اشتهر رسام عصر النهضة الشهير ليوناردو دافنشي الذي كثر الكلام عن أصله العربي، بأنه كان يستعمل يده اليسرى. والمعلوم أن النصف الأيمن من الدماغ يتحكم حركياً بالقسم الأيسر من الجسم، ولكن هذا النصف هو نفسه المعني بالعواطف والإبداع فنياً. ما زالت حياة دافنشي وأعماله تثير جدلاً كبيراً، سواء من طرف المتخصصين علمياً أم المهتمين بتاريخ الفن. ويتركز الجدال على عبقرية دافنشي النادرة، التي شملت أنواعاً كثيرة من الفنون والعلوم، وكذلك الألغاز الكثيرة التي أحاطت بكل ما يتصل بسيرة هذا الرسام الكبير. فمثلاً، أثير نقاش كبير في الآونة الأخيرة عن أصول عربية لأمه، وذلك ما أكّده بعض علماء إيطاليا أيضاً. ولا شك في أن تطور تقنيات العلم مستقبلاً قد تحسم في شأن كثير من الأمور الخلافية المتعلقة بدافنشي. هناك ظاهرة أخرى تثير جدلاً علمياً وفنياً عن دافنشي، تتعلق باستعماله يده اليسرى كأداة عمل، ومدى علاقة ذلك الأمر بدرجة العبقرية التي وصل إليها. فعلى رغم أنه تأكّد تاريخياً أن استعمال يسراه جاء اثر حادثة أصابت يده اليمنى، فدفعت بدافنشي للتحوّل بسهولة الى استعمال اليد الأكثر سلامة، وهي اليسرى في هذه الحال. ويعتقد بعض دارسي سيرته أنه كان يستعمل اليدين معاً منذ الطفولة، بالمهارة نفسها. عندما تلتقط صورة لفنان يعمل في مرسمه، فإنها تصلح دليلاً على طريقة استعماله ليده، ولكن كيف يمكن التثبّت من ذلك الأمر للفنانين الذين عاشوا قبل حقبة التصوير الفوتوغرافي؟ يستطيع العلم الحديث إلقاء بعض الأضواء على هذه المعضلة. فعبر استعمال الأشعة السينية، تبيّن للعلماء أن من يستعمل يده اليسرى يترك آثاراً على الأعمال الفنية، تغاير تلك التي يحدثها مستعمل اليد اليُمنى. ومن الأمثلة على ذلك، أن من يرسم بيسراه تأتي حركات فرشاته من اليسار الى اليمين، خصوصاً أثناء رسم الظلال. كما يرى بعض علماء النفس، أن الرسام الأعسر يرسم وجوه موديلاته من جهة اليمين، على عكس غيره. ولكن، ما هي الفائدة من معرفة أي يد استعملها هذا الفنان أو ذاك في صنع إبداعاته يدوياً، سوى فائدتها في السيرة الذاتية؟ تظهر أهمية هذا الأمر في العلاقة بين الأيدي والدماغ. والمعلوم أن دماغ الإنسان يتألف من نصفين، يتحكم كل منهما في حركات القسم المعاكس له، بمعنى أن النصف الأيسر من الدماغ ينشط للسيطرة على حركة القسم الأيمن من الجسم والعكس بالعكس. ومعلوم أيضاً أن كل نصف من الدماغ يسيطر على مجموعة منسجمة من القوى العقلية للإنسان، مثل النصف الأيمن للدماغ للتعامل مع العواطف والمشاعر والخيال، فيما يتصف النصف الأيسر بالميل الى المنطق والرياضيات واللغة وغيرها. وفي مثال آخر، تظهر الاحصاءات أن رياضة المسايفة يتفوق فيها مستعملو اليد اليسرى في شكل كبير. وتنطبق هذه الملاحظة نفسها على رياضة التنس، ولكن بدرجة أقل من المبارزة بالسيف. والأرجح أن استعمال اليد اليسرى يعطي تفوقاً كبيراً في بعض الميادين التي تتطلب الدقة والمهارة، أو التي تتصل بالفن والإبداع. ويزيد في أهمية هذا الأمر أن الدماغ يعمل كجهاز متكامل. وبمعنى آخر، فإن مستعمل اليد اليسرى إنما يعزّز قدرات النصف الأيمن من دماغه، ما يؤدي الى زيادة في تحفيز القدرات فنياً وإبداعياً. ولا يعني ذلك أن مستعمل اليد اليسرى هو إنسان محظوظ، بل قد يعاني بعض السلبيات، كأن يجد نفسه منبوذاً من قِبل من يعتقدون بأن استعمال اليد اليسرى يجلب الشقاء والتعاسة! وكذلك قد يجد صعوبة في استعمال بعض الأدوات المصنوعة ضمن معطى أن مستعملي اليد اليمنى يشكّلون الغالبية دوماً، مثل المقص وأدوات المطبخ وعدّة الرسم وغيرها. وفي السياق عينه، يُعتقد أن صاحب اليد اليسرى ربما كان أكثر عُرضة لبعض الأمراض العقلية، أكثر من مستعمل اليد اليمنى. وأخيراً، يجدر لفت الأنظار الى أن كثيراً من العباقرة والشخصيات الكبيرة في التاريخ، استعمل اليد اليسرى، مثل الرئيس باراك أوباما، وإمبراطور روما جيل سيزار، ومؤسس شركة مايكروسوفت بيل غيتس، وعبقري السينما تشارلي شابلن واللائحة طويلة.