الابتكار يُواكب مستهدفات رؤية الوطن    تبوك تتوشح ب 8000 علم وتعد 47 فعالية للاحتفاءً بيوم الوطن    الاتحاد والهلال أولى رياح تحديد هوية البطل    القبض على 4 إثيوبيين في عسير لتهريبهم (35) كيلوجرامًا من مادة الحشيش المخدر    قيصرية الكتاب والتنفس الثقافي    بيولي: لا يجب التركيز على الماضي بل النظر للمستقبل    الدوري السعودي الأول آسيوياً ب200 مليون مشاهدة    باهبري يواجه الشباب بقميص «السكري»    فريق طبي بتجمع جازان الصحي ينجح في إعادة السمع لطفل    هيئة الأفلام تطلق النسخة الثانية من "منتدى الأفلام السعودي" أكتوبر المقبل    سناب تكشف عن أدوات جديدة لتعزيز تجربة المستخدم والمجتمعات الإبداعية في قمة 2024    مزاد "تمور العلا" يواصل فعالياته    خبير دولي ل«عكاظ»: قرار الجمعية العامة يعزز الموقف القانوني الفلسطيني عالمياً    محافظ الأحساء: الخطاب الملكي يحمل حرصا شديدا على حماية هويتنا وقيمنا    بلدية محافظة الاسياح تنفذ فرضية استباقية لمواجهة خطر السيول والأمطار    المياه الوطنية تنتهي من تنفيذ شبكات مياه في 4 أحياء شرق أبها بنحو 35 مليون ريال    استشهاد ثلاثة فلسطينيين في عدوان الاحتلال الإسرائيلي على جنين    نائب أمير جازان يطلق البرنامج الدعوي "انتماء ونماء" المصاحب لليوم الوطني ال 94    من هي الوحدة الإسرائيلية المتورطة في انفجارات لبنان؟    أكثر من 5 ملايين مصلٍ يؤدون الصلوات في المسجد النبوي خلال الأسبوع الماضي    القيادة تهنئ الحاكم العام لسانت كيتس ونيفيس بذكرى استقلال بلادها    مجمع إرادة بالرياض: سلامة المرضى أولوية لدينا نظراً لطبيعة المرضى النفسيين ومرضى الإدمان    الغذاء والدواء: لا صحة للادعاءات المنتشرة حول فوائد مشروب جذور الهندباء    برعاية خادم الحرمين.. «الإسلامية» تنظم جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    البروفيسور فارس العنزي يحصد لقب الشخصية الأكثر تأثيراً في النشر العلمي بالولايات المتحدة الأمريكية    الرياض تحتضن القمة والمعرض السعودي للبنية التحتية الثلاثاء المقبل    افتتاح المعرض السعودي للفنادق والضيافة ومعرض إندكس السعودية ومعرض تصميم وتكنولوجيا الإضاءة بدعم حكومي استراتيجي يتوج بأكبر تجربة مشتركة للفعاليات على الإطلاق    أمير الشرقية: الخطاب الملكي أكد على مضي بلادنا لتحقيق المزيد من التطور والازدهار والنماء    ارتفاع أسعار الذهب    ولي العهد السعودي: لن نقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة    فريق بحثي سعودي يطور تكنولوجيا تكشف الأمراض بمستشعرات دقيقة    النائب العام : الخطاب الملكي يعكس رؤية القيادة الرشيدة وحرصها على التطوير في شتى المجالات    أمطار متوسطة إلى غزيرة مصحوبة بالبرد وتؤدي لجريان السيول على 5 مناطق    نائب أمير جازان يتسلم شعلة دورة الألعاب السعودية 2024    اختتام دورة حراس المرمى التمهيدية في الرياض وجدة    داعية مصري يثير الجدل.. فتاة تتهمه بالتحرش.. و«قضايا المرأة»: تلقينا شكاوى أخرى !    نجمة برنامج America's Got Talent تنتحر    «التعليم»: تخصيص بائع في مقاصف المدارس لكل 200 طالب    95 ألف معمر .. اليابان تحطم الرقم القياسي في طول العمر!    المواطن عماد رؤية 2030    نائب أمير مكة يشهد انطلاق اجتماع الوكلاء المساعدين للحقوق بإمارات المناطق    حضن الليل    أحياناً للهذر فوائد    اكتشاف توقف تكوين نجوم جديدة بالمجرات القديمة    إلى جنَّات الخلود أيُّها الوالد العطوف الحنون    برعاية وزير الداخلية.. تخريج 7,922 رجل أمن من مدن التدريب بمناطق المملكة    سموه رفع الشكر للقيادة.. وزير الثقافة يُثمّن تسمية مجلس الوزراء ل "عام الحِرف اليدوية"    د. حياة سندي تحصد جائزة المرأة الاستثنائية للسلام    وفد من الخطوط السعودية يطمئن على صحة غانم    المهندس الغامدي مديرا للصيانة في "الصحة"    العواد إلى الثانية عشرة    في دوري أبطال أوروبا.. برشلونة في ضيافة موناكو.. وأتالانتا يواجه آرسنال    تعزيز التحول الرقمي وتجربة المسافرين في مطارات دول "التعاون"    ملاحقة "الشهرة" كادت تقضي على حياة "يوتيوبر"    سلامة المرضى    كلام للبيع    كسر الخواطر    هيئتا الأمر بالمعروف في بلجرشي والمخواة تفعّلان برنامج "جهود المملكة العربية السعودية في محاربة التطرف والإرهاب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اكتشفت أن زوجها اصبح إرهابياً ولم يكن بوسعها إلا التكيف . ناديا "الطباخة الرسمية" للجماعة الإسلامية تروي حياتها مع "الاخوة" الجزائريين
نشر في الحياة يوم 12 - 07 - 2003

تذكر ناديا وهي إحدى الفتيات اللائي عشن داخل التنظيمات الإسلامية المسلحة منذ بداية تصاعد أعمال العنف في الجزائر مطلع 1992 بحسرة ومرارة تجربتها ضمن أخطر تنظيم دموي لا يزال يروع الجزائريين. وتورد ناديا 22 عاماً في مذكراتها "زوجة إرهابي" حياتها داخل الجماعة الإسلامية المسلحة حيث كان زوجها أحمد ينشط ضمن هذا التنظيم إلى مقتله نهاية آذار مارس 1996 عندما حاصرت قوات الأمن الملجأ الذي كان يقيم به برفقة عدد من عناصر التنظيم.
