تميل قصص هذ المجموعة وعددها 48 قصة قصيرة، إلى التكثيف واختصار الشريط اللغوي إلى حد كبير. عدد غير قليل من هذه القصص مكتوب بضمير المتكلم. أبطالها مأزومون محاصرون بالخراب وبالفساد، بالاحتلال وممارساته وبالموت. السرد في بعض القصص مرتبك محكوم بتهويمات لغوية، ونهايات باهتة أو مضببة ذات منحى رومانسي. وفي قصص أخرى، غموض لا يفصح ولا يقود إلى طريق، أو هو يقود إلى نزعة سلبية تحرض على طلب الهجرة من البلاد، وذلك بالطبع لا يأتي من فراغ، وإنما احتجاجاً على ما في واقع رجال القصص ونسائها من تعاسة. وفي أحيان أخرى، تظهر لدى هؤلاء وأولئك نزعة تحدٍّ لظروفهم القاسية، وتكون لهم جراء ذلك لحظات فرح ومتعة من نوع ما. ربما لهذا السبب جاء عنوان المجموعة موحياً بما يحتاج إليه شخوصها: حاجتهم إلى بحر، ينطلقون في عبابه متحررين من قيودهم ومن قلقهم ومن بؤس واقعهم. القصص في"الحاجة الى البحر"لأمين دراوشة مركز أوغاريت، رام الله مكتوبة بنزعة تعبيرية يشوبها بعض لمحات سوريالية. يغلب على الغالبية العظمى منها طابع كتابة النص، وأحياناً الخاطرة الوجدانية. ربما كان هذا الأمر في غير مصلحة المجموعة. النص ينطلق من لحظة معينة، ثم يتشتت وتتراكم الجزئيات من دون التمحور حول حدث مركزي، أو حالة معينة. التشتت الوارد هنا ليس من النوع الذي يمكن تجميع أجزائه ليعطينا تصوراً فنياً عن حالة ما. غير أن هذا لا ينفي حقيقة أن قصص المجموعة متحررة من لغة القواميس ومن الصياغات التقليدية للشكل القصصي. ثمة لغة حية نابضة، وهذا أمر يحسب لمصلحة المجموعة. ربما كانت نهايات القصص جديرة بالمتابعة. بعضها يتم التوصل إليه في شكل مقنع ومنسجم مع عناصر القص التي استوجبتها كما هو الحال في قصة"طيران"، بعضها الآخر مسربل بالغموض وعدم الإقناع كما هو الحال في قصة"شيء ما"، بعضها رومانسي مشوب بنزعة تبشيرية كما هو الحال في قصة"الجائزة"، وبعضها الآخر لا يعدو كونه مجرد قفشة لا تصلح أن تكون نهاية لقصة قصيرة كما هو الحال في قصة"المكنسة". ثمة قصص في المجموعة يمكن التوقف عندها ملياً. مثلاً: قصة"حثالة"، فهي تلفت الانتباه بمضمونها الناقد للحالة الفلسطينية الداخلية، وبأسلوب كتابتها. بطلة القصة تعيش حالة من البطالة، ثم تقرر الذهاب إلى جامعة هارفارد لمواصلة تحصيلها الجامعي، وحينما تعود إلى وطنها تكتشف أن"الكل هنا تحول إلى حثالة متطورة"، ولا يكتفي الكاتب بذلك، بل يمتد الخراب ليصل إلى راوي القصة نفسه، الذي يفاجئ بطلة القصة بقمعه لفكرتها الجريئة، فتعلن خيبة أملها فيه قائلة له:"حتى أنت!". تلفت الانتباه أيضاً قصة"كتابة"، إذ ينصب النقد مرة أخرى على الحالة الفلسطينية الداخلية، وما فيها من بيروقراطية وسوء تصرف. بطل القصة كاتب يعمل موظفاً في إحدى الدوائر ولا يقدره أحد، و?"الكل يتسلق، ويصعد، ويرتفع، وأنا أفكر في المستقبل، فلا أرى سوى الضباب"، ثم ينتهي إلى أن علاج هذه الحالة لن يكون إلا بالكتابة، ولكن الكتابة بالدم استناداً إلى نصيحة الفيلسوف الألماني نيتشه:"اكتب بدمك، فتعرف عندها أن الكتابة حياة". يتكرر ذكر الموت في عدد من قصص المجموعة، ويظهر الحنين إلى المرأة في بعض القصص، كما لو أنها المرفأ الذي يهب بعض الطمأنينة، ويشكل نقيضاً للموت. وفي بعض الأحيان، حينما يتعلق الأمر بعسف الجنود الإسرائيليين، فإن صورة المرأة لا تسهم في رد الموت. يحضر الموت من دون استئذان كما في قصة"الصورة"، والصبي الذي خرّ صريعاً برصاص الجنود، لا يقترب منه الجنود خوفاً من مفاجأة ما."استعانوا بالرجل الآلي لينبش جثة الصبي. بعد قليل عاد يحمل بين أحضانه صورة لصبية جميلة، وعذبة، نما ثدياها قبل الأوان". المناخ العام لقصص أمين دراوشة يعبر عن أزمة متشعبة الأذرع، وعن حياة قاسية في ظل الاحتلال الإسرائيلي، وفي ظل الممارسات الخاطئة التي تحدث في مجتمعنا على أيدي المتسلطين منا على المواقع الإدارية. شخوص القصص هم بوجه الإجمال من المثقفين العاملين في الدوائر الحكومية والمؤسسات. المكان في القصص يتمثل في المدينة في شكل أساس. والزمان هو زمن الاحتلال، وهو زمن راهن مباشر ليست فيه تداعيات أو استرجاع للحظات سابقة في أغلب الحالات.