتأكدت الإنجازات اللافتة ل"أصحاب اليُسرى"في رياضة المُسايفة أيضاً. وكذلك تناول كثير من الدراسات تفوقّهم في مجال تمييز الطبقات الموسيقية بسهولة كبيرة، على رغم أن غالبية الآلات الموسيقية مصنوعة لتلائم"أصحاب اليُمنى". ويلاحظ في معظم الرياضات بأن مستعملي اليد أو الرجل اليُسرى يتميّزون بارتفاع نسبة الدقة في إنجازاتهم الرياضية. وهكذا يبدو ان الاعتماد على الجهة اليُسرى في التركيب الحركي للجسم البشري وكأنه وسيلة وأداة للامتياز، خصوصاً في رياضات المواجهة الثنائية مثل التنس والملاكمة والفنون الحربية. ويفسر بعضهم تلك المعطيات بأنها إشارة إلى تفوق مستعملي اليد اليُسرى أكثر من غيرهم في نشاطات معينة. والأرجح أن هؤلاء العُسر قد بَعُدَ بهم الزمان عن وقت كان يُشار إلى استخدامهم اليد اليُسرى كأنه نقصٌ أو نذير شر. ففي الأزمنة المُعاصرة، صار الأعْسر يوصف بأنه أكثر ذكاء ممن يميل لاستعمال يَده اليُمنى. وتشير الاحصاءات إلى أن شخصاً من كل عشرة هو أعْسر. وتضم قائمة المتألقين من مستخدمي اليد اليُسرى بيل غيتس مؤسس شركة"مايكروسوفت"للكومبيوتر، ألبرت إينشتاين العالِم الفيزيائي الشهير وواضع نظرية النسبية الكونية، فولفغانغ فون غوتة الشاعر الألماني الشهير، جول سيزار المؤرخ والأديب الفرنسي، يوهان باخ المؤلف الأشهر للموسيقى الكلاسيكية، فريدريك نيتشه الفيلسوف الألماني، ميكائيل أنجلو رسام عصر النهضة ونحّاتها الأبرز، شارلي شابلن الممثل الكوميدي وصانع بعض أعظم أفلام هوليوود الصامتة، آل غور وروس بيروت وجون ادواردز وروبرت دول وهم مرشحون سابقون للرئاسة في الولاياتالمتحدة، والرؤساء الأميركيون جورج بوش الأب وبيل كلينتون وجيرالد فورد ورونالد ريغان، إضافة إلى مرشحي الحزبين الجمهوري والديموقراطي للرئاسة الأميركية المقبلة جون ماكين وباراك أوباما وغيرهم. ولعل أشهر من استعمل يُسراه تاريخياً الإيطالي ليوناردو دي فينشي، الذي عاش في عصر النهضة وتألّق في الرسم والنحت والرياضيات والفيزياء والتشريح ووضع التصاميم للآلات الغرائبية وغيرها، ويعتبر من ألمع الأدمغة البشرية على مرّ العصور. وقبل بضعة أيام، تناقلت وسائل الاعلام خبراً عن تفوّق سياسي ملحوظ لأصحاب اليد اليُسرى في السياسة الأميركية، إذ وصل الى البيت الأبيض أربعة رؤساء عُسر، منذ عام 1974. ومع مُرشحين عُسر للرئاسة، فإن الرئيس المقبل سيكون الخامس في هذه القائمة! أنظر"الحياة"في 11 تموز/ يوليو 2008. ومع تلك المعطيات، يصبح مفهوماً أن يحوز العُسْر يوماً عالمياً لهم. ويحلّ في 13 آب أغسطس سنوياً منذ عام 1976. الدماغ و"النصف المُهيمن" إذاً، إن كان ابنك يستعمل يسراه في حياته اليومية فلا تقلق عليه كثيراً، فربما قد تفتح له آفاق مستقبلية من النجاح الباهر. وفي المقابل، يصح القول إن الحياة الإجتماعية بصورة عامة تبدو وكأنها مُعدّة لمستعمل اليد اليُمنى اكثر من الأعسر. ولأن مسألة اليد جدّية، من الناحية العلمية، يجدر القول بداية إنه يجب على الأهل ترك الأمور تسير بطريقة طبيعية وعفوية، وألا يندفعوا الى إجبار أبنائهم على استخدام هذه اليد أو تلك. ولا ننسى أن عُشر البشر يميلون الى استعمال يُسراهم على حساب يدهم اليُمنى. وظهرت كثير من المواقع الالكترونية المتخصّصة بالعُسر وحيواتهم، وفي يومهم العالمي أيضاً. وتُنتج بعض الشركات أدوات يدوية تتلاءم مع حاجات أصحاب اليد اليُسرى. ويفيد موقع"نيورو سكلز.