قال رئيس اقليم كردستان العراق مسعود البارزاني أخيراً، بمناسبة عيد الصحافة الكردية : "يجب على صحافيي كردستان الدفاع بإخلاص عن المنجزات والجوانب المشرقة وانتقاد الجوانب السلبية والنواقص بمنأى عن الطعن والتشهير". والحال أن دعوة كهذه لا تتأخر في زرع الريبة في نفوس الصحافيين الأكراد، شأنهم في هذا شأن صحافيي العالم أجمع. ذلك أن مهمتهم، كصحافيين، لا تقوم على الدفاع عن الإنجازات أو الهجوم على النواقص فهم ليسوا فرقة حربية تدافع أو تهاجم. وهم ليسوا طلاباً قاصرين بحاجة إلى دروس في كيفية القيام بعملهم الصحافي. الصحافي يمارس مهنة لا تبشيراً. ولا يعرف المرء الطريقة التي يمكن بها للصحافي أن يدافع عن الجوانب المشرقة في مسيرة الثورة؟. هل يتعين عليه، مثلاً، أن يسطر مقالات طنانة عن عزة الوطن وكرامة الأمة وحكمة القائد؟ وكيف له أن ينتقد الجوانب السلبية من دون أن يتهم بممارسة الطعن والتشهير؟ هل يدخل انتقاد مظاهر عبادة الشخص التي تحيط بزعامة الإقليم في باب الطعن والتشهير؟ وماذا عن الفساد والسطوة والرشوة ومحاباة الأقارب واحتكار السلطة...الخ. في تقرير عن أوضاع الصحافة في إقليم كردستان أشار مرصد الحريات أنه إذا كان الصحافيون العراقيون يعانون من التهديد والخطف والاغتيال فإن زملاءهم في إقليم كردستان العراق وإن كانوا يعيشون في مدن تتمتع باستقرار أمني ملحوظ إلا أنهم يعانون من القيود والضغوط المتزايدة التي تمارسها السلطات المحلية عليهم. فقد شهدت محاكم الإقليم خلال السنتين الماضيتين الكثير من الدعاوى التي رفعها مسؤولون حكوميون وحزبيون ضد الصحف الأهلية ورؤساء تحريرها وذلك لنشرها تقارير وكتابات تحتوي على انتقادات لسلوك وتصريحات ومواقف بعض هؤلاء المسؤولين. ورفضت منظمات وصحافيون أكراد قانون العمل الصحافي الذي من المقرر العمل به في الإقليم. ويعتبر تشريع هذا القانون في نظر الصحافيين الأكراد خطوة نحو دفن الحريات الصحافية من خلال فرضه عقوبات بالسجن والغرامة على الصحافيين. وقال آسوس هردي رئيس تحرير صحيفة"ئاوينه"المستقلة أنه يخشى على الحريات الصحافية بسبب الكثير من الفقرات في مشروع قانون تنظيم العمل الصحافي. ومن جهته وصف رئيس تحرير صحيفة"هاولاتى"عبد عارف إقرار مشروع قانون العمل الصحافي الجديد بأنه"إجحاف كامل بحق الصحافيين"، وقال إنه"لا يمكننا العودة الى الأساليب القديمة في التضييق على الحريات الصحافية بعد أكثر من 17 سنة من الحرية". ويعتبر الكاتب العراقي حسن العلوي، أن الصحافة في كردستان ما زالت في المرحلة السوفياتية القائمة على الصوت الواحد والمركز الواحد وكون الإعلام انعكاساً لحركة الدولة، علماً ان المحاكم في إقليم كردستان مسيّسة بالكامل وتخضع للسلطة الحاكمة. وهناك من يقول إن القضاة يتم تعيينهم من قبل رئاسة الإقليم أما البرلمان فلا حول له ولا قوة فهو يمارس دوره في التصديق على القرارات التي تصدرها السلطات الحاكمة. ويمارس الحزبان الرئيسان دورهما السياسي بما يتجاوز الحكومة والبرلمان والقضاء. وغالباً ما يعمد جهازا باراستن وزانياري استخبارات الحزبين الحاكمين إلى اعتقال الصحافيين من دون إذن من السلطات الحكومية. والحال أن الحكومة لا تملك جهازاً استخبارياً خاصاً بها. وقد اعتقلت استخبارات الاتحاد الوطني الكردستاني الصحافي خالد حويزي في السليمانية لكتابته مقالاً ينتقد فيه الإدارة الكردية فيما قام الحزب الديموقراطي الكردستاني بممارسات مشابهة في منطقة أربيل. والإعلام الذي يبسط سيطرته في الإقليم هو إعلام