تحتاج مصر الى الطاقة النووية خياراً بديلاً في مجال الطاقة، نظراً الى محدودية ما تمتلكه من احتياطات في النفط والغاز الطبيعي، إذ أثبتت الدراسات أنها لا تتعدى 30 سنة. ومثلاً، تصل حاجات مصر من الغاز الطبيعي حتى عام 2027 الى نحو 35 تريليون قدم مكعب، وهو رقم هائل الضخامة. وتأتي تلك الطاقة ضمن خيارات الطاقة البديلة، التي تتضمن الشمس والرياح أيضاً. ويزيد من الحاجة الى الطاقة ان معدل النمو يبلغ 7 في المئة حالياً، وتضاعف استهلاك المجتمع المصري من الكهرباء 4 مرات. وتقتضي هذه الأمور، إضافة الى الانفجار السكاني، رفع نسبة الطاقة البديلة غير النووية، الى 20 في المئة وصولاً الى عام 2020، وهي النسبة التي تعمل عليها دول الاتحاد الأوروبي. ولذا، أعلنت مصر أخيراً الشروع في تنفيذ محطتها النووية الأولى. والمعلوم أنها استنفدت خياراتها في بعض مصادر الطاقة البديلة، مثل المياه. وكذلك تخوض مصر تجربة مزارع الرياح، كالحال في مجموعة من المشاريع في منطقة خليج السويس. ووصف خبراء مصريون عودة مصر الى الخيار النووي، بعد تردّد لأكثر من 22 سنة، بأنه بنقلة نوعية. كما يخدم ذلك الخيار استيعاب الكوادر العلمية النووية التي"تتكاثر"مصرياً، لكنها تبقى من دون عمل تقريباً. ومن المعلوم أيضاً أن الطاقة الشمسية مكلفة جداً. وراهناً، يقتصر استخدام الطاقة النووية على 30 دولة عالمياً، مع ملاحظة أن هناك دولاً متقدمة علمياً في مجال العلوم النووية مثل إيطاليا والنمسا والنرويج واستراليا، لكنها لا تستخدم ذلك النوع من الطاقة. وفي المقابل، ثمة دول نامية تهتم بالطاقة النووية مثل الهند والصين. وفي لقاء مع"الحياة"، أوضح وزير الكهرباء والطاقة المهندس حسن يونس أن مصر تُوّلد الطاقة الكهرومائية بمعدل 2800 ميغاواط، ولم يبق لديها سوى هامش ضيق للتوسّع في هذا النوع من الطاقة لا يتجاوز 5 ميغاواط. وشدّد على أن عودة مصر الى الطاقة النووية جاءت في إطار سلمي كلياً، ما لاقى ترحيباً قوياً من المجتمع الدولي. والمعلوم أن كلفة إنشاء المحطة النووية تصل الى قرابة بليوني دولار تقريباً، ويستغرق تشييدها سنوات. وتتطلب توفير التكنولوجيا النووية لتأمين مصادر الإمداد بالطاقة، ومواجهة الحاجات المستقبلية. وأوضح يونس أن اللجوء إلى بديل إنشاء المحطات النووية لتوليد الكهرباء واعتبار الطاقة النووية خياراً استراتيجياً في الطاقة المستقبلية، قرار مصري جاء نتيجة أسباب اقتصادية موضوعية وبعد دراسات متأنية استمرت أكثر من عام لتحقيق تأمين التغذية الكهربائية وتنويع مصادر الطاقة. وأوضح أن هذه الدراسات أُجريت بالتنسيق مع"الوكالة الدولية للطاقة الذرية"أخذت في اعتبارها تحقيق الاستفادة الكاملة من مصادر الطاقة المتجددة، خارج النوع النووي. الكوادر النووية البشرية وفي هذا السياق، نظمت وزارة الكهرباء والطاقة المصرية أخيراً دورة تدريبية أولى لتنمية الكوادر البشرية لإدارة مشاريع المحطات النووية في حضور عدد من المتخصصين من الهيئات النووية وشركات الكهرباء العملاقة، وبالتعاون مع"الوكالة الدولية الذرية". أنظر