تقول ناديا أن معاناتها مع "الجماعة" بدأت بعد فترة قصيرة من زواجها مع أحمد حيث سرعان ما بدأ ينتقد لجوءها إلى التجميل واستعمال "الماكياج" ثم حرم عليها في وقت لاحق الذهاب إلى "الحمام" قبل أن تكتشف بأن أحمد الذي تعرفه قبل الزواج لم يعد هو نفسه لأنه ببساطة أصبح "إرهابياً" وهي بعد زواجها منه أصبحت أيضاً "إرهابية". لم تكتشف حقيقة زوجها أحمد والتغير الذي طرأ على حياته إلا في الخلوة خلال اليوم الثاني من حفلة زفافهما حين طلبت من زوجها ان يغني لها إحدى أغاني الشاب حسني أحد أبرز مطربي "الراي" الذي اغتالته الجماعة المسلحة عام 1994 فرد عليها: "أمنعك من البكاء على الطاغوت لقد استحق الموت كان بأغانيه يساعد في انحراف شباب كثيرين". لم يكن الموقف الذي عبر عنه أحمد إلا بداية تغير أدى بها سريعاً لتكون ناديا في خدمة "الأخوة" الأعضاء في الجماعة الإسلامية المسلحة.
تقول ناديا أنها حاولت مرات عدة الامتناع عن خدمة "الجماعة" أو ان تحضر لهم الطعام "حاولت أن أرفض متحججة بأني متعبة ولكن أحمد أجابني بغضب لا أريد أن أسمع شيئاً، عليك تنفيذ أوامري، أتريدين أن يسخر مني الاخوة لأنني تزوجت امرأة كسولة عاجزة عن تأدية واجباتها". ولأنني أعرف تبجحه ظننت أنه يريد التباهي بي أمام رفاقه ولكن سرعان ما تأكدت أنه واجب أيضاً. كانت هذه الحماسة الزائدة في تنفيذ أوامر التنظيم السبب الذي سمح له أن يتولى الامارة لاحقاً.
وتذكر ناديا ما رواه لها زوجها أحمد في الليالي الأولى التي أعقبت حفلة الزفاف "في تلك الليلة حدثني عن الجماعة وعما كان ينتظره مني، قال لي أنت الآن زوجتي فقد دخلت الجماعة وأصبحت إذاً "أختاً"، أنت مجبرة على تحضير الطعام لهم وغسل ثيابهم. ستكون هذه طريقتك للمساهمة في تأسيس الدولة الإسلامية في الجزائر.
