المقاومة حق مشروع لشعب وطنُه محتل أو معتدى عليه، بل هي واجب على كل إنسان حر تقع عليه مظلمة، لا خلاف على ذلك، لكن المقاومة الناجحة هي وسيلة لتحقيق غاية وليست غاية بحد ذاتها، وهي عمل سياسي مدروس يجب أن يكون منظماً، لها قيادة مسؤولة وليست منفلتة عن عقالها. إذاً، ينبغي أن يكون للمقاومة أسلوب تكتيكي، أما الأهداف فبعضها مرحلي قد يدخل ضمن التكتيك، ولكن آخرها استراتيجي لا تمكن المساومة عليه، وكل ما هو دون الهدف النهائي يمكن بل يجب إعادة تقويمه ودراسته أو استبداله عند الضرورة ليتناسب مع ظروف المكان والزمان، أي الجغرافيا والمتغيرات السياسية الداخلية والإقليمية والدولية. الشعب الفلسطيني ومنذ احتلال وطنه كان هدفه النهائي تحرير الوطن وحرية الإنسان وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس. أما الطريق المؤدي إلى هذا الهدف، فكان في البداية يستند إلى مبدأ أن ما أخذ بالقوة لا يُستردّ إلا بالقوة، وقد اختارت الثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها عام 1965 الكفاح المسلح طريقاً نحو الهدف، وكان من أهدافها المرحلية تحويل الشعب الفلسطيني من لاجئين بحاجة الى مأوى وطعام وخدمات إلى شعب مناضل يقاتل من أجل حقوقه السياسية المتمثلة بالحرية والعودة وتقرير المصير، وأيضاً تثبيت منظمة التحرير الفلسطينية، قائدة النضال الوطني، على خريطة العالم السياسية ككيان سياسي وممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ينطق باسمه ويتفاوض ويدافع عن حقوقه في المحافل الدولية. في بداية السبعينات ثم بداية الثمانينات من القرن الماضي وفي سياق تاريخي له ظروفه وتفاصيله، فقدت الثورة الفلسطينية ميداني الكفاح المسلح في الأردن ثم في لبنان، وأجبرت على المغادرة إلى منفى بعيد جغرافياً عن فلسطين هو تونس الشقيقة، ما فرض تغيير أسلوب أو تكتيك المقاومة تبعاً لمتغيرات الجغرافيا والسياسة، فكان نقل المقاومة إلى داخل فلسطين وتغيير أسلوبها، وتمثل ذلك بانطلاق الانتفاضة الأولى عام 1987، كحركة مقاومة شعبية غير مسلحة إلا بالحجارة. وفي مرحلة لاحقة مع بداية التسعينات، ارتأت القيادة الفلسطينية استثمار زخم الانتفاضة وتحويله إلى تقدم سياسي نحو فلسطين كدولة جغرافية على الخريطة، وكانت اتفاقات السلام مع الجانب الإسرائيلي طريقاً جديداً للوصول إلى الهدف، أو ربما وضع النيات الإسرائيلية في شأن السلام والعيش المشترك على المحك. الإسرائيليون، ولكثرة ما أرادوا السلام، قتلوا زعيمهم إسحق رابين، وحكم المتطرفون هناك حتى أزهقوا ما تبقى من روح السلام. وعندنا، مع فارق التشبيه، ذهبت"حماس"منفردة إلى المقاومة المسلحة والعمليات الفدائية. الكلمة نفسها"مقاومة"، لكن هل الهدف هو ذاته، تحرير الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية؟ ما بدا لاحقاً أن"حماس"كان هدفها إسقاط مشروع السلطة الوطنية الفلسطينية، وهو ما راق إلى حد بعيد لحكومات الاحتلال المتطرفة التي لجأت إلى فرض الأمر الواقع بالقوة العسكرية. ونجحت"حماس"في انتخابات عام 2006 وظنت أن الوقت حان لإنهاء مشروع السلطة مستقوية بالسلاح الذي جُمع باسم المقاومة، وإذا بالمرابطين الذين جُنّدوا للجهاد ضد المحتل، يُهيِّئون لدحر رفاق السلاح إخوة الدين والوطن، وتمكن الاحتلال وپ"حماس"وبعض القيادات الأمنية المفسدة في السلطة، في منتصف العام الماضي، من قلب السلطة الضعيفة المنهكة في قطاع غزة، ومكّنوا"حماس"من السيطرة العسكرية على القطاع بالقمع وتكميم الأفواه، وبذلك تكون حماس قد حققت أول أهدافها المرحلية وهو إسقاط مشروع السلطة على الأقل في غزة وإقامة حكمها هناك. بعض قادة حماس يقول إن فلسطين ما هي إلا جزء بسيط من مشروعهم الكبير، ويحق لنا أن نسأل، ما هو هذا المشروع الذي يبدأ على فرقة الشعب الفلسطيني وإلى أين سينتهي؟ وأي مشروع هذا الذي تهادنه إسرائيل؟ مهند عبدالكريم العكلوك -بريد إلكتروني