قبل عام، كان يبدو بلوغ سعر برميل النفط 200 دولار أميركي، أمراً مستبعداً أو مستحيلاً. وسبق أن تخطى السعر هذا عتبة 80 دولاراً، وكانت تبدو عسيرة. ولكن الاقتصاد العالمي استوعب العتبة هذه من غير اختلالات. وهذا، أي الاستيعاب من غير اختلال، ما ليس على الأرجح في متناول الاقتصاد العالمي كلاً، والاقتصادات الكبيرة والمحورية، اقتصاداً اقتصاداً. وفي أثناء تعاظم سعر برميل النفط حمى الأوروبيين ارتفاع سعر عملتهم، وحمى الآسيويين الدعم الحكومي. والحمايتان هاتان قد لا تتوافران إذا مضى سعر النفط على زيادته وارتفاعه. وما خشيه المراقبون والسياسيون هو تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي. وهذا لم يحصل. ويعود التوقع الى حسبان أن السبب الأول في ارتفاع السعر هو تعاظم طلب الصين والهند على النفط. فأدى تعاظم الطلب الى تحفيز النمو الاقتصادي. وخُشي تقلص العرض، على ما ذهبت اليه منظمة البلدان المصدرة للنفط أوبيك قبل أربعة عقود. وظهر أن التقلص ليس وشيكاً. وبلوغ البرميل 135 دولاراً الأسبوع الماضي قرينة على ان العاملين، تعاظم طلب الصين والهند وتقلص العرض على المدى الطويل، لن ينفكا عن التأثير في الانتاج والاستهلاك والأسعار. والعوامل التي تهدد العرض، وهي المنازعات الإقليمية الحادة وتردي الاستثمارات في التنقيب والانتاج وبلوغ انتاجية قطاع النفط حداً أقصى، لم تهدأ. وحملت هذه كلها"غولدمان ساكس"على توقع بلوغ البرميل 200 دولار في غضون 6 أشهر. ويبعث السعر المرتفع القلق على النمو الاقتصادي واستمراره، ومن التضخم وعودته. فالأسواق النامية الكبيرة، وأولها الصين والهند، اضطلعت بدور راجح في كبح التضخم من طريق تصدير سلع وخدمات رخيصة، وسياسة مالية داخلية حذرة. فإذا صدّرت الأسواق النامية التضخم رجعت عن تعويض سلعها الرخيصة جزءاً من زيادة الأسعار. وقد يلحق هذا الكساد في انتاجها. ولا ريب في أن تعاظم سعر النفط قريباً لن يعدم حمل القيادات السياسية على انتهاج سياسة بيئية أكثر اعتدالاً تؤدي الى تقليص استهلاك الطاقة، وتطوير استخراج وقود غير أحفوري واستعماله. ولن يحصل شيء من هذا في غضون سنة أو سنتين. وفي الأثناء، يتوقع مراقبون ضمور العولمة، والانكفاء على التجارة الإقليمية التي لا تحتاج الى مواصلات طويلة وثقيلة التكلفة. ويترتب على العثور الجديد تعاظم انتقال تريليونات الدولارات النفطية من مجتمعات الاستهلاك الى الدول المنتجة وحكامها، على مثال ما حصل في الأعوام الخمسة الأخيرة لروسيا وفنزويلا وإيران. ويقدر أن تبلغ قيمة مخزون النفط في بلدان الخليج وحدها، إذا احتسبت القيمة على أساس 200 دولار، 95 تريليوناً، أي ضعفي قيمة أسواق البورصات العالمية مجتمعة. ويتعاظم، طرداً، نفوذ الصناديق السيادية التي تملكها البلدان النفطية. فتستأثر مسألة شفافيتها القانونية باهتمام"المجتمع المالي"العالمي. وبينما يتوقع بعض المحللين انخراط البلدان المنتجة والثرية في الحداثة، جراء تعاظم ثرواتها، يلاحظ آخرون أن النتائج المباشرة هي الفساد، وتكاثر الحروب. وقد تنهار مصانع السيارات، ويطاول أثر الزيادة الكبيرة النقل الجوي ومصانع الطائرات والمطارات. وحمّل بلوغ سعر الغالون، في الولاياتالمتحدة، 4 دولارات المستهلكين على تقليص تجوالهم في سياراتهم، وقد ينخفض استهلاك الوقود للمرة الأولى منذ 1991. ويقدر"سيتي بنك"ان الاعفاءات الضريبية هذا العام، وتبلغ 120 بليون دولار، لا تعوض ازدياد انفاق الأميركيين على العقود، ولن تؤثر تالياً في كبح تردي مستوى الانفاق الاستهلاكي العام. ويلاحظ أن الألمان يحذون حذو الأميركيين إثر زيادة سعر ليتر الوقود 66 في المئة منذ عام 2000 من 0.92 يورو الى 1.53. والانفاق على الوقود يقيض الانفاق على أبواب الاستهلاك الأخرى، مثل الأدوات المنزلية واللباس والأثاث. ويؤدي إفلاس شركات كثيرة، ودمج أخرى، زيادة عرض الشركات على البيع بأسعار رخيصة. وهذه فرصة لن تتأخر شركات الأسواق النامية عن انتهازها. وقد ينجم عن التضخم، وتباطؤ النمو، انفجار أزمات اجتماعية تخلف، بدورها، تداعيات سياسية. فثراء إيران يستثمر بعضه في تقوية"حزب الله"، وثراء الصين يقوي مكانتها في أفريقيا. فتحل أفكار الدولتين في المجتمع المدني والبيئة وحقوق المرأة محل الأفكار الغربية السائدة. ولا يشجع الثراء النفطي على التعدد الاجتماعي، ويبعث على الخلافات القومية الاثنية، وييسر تمويل حركات العصيان والتمرد. والبلدان المنتجة للنفط هي، اليوم، مسرح ثلث حروب العالم الأهلية. وكانت مسرح خمسها في 1992. والعراق ونيجيريا وأنغولا أمثلة على الأثر السلبي هذا. عن رنافروهار وآخرين، "نيوزويك" الأميركية، 10/6/2008