كوم"neuroskills.com وترجمته"المهارات العصبية" ان الجهة اليُمنى من الدماغ التي تتحكم باليد اليُسرى، تكون هي المُهيمنة على النظام الحركي للجسم، وهو عكس حال المعتمدين على يُمناهم. وتتصف الجهة اليُمنى من الدماغ بأنها تستقبل عدداً أضخم من المعلومات وتعالجها بسرعة كبيرة بالمقارنة مع الجهة اليُسرى للدماغ، التي تُدير اليد اليُمنى. ويجب لفت الانتباه إلى أن حركات الجسم تدار من القشرة الدماغية، التي تُسمى أحياناً"القشرة الرمادية". وتحتل اليد حيّزاً كبيراً في"خريطة"الجسم المرسومة على تلك القشرة. ويعطي ذلك مفتاحاً آخر لفهم أهمية اليد بالنسبة الى الجسم وحركته عموماً. ويسرد الموقع تفاصيل أساسية عن عمل الدماغ، خصوصاً عن توزيع المهمات على أقسامه على نحو يُقارب التخصّص. فيتولى الفص الأمامي من المخ إدارة المهمات الإدراكية والسلوكية المُعقّدة مثل التعامل مع البيئة، التوصّل الى الخلاصات، صوغ ردود الفعل العاطفية، الملكات اللغوية التعبيرية والتنسيق بين الكلمات ومعانيها وغيرها. وتنشط الجهة العلوية خلف الجبهة عندما نُحدّق في الأشياء لنتعرّف اليها بصرياً، وكذلك الحال بالنسبة الى التعرف على ملمس الأشياء والربط بين مجموعة من الحواس للتوصل الى خلاصة حسية عن شيء معين، وغيرها. ويتولى الفص الصدغي مهمات تتصل بالسمع والذاكرة، إضافة الى تصنيف الأشياء في مجموعات مترابطة. وتتعامل الجهة الخلفية من المخ مع البصر، بما فيها الألوان والكلمات، إضافة الى الذاكرة المتصلة بالمعطيات البصرية. ويُشدّد موقع"برين سكلز.كوم"على توزّع المهمات العليا للدماغ، أي تلك المتصلة بالذكاء في اشكاله المُركبّة، على نصفيه، بحيث تميل كل جهة الى نوع من التخصّص في نشاطات فكرية بعينها. ويوصف النصف الأيمن من الدماغ، بأنه يميل الى التفكير الأكثر اعتماداً على الاستدلال وتركيب الخلاصات الكُلّية، كما يعتمد على الحدس والحكم الشخصي، وينطلق في عمله بسرعة للتوصّل الى الصورة العامة والكبيرة للأمور. وفي المقابل، يتصف النصف الأيسر بغلبة التحليل والتفكير المتسلسل وتفكيك الأمور الى تفاصيلها والتوصّل الى الأحكام الموضوعية. ويلفت الموقع الى أن هذا التوزيع تبسيطي، وأن أعمال التفكير وعلاقتها مع الدماغ أكثر تعقيداً، وكذلك تتوزع الكثير من الصفات العليا والمتقدمة للتفكير والمشاعر الانسانية على الجهتين كليهما. ويصعب الحديث في شكل جازم عن العلاقة بين استخدام اليد اليُسرى، وبين هيمنة أحد نصفي الدماغ على العمليات الفكرية المتقدمة للانسان. وفي السياق عينه، فإن الاعتماد على اليُسرى ليس كله امتيازات، وأوضحت تجربة ان اصحابه أظهروا صعوبة التأقلم مع المحيط البصري مباشرة بعد خروجهم من السباحة. كما تبدو نسبة العُسر مرتفعة عند الحمقى والمجرمين أيضاً. ويختار الطفل في تحركاته الأولى يداً دون الأخرى بطريقة عفوية. ويلاحظ أن كثيراً من الأباء والمدرسين يصرون على دفع الأبناء لاستعمال اليُمنى بدل اليُسرى. ولم تتردد صحيفة"واشنطن بوست"، في مقال نشر أخيراً، في الإشارة الى أن 2 في المئة من العُسر في الولاياتالمتحدة كانوا يجرأون على التصريح بذلك عند مطلع القرن العشرين. وظل الميل لدفع الأطفال لاستخدام اليد اليمنى مستمراً في الولاياتالمتحدة خلال الستينات من ذلك القرن. ويوضح موقع"برين سكلز.