استقبلت الساحة السياسية الإسرائيلية بقدر كبير من التشكك إعلان مكتب رئيس الحكومة إيهود أولمرت أمس أن إسرائيل بدأت محادثات سلام غير مباشرة مع سورية برعاية تركية. وربطت ردود الفعل بين الإعلان"الذي لم يسبق له مثيل"وتورط أولمرت في شبهات تلقي مظاريف بمئات آلاف الدولارات من رجل الأعمال اليهودي الأميركي موشيه تالانسكي. وقال مكتب أولمرت في بيان إن"إسرائيل وسورية بدأتا محادثات سلام غير مباشرة، تحت رعاية تركية". وأضاف أن"الطرفين أعلنا عزمهما على إجراء هذه المحادثات بحسن نية وبانفتاح، وقررا إجراء الحوار بينهما بصورة جدية ومتواصلة بهدف التوصل إلى السلام الشامل وفقاً للإطار الذي تم تحديده في مؤتمر مدريد للسلام الذي عقد في العام 1991". وكشفت مصادر في مكتب أولمرت أن رئيس طاقم مكتبه يورام طوربوفيتش ومستشاره السياسي شالوم ترجمان موجودان في العاصمة التركية منذ الاثنين الماضي ويجريان مفاوضات مع وفد سوري موجود هناك. لكن الأنباء تضاربت عما إذا كانت هذه المفاوضات تجري في شكل مباشر أم أنها غير مباشرة عبر الوسيط التركي. وذكّرت وسائل الإعلام العبرية أن أولمرت ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان اتفقا خلال زيارة الأول لأنقرة في شباط فبراير 2007 على أن تقوم تركيا بدور الوسيط لاستئناف المفاوضات السورية - الإسرائيلية. وكلّف أولمرت رئيس طاقم مكتبه ومستشاره السياسي متابعة هذا الملف مع الأتراك. وفعلاً، زار الاثنان أنقرةمرات عدة في العام الأخير،"وقبل ثلاثة أسابيع أبلغا أولمرت بأن الظروف نضجت لاستئناف المفاوضات"، وتقرر عقد اجتماع ثلاثي في أنقرة بدأ الاثنين الماضي. وشددت أوساط قريبة من رئيس الحكومة على أن الاتصالات الحالية تتم، كما أكد البيان، وفقاً للأسس التي اعتمدها مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991، وليس طبقاً لتعهد رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إسحاق رابين للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد بالانسحاب الكامل من الجولان المحتل. وأضافت أن استئناف الاتصالات تم من دون التزام إسرائيلي مسبق بأي انسحاب،"لكن من جهة أخرى لم يلتزم السوريون مع بدء المفاوضات بالانسحاب من محور الشر". وذكرت وسائل الإعلام العبرية أن أولمرت قرر استئناف الاتصالات بعد تحضيرات جدية قام بها واطّلاعه على الجولات السابقة من المفاوضات بين البلدين والتقائه خبراء في الشأن السوري وجهات كانت شريكة في المفاوضات في السابق. ويرجح أن يكون أولمرت تشاور في هذه المسألة مع شريكه الأساسي في الحكومة زعيم"العمل"وزير الدفاع إيهود باراك المتحمس منذ دخوله منصبه الحالي قبل عام لإحياء المسار السوري - الإسرائيلي. وأكد مصدر قريب من رئيس الحكومة أن إحياء المسار السوري لن يكون على حساب مسار التفاوض مع الفلسطينيين"لأن الحكومة ما زالت ملتزمة العمل على المسارين". لكن ردود الفعل على الساحة السياسية الداخلية خلت في غالبيتها من الترحيب باستئناف المفاوضات مع دمشق، حتى بين الأوساط التي تؤيد ذلك. وقالت النائبة من حزب"ميرتس"اليساري المعارض زهافا غالؤون إنه رغم تأييدها إجراء مفاوضات مع سورية تنتهي إلى انسحاب إسرائيلي من الجولان السوري مقابل اتفاق سلام،"لكن رئيس الحكومة الحالي لا يملك تفويضاً أخلاقياً ولا شعبياً لإجراء مفاوضات كهذه". وشن نواب اليمين الإسرائيلي المتشدد هجوماً على رئيس الحكومة ووصفوا بيانه بأنه"مناورة إعلامية فاسدة يقوم بها شخص معروف لدى الشرطة... وشخص مستعد لبيع أراضي الدولة