الإطار: خبراء يستعرضون تجاربهم في إنشاء المحطات النووية. وجاءت الدورة خطوة أولى على طريق تنفيذ برنامج تدريبي شامل وطويل المدى لبناء كوادر مصرية مؤهلة لتحمل مسؤولية تنفيذ برنامج نووي. ولفت يونس إلى أنه أطلق دراسة عن إعادة هيكلة الهيئات النووية لتواكب حاجات ذلك البرنامج، ولتصل به الى معايير عالمية، وبالتنسيق مع"الوكالة الدولية للطاقة الذرية". ونبّه إلى أن الاستشارة الأولى التي يتوقعها من الخبراء الأجانب تتعلق بإعادة تقويم موقع"الضبعة"ومدى صلاحيته لإنشاء المحطة الأولى، وكذلك اختيار مواقع جديدة تصلح للمحطات النووية المزمع انشاؤها في مصر. وأوضح أن 17 شركة عالمية وأوروبية وأميركية واسترالية وأرجنتينية وكورية ومصرية تقدمت للاشتراك في مناقصة المحطة الأولى. وأشار يونس إلى أن مصر أرسلت مسودة القانون الدولي المصري إلى"الوكالة الدولية للطاقة الذرية"لمراجعته، وهو يهدف إلى تنظيم العلاقة بين جميع الأطراف المتعاملة مع المحطات النووية. ولفت إلى أن مصر لديها مؤسسات قادرة على التعامل مع المحطات النووية. وأكد أن قطاع الكهرباء في مصر لا يضم أجانب، سواء في التشغيل أو الصيانة، على رغم التكنولوجيا المعقدة المُستخدمة في قطاع الكهرباء. ونبّه يونس إلى أن لدى مصر مفاعلين للبحوث الذريّة في"انشاص"، يديرهما خبراء مصريون وقال:"لدينا جهاز للأمان النووي أيضاً، ولديه خبرات علمية، ونحتاج إلى تطويرها أيضاً بما يتناسب مع المرحلة المقبلة". ويرجع تاريخ مصر النووي إلى عام 1964 حين سارت في مشروع لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء وتحلية المياه. وتوقف المشروع مع حرب 1967. وتجدّدت المساعي الى إقامة محطات نووية في مطلع الثمانينات. وحينها، أوشكت مصر على التوقيع على عقد إنشاء أول محطة نووية، ولكن وقعت كارثة مفاعل"تشيرنوبيل"في روسيا فيتوقف المشروع. والمعلوم أن عامي 1989 و1987 شهدا أعلى معدلات إنشاء محطات نووية على المستوى العالمي. وأدّت كارثة"تشيرنوبيل"إلى توقّف دول كثيرة عن إنشاء محطات نووية، بذريعة الحاجة الى إجراء المزيد من الدراسات بصدّد عوامل الأمان في المحطات. وأدّت أزمة الطاقة العالمية الى تجدّد التفكير في الخيار النووي. القدرات النووية مصرياً وقال مصدر مسؤول في"هيئة الطاقة الذرية"في مصر ل?"الحياة":"أن قدرات البرنامج النووي تتركز على إنشاء المفاعلات البحثية وتأهيل الكوادر البشرية. وتضم مصر أحد أقدم مراكز البحوث النووية في المنطقة. وتشمل نشاطاته البحوث الأساسية وبحوث الطرف الأمامي لدورة الوقود النووي، وتطبيقات النظائر المُشعّة في الطب والصناعة والزراعة. ويهدف المركز إلى تنمية البحوث عن استخدام الإشعاعات في مجالات الطب والزراعة والبيئة وغيرها. ويصبو الى بحوث متقدمة كتلك التي تتعلق بأشعة غاما ومُعجّل المكوّنات الذرية وغيرها... وفي المقابل، يعمل"مركز المعامل الحارة وإدارة المخلفات الذرية"على تطوير الخبرة في مجالات الطرف الخلفي لدورة الوقود النووي، ومعالجة النفايات الذرية، وإنتاج النظائر المشعة التي يشيع استخدامها