كوم" أننا نستعمل احدى اليدين أو الرجلين أكثر من الأخرى، مع وجود استثناءات لمن يستعمل كلتا يديه أو رجليه بالمهارة نفسها. وينطبق وصف مُشابه على العين والأذن أيضاً. إذ يميل 65 في المئة من الناس لاستعمال العين اليُمنى أكثر من الأخرى، مع ملاحظة عدم وجود علاقة لهذا مع الجهة التي تستعمل فيها اليد. ويؤدي الجانب الوراثي دوره أيضاً. فإذا كان أحد الوالدين مستعملاً يسراه، يرتفع احتمال استخدام أطفاله تلك اليد أيضاً. وعموماً، ينقسم البشر في تفضيلات الأيدي إلى ثلاثة اصناف. فهناك من يعتمد على اليُمنى بصورة كبيرة 90 في المئة. وهنالك العُسر الذين يُشكّلون 10 في المئة في المتوسط، مع ملاحظة أن نسبتهم تتفاوت بين الدول من 3 إلى 27 في المئة، وقد تنخفض هذه النسبة حتى الى 1 في المئة كما هو الحال في تايوان حيث تُعتبر وصمة. وتضم الفئة الثالثة مستعملي اليدين كلتيهما. تغيير ثقافي وتميل بعض الثقافات المجتمعية للتشديد على الروح العدوانية والتخريبية عند بعض مستعملي اليد اليُسرى بينما مستعملو اليد اليُمنى يظهرون أكثر تسامحاً وهدوءاً. ويجب أخذ بعض الاحصاءات بكثير من الاحتياط والحذر نظراً الى تناقضها المرة تلو الأخرى، مع وجود كثير من الاستثناءات دائماً. وأحيانا تكون طريق حياة مستعملي اليُسرى محفوفة بالمخاطر، إذ يرى فيهم البعض خروجاً عن المألوف. وكثيراً ما تبدأ المشكلة فعلياً عند مرحلة الكتابة بالنسبة الى الطفل، أو عند اكتشافه أن الكثير من الأدوات المستعملة في الحياة الاجتماعية مهيأة لليمن مثل المقص وآلة فتح المعلبات وآلة الخياطة والجهة التي تفتح إليها ابواب الغرف والمنازل. ويجد كثير من العُسر مشكلة في تحديد اليمين من اليسار، ما يدفع بعضهم للإحساس بالدونية، او على الأقل الآخرون يُشعرونهم بذلك مثل ما تشعر به الأقليات الدينية والعرقية على اعتبار أنهم أقلية. وهذا الاحساس اثره سلبي في شخصية الفرد بخاصة في عالم الأطفال. وبعض الناس قد يتشاءم من مستعملي اليُسرى او على الاقل لا يحبذ ذلك. والكتابة توجد مشاكل كثيرة لأصحاب وان كان الحاسوب حلّ هجزء من هذه المشاكل. وأصبحت لهم مواقع الكترونية ومحال لبيع ادوات خاصة بهم. وهناك تعبير"عْسري"الدارج وهو معنى قدحي يعني أعوج أو مرتبكاً ويلاحظ المعنى نفسه تقريباً في معظم اللغات. وفي اللغة العربية الفصحى، يُسمى مستعمل اليد اليُسرى"أعسر"وهي لفظة تتضمن معانيها قسوة في العيش وقلة في البركة وميل الى الفشل في إنجاز الأمور وغيرها. وتسير اللغتان الفرنسية والانكليزية في مسار مُشابه أيضاً. وفي اللغات الثلاثة، فإن اليسار له معنى مختلف في السياسة وقواميسها. وتُساوي اللغة الإيطالية بين الأعسر ومقطوع اليد الأبتر.