ليُنسي الإسرائيليين فضيحته، يبيع الجولان ليفلت من تحقيق الشرطة". وقال النائب المتطرف أريه إلداد إن"اولمرت يخون الوطن... ويخطئ إذا اعتقد أنه سيفلت من المحاكمة من خلال التفاوض مع سورية مثلما أفلت رئيس الحكومة السابق آرييل شارون من المحاكمة بالفساد عبر فك الارتباط عن قطاع غزة". ورأى النائب المتدين زبولون أورليف أن على الأميركيين والسوريين أن يعرفوا أن أولمرت ليست لديه شرعية الاتجار بالجولان والمساس بأمن إسرائيل و"أي اتفاق معه سيكون مكتوباً على الثلج ولا أمل في إقراره في الكنيست". وقدمت كتلة"إسرائيل بيتنا"اقتراحاً للكنيست بحجب الثقة عن الحكومة"على خلفية التفاوض مع سورية ومع حماس، ما يؤكد أن هذه الحكومة ضلت طريقها وخنعت للإرهاب". وباستثناء ترحيب نائبين أو ثلاثة من اليسار، شككت أوساط من الائتلاف الحكومي نفسه في"دراماتيكية"البيان الصادر عن الحكومة. وقالت النائب من حزب"العمل"الشريك في الحكومة شيلي يحيموفتش إن رئيس الحكومة يستهتر من خلال"المناورة الإعلامية الجديدة"بأناس صادقين في رغبتهم في السلام ويضللهم بحديثه عن السلام مع سورية". وأضافت أن جل ما يريده أولمرت في الواقع هو"تحويل الأنظار عن مظاريف الدولارات". واستهجن رئيس جهاز"موساد"السابق النائب داني ياتوم إصدار مكتب أولمرت البيان أمس. وقال إنه حسب المعلومات المتوافرة لديه"لم يطرأ أي جديد على الاتصالات غير المباشرة مع دمشق"، كما أن مستشاريْ أولمرت زارا أنقرة خلال العام الماضي مرات كثيرة،"وليس من جديد في بيان رئيس الحكومة سوى محاولة مكشوفة منه لحرف الأنظار عن تحقيق الشرطة معه". وانتقد نائب رئيس الحكومة زعيم حركة"شاس"الدينية المتشددة إيلي يشاي الإعلان عن استئناف المفاوضات بداعي أن"سورية ما زالت ركيزة في محور الشر، ولست متأكداً من أنه يجدر تسليم الجبهة الشمالية لإسرائيل إلى هذا المحور". وذكّر رئيس الحكومة بإعلانه السابق أن سورية لا تستحق التفاوض معها طالما تمسكت بمواقفها. وقال وزير الإسكان القريب من رئيس الحكومة، زئيف بويم للإذاعة العسكرية إنه ينبغي على سورية الالتزام بالشروط المسبقة قبل بدء معالجة قضية الجولان، وأنه إذا كانت وجهتها للسلام فعلاً، فيتحتم عليها أن توقف إمداد"حزب الله"بالسلاح ووقف علاقاتها بايران"وهذه خطوات مستوجبة قبل الخوض في مستقبل الجولان". ورأى أن الحل في الجولان لا ينبغي في رأيه أن يتحقق من خلال انسحاب إسرائيل منه،"بل ثمة فكرة بتحويل الجولان إلى هونغ كونغ الشرق الأوسط، أي نوع من الاستئجار والضمان لفترة طويلة الأمد تتيح لنا فحص مدى صدقية التصريحات السورية حول السلام". وأضاف أنه لا معنى لوقف البناء في مستوطنات الجولان الآن، ولا خلال المفاوضات مع سورية". من جهة أخرى، أفادت صحيفة"يديعوت أحرونوت"في عنوانها الرئيس أمس أن سورية رفضت أخيراً السماح لمفتشين من الوكالة الدولية للطاقة النووية بزيارة موقعين سوريين مشبوهين بعلاقتهما ببرنامجها النووي المزعوم، بخلاف موقع دير الزور الذي قصفه الطيران الحربي الإسرائيلي في أيلول سبتمبر الماضي، ما اعتبرته مصادر غربية محاولة من دمشق لإخفاء نشاط عسكري نووي فيهما. ونقلت الصحيفة عن خبراء نوويين من إسرائيل وخارجها قولهم ان صور منشأة دير الزور تؤكد أن السوريين لم ينتجوا الكهرباء في المنشأة،"إنما كانت مفاعلاً لإنتاج البلوتونيوم"، وأنها شبيهة بمنشأة إسرائيلية موجودة في مفاعل ديمونة. لكنهم أشاروا إلى أنه"ثمة مركبات مركزية أخرى تنقص هذه الصور لإثبات أن سورية كانت تعمل على إنتاج قنبلة نووية".