في الطب والصناعة". وبيّن المصدر ذاته أن مصر لديها أيضاً المفاعل البحثي الأول الذي بدأ العمل به في عام 1961 بمساعدة الاتحاد السوفياتي السابق. وقد صُمّم لإنتاج النظائر المشعة وتدريب العاملين والفنيين. وتبلغ قوته 2 ميغاواط. ويعمل باليورانيوم المُخصّب. وتفصل بين أجزائه جدران ضخمة من الرصاص، ما يمنع تأثير الإشعاعات النووية. ولا يصلح الوقود النووي الناتج من تشغيله للاستخدام في الأغراض العسكرية. ووصف المصدر المفاعل النووي البحثي الثاني بأنه متعدد الأغراض، ويعمل بقوة 22 ميغاواط. والمعلوم أنه أُنشئ بالتعاون مع الأرجنتين. وافتُتح في شباط فبراير 1998. ويعمل كلياً في المجال السلمي. ويحقق مردوداً اقتصادياً من خلال انتاج النظائر المشعة التي تستعمل في تشغيل معدات علاج الأورام السرطانية، إضافة إلى تعقيم المعدات الطبية والأغذية. وكذلك يساهم المفاعل ذاته في إنتاج رقائق السيلكون المستخدمة في الصناعات الإلكترونية الأساسية. وكذلك يُصنّع مجموعة كبيرة من النظائر المشعة التي تستعمل في الطب والزراعة والصناعة"ما يؤهل مصر للاعتماد على الذات في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية. وأوضح المصدر أن"هيئة الطاقة الذرية المصرية"تضطلع ببرامج تأهيل الكوادر البشرية وتطويرها"خصوصاً لجهة الإلمام بمبادئ الفيزياء الصحية والوقاية من الإشعاعات والتعامل مع مصادرها. وتجري الهيئة بحوثاً تطبيقية على الوقاية من الأشعة، واستعمال النظائر المشعة في الصناعة الإلكترونية، إضافة الى بحوث على استخدام الذرة في تحلية مياه البحر وحماية الفلزّات من التآكل والأمان البيئي. تخصيب اليورانيوم وتناول وكيل وزارة الكهرباء والطاقة المصري الدكتور أكثم أبو العلا خليل موضوع تخصيب اليورانيوم. وأكّد أن مصر ستتعامل مع شركائها الدوليين و"الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، لأن مصر لا تستطيع أن تنهض بمشروع المحطات النووية بمفردها. وقال:"لدينا اتفاقيات مع عدد من الدول، وبعضها أبدى استعداده للتعاون في هذا المجال... وهناك اتفاقات مُبرمة مع وزارة الطاقة الأميركية قبل سنوات، عن توريد اليورانيوم المخصب اللازم لدورة الوقود النووي. ومازال الاتفاق ساري المفعول، بما يسمح باستيراد وقود نووي مخصب يكفي لتشغيل محطتين نوويتين. وهناك ما يزيد عن 40 دولة تعمل على تخصيب اليورانيوم وتبيعه للدول التي تملك محطات نووية". ولفت خليل إلى أن أولى خطوات إنشاء المفاعل النووي هي اختيار بيت خبرة عالمي لاستشاراته في اختيار المواقع، وبالتنسيق مع الخبراء المصريين. وزاد:"بعدها سنلجأ إلى بيت خبرة آخر لوضع المواصفات التي تطرح المناقصة على أساسها... ونزمع على إجراء مناقصة عالمية لاختيار الأفضل". ولفت إلى أن منطقة"الضبعة"لا تزال تحت سيطرة"هيئة المحطات النووية"، موضحاً أن ذلك لا ينفي الحاجة الى اختيار عدد من المواقع الأخرى المناسبة للمفاعل. وبيّن ان ذلك الاختيار سيجرى عبر دراسات يشرف عليها بيت خبرة عالمي لاختيار الموقع الأفضل والأنسب لإنشاء المحطة الأولى. وقدّر