ترسو، يومياً، عشرات القوارب التجارية في مرافئ بوشهر وبندر عباس وعبدان، وعلى متن الواحد منها نحو 100 طن من السلع. وحصة صناعات"الشيطان الأكبر"في هذه السلع المهربة راجحة. وتبلغ قيمة السلع الأميركية المهربة الى إيران نحو 250 مليون دولار سنوياً. وجليّ أن تجارة غير مشروعة تزدهر بين دبيوإيران. ويبلغ حجم هذا الضرب من التجارة، وهي واحدة من وسائل التفاف إيران على العقوبات المفروضة عليها لمنعها من المضي على برنامجها النووي، نحو 1.2 بليون دولار سنوياً. وتحاول إيران الإفلات من خناق القيود المالية المفروضة عليها. فالغرب حظر على المصارف الأجنبية فتح اعتمادات مالية، وهذا شرط التعامل مع دول أخرى، للتجار الإيرانيين. ويبدو أن في جعبة إيران خططاً كثيرة للمناورة. فبعد رفض مصارف أوروبية فتح اعتمادات لمستوردين إيرانيين، وقع هؤلاء على مصارف عربية في أوروبا تنزل على طلباتهم، أو لجأوا إلى مصارف آسيوية. وتقدم مؤسسات لا تربطها مصالح مالية بالولاياتالمتحدة خدمات مالية للإيرانيين، وتتقاضى في المقابل رسوماً وعمولات قيمتها 10 إلى 15 في المئة. ومن هذه المؤسسات صناديق التوفير بألمانيا، ومصارف محلية سويسرية، وفروع المصارف العربية بأوروبا، ومصارف آسيوية وإماراتية، ومؤسسات في بيروت. ولا يخلو وفاض الإيرانيين من حيل الالتفاف على العقوبات المالية وقيودها. فعندما ترفض مصارف أو مؤسسات مالية التعامل معهم، يبيعون سلعاً إيرانية، مثل السجاد العجمي، ويستخدمون عائدات هذه السلع لتمويل عملية شراء سلع أجنبية. ويقول ساداتي، وهو تاجر إيراني، انه اشترى سلعاً برازيلية قيمتها 10 آلاف دولار، وأنه نقد وسيطاً يعمل في دبي المبلغ المطلوب بالريال، وتولى هذا الوسيط صرف الريالات الى دولار، وعملية نقل المبلغ الى التاجر البرازيلي، معاً. وأسهمت العقوبات المالية، وكان يفترض أن تسهم في مكافحة نظام الحوالة المالية، في رواج حمل حقائب الأموال. ودبي، وفيها 350 شركة إيرانية، هي معبر المعاملات المالية هذه. فعلى رغم الضغوط الأميركية، لم تعدل هذه الإمارة عن التعامل بالسيولة النقدية. وفي دبي، في مستطاع أي شخص الحضور إلى مصرف، حاملاً ملايين الدولارات في حقيبة، وفتح حساب مصرفي، وتمويل استثمارات في أي بلد يشاء. واللجوء إلى الأسواق المالية هي حيلة"ابتكرتها"السلطات الإيرانية، أخيراً، للحصول على الأموال اللازمة لتسيير شؤون البلد. وأنشأ"مصرف مللي"الإيراني، وهو مصرف تزعم الولاياتالمتحدة أنه يموّل الإرهاب،"صندوق التمويل الفارسي"، صيف 2006، في جزر كايمان، وهي في مثابة جنة مالية بعيدة من الرقابة في بحر الكاريبي. وأنشأ المصرف هذا الصندوق بواسطة"المركز المالي العالمي في دبي"، وهو مركز مستقل ولا يخضع لسلطة حاكم المصرف المركزي الإماراتي. وثمة 13 معبراً حدودياً برّياً أو بحرياً بين إيران والبلدان المجاورة. فيتعذر اعتراض عمليات الجمهورية الإسلامية الإيرانية المالية كلها. ولا تتوانى مؤسسات عالمية، وبعضها أميركي، عن إرسال مندوبيها الى المنطقة الحرّة بجزيرة كيش الإيرانية، في الخليج. وتفتتح، قريباً، الصين، وهي أكبر شريك تجاري مع إيران، منطقة حرة في مرفأ خورمشهر، في الخليج. ويبحث الكونغرس الأميركي في إعادة النظر في جدوى تشديد الخناق على إيران. فمنذ 2003 والى يومنا هذا، بلغت قيمة العقود الأجنبية المبرمة مع إيران 20 بليون دولار. وتجني إيران، يومياً، 220 مليون دولار من عائدات النفط، ويضاف اليها 50 في المئة من عائدات تجارة الأفيون مع أفغانستان. ويتوقّع الخبراء أن يبقى تأثير العقوبات المالية محدوداً، في المدى القريب. ولكن إيران تفتقر الى الاستثمارات الضرورية لتحديث قطاعي النفط والغاز. ولا تستطيع الصين مساعدتها في هذا المجال. ويدرس المجتمع الدولي سبل تشديد العقوبات في القطاعين هذين. ويبدو أن الإيرانيين لا يبالون بهده المساعي."يستطيع الأميركيون أن يفعلوا ما يشاؤون، ولكن القاموس الفارسي يخلو من مفردة المستحيل"، على قول تاجر إيراني. عن جورج مالبرونو،"لوفيغارو"الفرنسية، 26/5/2008