حكومي لا مكان فيه للآراء الناقدة والأصوات المعارضة والأفكار المختلفة. وكردستان من الأماكن النادرة في العالم، التي ما زالت تصدر فيها صحف تقوم في صفحتها الأولى جملة تشير إلى أن الصحيفة هي لسان حال الحزب الحاكم، كما هو شأن صحيفة الاتحاد التي تنطق باسم الاتحاد الوطني الكردستاني. وكان نوشيروان مصطفى، نائب الرئيس جلال الطالباني في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، استقال من الحزب ليتفرغ لإدارة مؤسسة إعلامية تضم صحيفة يومية وقناة فضائية. وهو قال أنه لا يمكن بناء نظام ديموقراطي بمعزل عن الإعلام الحر. ولاحظ أن الإعلام الكردي يقلد الى حد كبير الإعلام البعثي السابق والذي كان يقلد بدوره الإعلام الذي كان سائداً في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق وأوروبا الشرقية. وفي رأي أحد الصحافيين الأكراد فإن المعضلة الأساسية التي تواجه الصحافة الكردية المستقلة تنبع من حساسية الحزبين الرئيسين للنقد والمساءلة وكذلك من سطوة التقاليد والموروثات التي تحظر التطرق الى مواضيع تعتبر من المحرمات. غير أن نقمة السلطات الكردية الحاكمة لا تقتصر على الصحافيين الأكراد وحدهم بل تلاحق الصحافيين الأجانب أيضاً إذا ما خطر لهؤلاء أن ينتقدوا سلوك الساسة الأكراد. وقد عمد محامو رئيس الجمهورية جلال الطالباني إلى رفع دعوى قضائية على الصحافي والأكاديمي الأميركي مايكل روبن لنشره تقريراً عن الواقع السائد في إقليم كردستان. أما الحزب الديموقراطي الكردستاني الذي يتزعمه السيد مسعود بارزاني فقد نشر رسالة جاء فيها أن مايكل روبن هو عدو الأمة الكردية وقلمه مأجور. وقد رد الصحافي الأميركي على اتهام الحزبين الكرديين له بالعمالة وكتابة تقارير لمصلحة أعداء الأكراد فكتب:"كردستان ينبغي أن تكون ديموقراطية أكثر مما هي عليه الآن وأن تتقبل النقد لأن الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديموقراطي الكردستاني أنجزا أشياءً إيجابية لا تنكر ولكن إذا ما استمرا في رفض قبول النقد فانهما سيعجزان عن تحقيق المزيد". ويرى روبن أن على حكومة الإقليم أن تسعى لإظهار قدر أكبر من الشفافية عوضاً عن ترهيب الكتاب والصحافيين الأجانب."أنا أرفض كل أشكال الترهيب والتهديد وعلى حكومة الإقليم أن تدرك بأنني سأزور كردستان قريباً وسوف لن تستطيع أن تمسني بسوء لأنني على حق". أما الصحافي الاسكوتلندي بيتر ستيت فيقول:"أنا صحافي إسكوتلندي وصديق للشعب الكردي وهناك جوانب متشابهة في تاريخ الشعبين الكردي والاسكوتلندي. إلا أن الوضع في كردستان الآن يتراجع إلى الوراء. إن الولاء لكردستان كوطن يتراجع أمام الولاء للزعماء والأحزاب والعشيرة. ولسان حال الزعماء في كردستان هو التالي: إذا انتقدت سلوكنا، حتى ولو كنت من أخلص المتعاطفين مع الشعب الكردي، فإنك تعتبر معادياً للقضية الكردية". ولا يختلف الحال مع الصحافية الأسترالية شيري لازر التي كرست نفسها للشأن الكردي منذ أكثر من عشرين سنة وحملت على كاهلها نقل صورة حقيقية عما كان يجري من ظلم بحق الأكراد في الدول التي تتقاسم كردستان. وهي ألفت كتباً عدة حول هذا الموضوع من أهمها"شهداء، خونة، وطنيون: كردستان بعد حرب الخليج". ويرى نقيب الصحافيين الأكراد فرهاد عوني أن هناك في كردستان الآن تشكيلة متنوعة من الصحافة الحزبية الملتزمة والأهلية والمستقلة. وهو لاحظ أن بعض الصحافيين يغالون في كتاباتهم حول المسائل التي تهم الحكومة في كردستان وقال أن الأجهزة الأمنية حساسة تجاه مثل هذه الكتابات.