الكلفة المتوقعة لإقامة محطة نووية سلمية تنتج ألف ميغاواط بنحو 2 بليون دولار. وبيّن ان تكلفة تشغيلها أقل من إنتاج الكمية ذاتها من الطاقة الكهربائية باستخدام البترول والغاز. وأكّد خليل استعداد الاتحاد الأوروبي وأميركا وكندا وروسيا للمشاركة في المفاعل النووي السلمي المصري، متوقعاً أن يستغرق انشاؤه بين 8 إلى 10 سنوات، حين يربط المفاعل بالشبكة الكهربائية العامة. وقال:"أثبتت الدراسات الجدوى الاقتصادية للمحطات النووية في ظل الأسعار العالمية المرتفعة للمصادر التقليدية للطاقة". وشدّد على ضرورة إيجاد جهاز رقابي مستقل غير تابع للحكومة وغير تابع للحزب الحاكم. وأوضح"الأهم أن تكون لدينا منظومة أمنية متكاملة... فالخطأ هنا لن يدفع ثمنه أشخاص بل مجتمع بأكمله ولسنوات طويلة". خبراء يستعرضون تجاربهم في إنشاء المحطات أكّد المشاركون في فاعليات ورشة عمل"إعداد الكوادر البشرية للبرنامج النووي المصري للمستوى القومي وإعداد الخطاب الإعلامي للجهات ذات العلاقة بالبرنامج"التي عقدت في القاهرة أخيراً، أهمية تحديد حاجات القوى البشرية اللازمة لمراحل تنفيذ البرنامج النووي المصري وتحديد الخبرات والمهارات المطلوبة لكل مرحلة منه. واستعرض المشاركون التجربة المصرية في هذا المجال والخطوات التي اتخذتها منذ إعلان الرئيس حسني مبارك القرار الاستراتيجي بإنشاء محطات نووية لإنتاج الكهرباء، تعمل إلى جانب محطات الكهرباء التقليدية، للوفاء بحاجات التنمية ومتطلباتها في مصر. وأشار المشاركون الى الخبرات المتراكمة لدى عدد من الدول المشاركة في ورشة العمل. فبرزت مثلاً تجربة المملكة المتحدة في مجال إنشاء محطات نووية لإنتاج الكهرباء، التي بدأت منذ أربعينات القرن الماضي، وأثمرت إنشاء 19 محطة نووية أنتجت طاقة مقدارها نحو 11 بليون كيلو واط في الساعة، ما مثّل نسبة 20 في المئة من إجمالي الطلب على الطاقة"كما ساهمت في الحد من استهلاك 15 في المئة من الوقود التقليدي. وأوضح خبير كوري المساهمة التي قدّمتها المحطات النووية في تأمين تغذية كهربائية مستقرة لأغراض التنمية في بلاده. وبيّن أنها استطاعت تحقيق وفر في مصادر الوقود التقليدي، الذي أثبتت الدراسات قرب نضوبه"الأمر الذي أشار إليه أيضاً أحد الخبراء الألمان. وعرض ممثل"الوكالة الدولية للطاقة الذرية"توماس مزود الاتجاهات والخبرات الخاصة في محطات الطاقة النووية عالمياً. وشرح تعدّد الاستخدامات السلمية للطاقة النووية ومجالاتها، إضافة الى إنتاج الطاقة الكهربائية. وأكّد دعم الوكالة الكامل مصر لإنجاح برنامجها النووي، وإمدادها بالخبرات المتراكمة، مشدداً على ضرورة تأهيل الكوادر البشرية المصرية. كما أكّدت ورشة العمل أهمية إعداد خطاب إعلامي يرافق خطط البرنامج النووي، ويستند الى حقائق مبسطة عنه، مع مراعاة معايير الشفافية والوضوح. وأوضح وزير الكهرباء والطاقة المصري الدكتور حسن يونس أن إجراءات قطاع الكهرباء والطاقة لتنفيذ البرنامج النووي تسير بخطى ثابتة وفقاً للمعايير العالمية وبالتعاون الكامل مع"الوكالة الدولية للطاقة الذرية".