هلا تعلم السياسيون الفلسطينيون من تجارب كبار الساسة والمفكرين في العالم الحديث؟ فكيف إذا كان أحد هؤلاء الكبار من أبناء جلدتنا، وهو الراحل حيدر عبدالشافي الذي أفنى حياته وعمله بصمت من دون أن يزعج فصيلاً فلسطينياً أو ينفر من شعب؟ نال هذا القائد الفلسطيني أكبر عدد من الأصوات في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني الأول، فحاز بالطبع على رئاسته، من دون أن يعلّق صورة واحدة له في قطاع غزة، ولا أن ينفق ملايين الدولارات على دعايته الانتخابية، ولم يجيّش عشرات الإعلاميين لمصلحته، كان يؤمن بالوحدة الوطنية لدى الفصائل الفلسطينية المتنافرة على اعتبار أنها صمام الأمان الحامي لنضال الشعب الفلسطيني وحقوقه، فأسس في 2002 مع الدكتور مصطفى البرغوثي وإبراهيم الدقاق والراحل الدكتور إدوارد سعيد و500 شخصية فلسطينية حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية. توقف عبدالشافي عن مشاركته في مفاوضات مدريد في العام 1993 لأن الأمور تجلت أمامه بأن اتفاقية أوسلو التي وقعت في تلك السنة بين إسرائيل والفلسطينيين لم تضع قيوداً على توسيع المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولم يتمسك بالكرسي على رغم أنه كان رئيساً للوفد الفلسطيني ? الأردني المشترك في محادثات السلام منذ 1991. وكان عبدالشافي أول نائب في المجلس التشريعي الفلسطيني يقدم استقالته إذ قال:"إن المجلس لا يملك أية سلطة"، وبذلك أنهى حياته البرلمانية لأن المبادئ هنا تغلب المناصب. فرحل الرجل الكبير بصمت ليترك مجتمعنا في كومة من التناقضات المختلفة وفريسة في يد إسرائيل التي أسعدها كثيراً انقسام الفلسطينيين الى"كوريتين". فالأرض والواقع يشهدان على دويلتين داخل أرض محتلة. وأصبحت 4 حكومات سياسية تتولى حكم الفلسطينيين: إسرائيل في الكل الفلسطيني، و"فتح"في الضفة الغربية، و"حماس"في غزة، ووكالة الغوث واللاجئون الفلسطينيون في المخيمات الفلسطينية المختلفة. وبهذا دخلنا موسوعة غينيس لعدد الحكام في بلد واحد. بعد رحيلك أيها القائد، هبط سقف الثوابت عندنا الى أدنى مستوياته، فأقصى ما يتمناه الناس في تلك البقعة أصبح اسطوانة غاز مملوءة، أو عدم قطع الكهرباء ليلاً عن البيوت. تعلموا من هذا القائد متى يكون في الصمت حديث، ومتى يتحدث المرء عندما يصمت الجميع. يوسف صادق - بريد إلكتروني