"أتوقف عن التمثيل؟... انه بالتأكيد أمر مستحيل بالنسبة إليّ، ثم لماذا علي أن أتوقف؟ ان ما يعرض علي دائماً افلام فيها أدوار تناسبني. وهي مهنة أحبها. وجمهوري يحبني، يتغير سناً ومزاجاً؟ أتغير معه. هذا كل شيء". هذا خلاصة ما تقوله كاترين دونوف الى الصحافيين قبل وصولها الى"كان"، وتعيده كلما طرحت عليها أسئلة من نوع:"متى ستتوقفين؟". في كان، بتألقها وبحضورها البارز في"بطولة"فيلمين كبيرين ومنتظرين، على الأقل، كما بإطلالتها من دون اي مفاجآت، أكدت كاترين دونوف، وقد تجاوزت الستين منذ زمن، إنها نجمة النجمات وإنها صبية دائمة. بل أكدت من خلال تمثيلها دور النجمة الفرنسية التي تزور لبنان خلال حرب صيف 2006 في فيلم"بدي شوف"للثنائي اللبناني جوانا حاجي توما وخليل جريج، إنها لا تزال قادرة، حتى، على ان تحمل على كتفيها فيلماً وقضية يدافع عنهما هذا الفيلم. نعرف الآن ان السينمائيين الزوجين اللبنانيين صاغا"بدي شوف"وحققاه من أجلها. ولو لم تقبل العمل فيه كان طواه النسيان. أما بالنسبة إليها، فلا شك في ان ما أثار حماسها للعمل فيه هو الدور، إضافة الى حبها الدائم والمعلن لوطن الأرز، ثم فضولها الشهير. فالحقيقة ان ما من فنانة فرنسية كبيرة، عايشت زهو سنوات الستين من القرن العشرين وشاهدت الفيلم"الذي لا مفر منه:"هيروشيما يا حبي"لآلان رينيه ومرغريت دورا، إلا وحلمت بأن تلعب يوماً دوراً شبيهاً بالدور الذي لعبته ايمانويل ريفا في ذلك الفيلم المدهش: دور فنانة فرنسية تزور بلداً حلت فيه كارثة، لتلتقي شاباً من أصل ذلك البلد، فتدخل الحياة والمعرفة من خلال حواراتها معه. من هنا حين فوتحت بأمر"بدي شوف"وقرأت نص الفيلم الأولي، وافقت من فورها. لاحقاً فقط عرفت ان النص كتب من اجلها خصيصاً. "بدي شوف"لم يعرض، طبعاً، حتى كتابة هذه السطور، لكنه سلفاً بات حدثاً من أحداث هذه الدورة، بفضل وجود دونوف فيه أولاً، ولكن ايضاً لأن الأحداث التي تعصف بلبنان الآن، جعلته فيلماً راهناً، بل شديد الراهنية. ومنذ الافتتاح، عرفت دونوف كيف تدافع عن الفيلم بقوة مؤكدة انها تتبنى كل لحظة من لحظاته، وأنها متعاطفة كلياً مع استقلال لبنان وحريته وسلامة أهله الذين أحبتهم"مباشرة، أو من خلال الفريق الذي عمل معها وأحاط بها خلال تصوير الفيلم". هاوية السينما غير ان الحديث عن"بدي شوف"لم يجعل نجمة النجمات تنسى انها بطلة فيلم آخر، ومهم بدوره، من افلام المهرجان، هو"حكاية عيد الميلاد"لأرنو ديبليشين، أحد الأفلام المرجحة منذ الآن للفوز بجائزة كبرى في المهرجان. ومن الواضح ان حضور كاترين دونوف في هذا الفيلم الذي هو واحد من ثلاثة أفلام فرنسية تشارك في المسابقة الرسمية، معطوفاً على حضورها في"بدي شوف"يجعل فنانة فرنسا الأولى تدهش حين يطرح عليها سؤال الاعتزال، خصوصاً بالطريقة السمجة التي استخدمتها احدى الصحافيات حين عنونت مقالاً لها عن دونوف قبل عامين:"سيدة كاترين ألم تسأمي بعد؟". لم تسأم كاترين بعد. بل إنها في هذه السنوات بالذات تعيش أحلى سنوات عملها كما تقول. وهي تسر كثيراً حين يكتب النقاد عنها. لكنها لا تجد وقتاً كافياً للاستجابة الى مطاردة الصحافيين لها: اكتبوا عني ولا تسألوني... تقول. أو تكاد تقول. ومجلة"تيليراما"التي تعتبر عادة الأعرق بين المجلات الأسبوعية الفرنسية، أصدرت اخيراً كتاباً عن كاترين دونوف، لمناسبة ازدواجية حضورها في هذه الدورة من"كان"يضم مقالات عنها وعن سيرتها، وحواراً طويلاً شاملاً معها، الى جانب هدية خاصة هي عبارة عن اسطوانة مدمجة تضم اثنين من أهم افلامها:"تريستانا"للوي بونويل و?"موسمي المفضل"لأندريه تيشيني. والحقيقة ان هذا الإصدار الخاص جاء في وقته ليذكّر بأن هذه السيدة السينمائية الشابة دائماً، تستغل مساحة أساسية في الساحة السينمائية الفرنسية، منذ اول ظهور كبير لها في فيلم"مظلات تربورغ"من إخراج جاك ديمي، أواسط سنوات الستين، والذي تلاه فيلم"آنسات روشفور"الذي مثلته مع أختها فرانسواز دورلياك التي قضت بعد ذلك بحادث سير مؤسف. منذ ذلك الحين، صارت دونوف النجمة الفرنسية المفضلة لدى كبار المخرجين... وليس الفرنسيين فقط. فهي عملت تحت إدارة بونويل في فيلمين كبيرين، وتحت إدارة فرنسوا تروفو وأندريه تيشيني وجاك ديمي وكلود لولوش، وأكثر من عشرين غيرهم من كبار السينمائيين، وكادت تمثل تحت إدارة هتشكوك في الفيلم الأخير الذي كان يستعد لتصويره قبل رحيله. ولئن كان ثمة ما تندم عليه كاترين دونوف اليوم، فهو انه لم يقيض لها ان تمثل تحت إدارة برغمان. وإنها لم تعد الى التمثيل مع رومان بولانسكي بعد"نفور"الذي مثلته تحت إدارته في لندن. وإذ تُسأل دونوف اليوم عن الأفلام التي تهرع الى مشاهدتها ما إن تصل الى الصالات، تجيب انها الأفلام الآسيوية خصوصاً والكورية عموماً. وتضيف انها تحب أفلام الرعب وأفلام رعاة البقر. أما نجمتها المفضلة دائماً فهي مارلين مونرو. ومن"بنات اليوم"تفضل نعومي واتس وكيت بلانشيت وكيت ونسليت. وفي المقابل تقول منذ شهور ان الفنان الذي أدهشها اكثر من أي فنان آخر هو دانيال داي لويس، خصوصاً في فيلمه الأخير"ستكون هناك دماء". من الواضح امام مثل هذه التفضيلات، ان كاترين دونوف"لم تسأم بعد". فهذه الدينامية في الاختيارات وهذا الولع بالفن ترى فنانة فرنسا الأولى انه لم يستسلم امام رهبة الزمن بعد، يشيان بأنه لا يزال امام"حسناء النهار"على اسم الفيلم الرائع الذي مثلته تحت إدارة بونويل قبل أكثر من ثلث قرن زمن طويل تعيشه كفنانة وهاوية للسينما. فنانة شعارها الدائم"بدي شوف"، وحياتها تبدو أشبه بحكاية من حكايات عيد الميلاد.