بعد أيام وجدت ناديا نفسها طباخة رسمية للجماعة الإسلامية المسلحة بمنطقة حوش بوناب بلدية الكاليتوس جنوب العاصمة الجزائرية حيث كانت تقيم إلى جانب زوجها. "كانت وظيفتي الجديدة تتمثل في إعداد جميع الوجبات: فطور الصباح، الغداء، العشاء... وأحياناً وجبة رابعة في الليل حين يسهر "الاخوة" إلى وقت متأخر. الوليمة يحضرها حوالى عشرة أشخاص ولكن ليس دائماً الأشخاص أنفسهم. كانوا يتغيرون بحسب مهامهم في المنطقة، البعض منهم كنت أعرفه لكنهم عندما يكونون هنا لم يكن من حقي أن أبقى أو أتحدث معهم، كنت أراهم من وراء الستائر، وإذا كان على أحدهم أن يوجه لي كلاماً فعليه أن يدير لي ظهره. في قانون سلوكهم ليس من حقهم أن يروا امرأة أحدهم، حتى وهي متحجبة. لقد حدث وأنني كنت أقف قرب الباب للاستماع خفية الى أحاديثهم. مرة رفعت الستار لكي أتعرف على هؤلاء الرجال الذين يجعلون الآخرين يرتعدون. في مواجهتي كان يقف شخص من الطول والقوة بحيث أدهشني. عندما نظر إلي كان ما يشبه النور يضيء وجهه، كان جميلاً لقد جعلني أضطرب إلى حد أنني حكيت ذلك لزوجي الذي وبخني بقسوة. في الصباح كان البيض المسلوق مع الجبنة قليل النضوج "للحفاظ على فيتاميناته" كما يقول لي أحمد. في البداية لم أكن أعرف كيف أطبخ لهم بحسب ذوقهم، فعلمني ذلك، إضافة إلى الحليب الساخن، كل شيء كان طبيعياً. كانت حماتي تملك بقرات توفر الحليب لهم ولبعض الجيران أيضاً، كانوا مسرورين وهم يأتونهم كل صباح بالحليب والبسكويت الذي علي أن أطليه بالزبدة والمربى إلى جانب الخبز الطري الذي تعده بعض الجارات خصيصاً لهم عند الفجر. كنت أطلي البسكويت لأجنبهم أي جهد وادخاره ل"المعركة الكبرى".
كان زواجي بالنسبة الى "الجماعة" وعدد من جارات أحمد نعمة من الله، فمنذ تلك اللحظة سأكون المسؤولة الوحيدة عن هذه المهمة القاسية المتمثلة في إعداد طعام "الجماعة". في السابق كان سكان حي بوناب يتكفلون بهذه المهمة بالتناوب، الذين كانت لديهم الإمكانات يتكفلون بكل شيء أما الأقل حظاً فيكتفون بالتحضير لأن "الجماعة" تؤمن لهم المشتريات.
لم يكن بوسعي أن أرفض ما كان يحدث ببيتي، كان أحمد يقول لي دوماً: "يجب علينا إستقبال الإخوة في بيتنا، وإلا سيقضون لياليهم بالخارج في البرد وسيعاقبنا الله نحن الإثنين". كنت أخشى عقاب المولى، أما هم فكانوا يخافون أن يفاجئهم الدركيون، لدرجة أنهم كانوا ينامون بثيابهم، وبأحذيتهم ليتمكنوا من الفرار إذا بوغتوا ليلاً. عندما كنت أجبر أحياناً أحمد على نزع حذائه لأغسل له رجليه تنبعث رائحة كريهة تملأ الغرفة، تصيبني بالغثيان، أما أن يستحم فذلك مستحيل. وقد كنت أتحمل هذا العمل الشاق لأنه كان يقول أن لديه نصيبه من الأعمال الشاقة وعلي أن أقتسم معه الأعمال الحسنة التي كان يقوم بها.
وبعد أسابيع من هذا الايقاع الجهنمي أنهكت، لم يعد لي حتى الوقت الكافي لتأدية صلاتي. كنت أقضي وقتي كله أمام الفرن، وفي المساء أسقط كخرقة بالية ولا أفكر إلا في النوم. ذات يوم ذهبت لزيارة أهلي، وكانت المرة الأولى بعد شهر من زواجي، ورويت لوالدي الحياة التي كنت أعيشها. كان قد لاحظ إلى أي حد أصبحت هزيلة متعبة. قلت له أيضاً أنني لم أعد أستطيع النوم ليلاً لأن زوجي يفرض علي حراسته هو ورفاقه. كما كان علي أن أستيقظ قبل بزوغ الفجر لأبدأ عملاً شاقاً. أبي الذي لم يزل حنانه تجاهي كاملاً، أحزنه أن يراني على هذه الحال، ولكنه لم يستطع سوى الاعتراف بعجزه، قال لي: "ما عساني أفعل لك؟ لا شيء ارأيت كم أن الجيران لطفاء ومتعاونين معهم. ليس بوسعي إلا أن أفعل مثلهم". فأحسست كم هي كبيرة سلطة المسلحين في الحوش الذي نقيم فيه.
وعن المعاناة والعذاب الذي عاشته داخل "الجماعة" تقول ناديا أنه في إحدى الليالي ارتكبت خطأ. كان "الاخوة" في ساحة المنزل، وسمحت لنفسي بأن أرى ما كانوا يفعلونه بينما لم يكن علي فعل ذلك، فاجأني زوجي وأنا أتجسس عليهم فقرر جلدي على الظهر. كان من المفروض أن يجلدني أربعين جلدة، لكنه عندما رأى شدة ألمي، على رغم أنني كنت أتألم في صمت، أشفق لحالي ولم يجلدني إلا عشر جلدات. في يوم آخر، جلدني لأنني كنت أستمع الموسيقى في الاذاعة، يومها كنت لوحدي في البيت أدرت المذياع، وجاء خلسة. ما إن رأيته يدخل حتى أطفأته، لكنه شعر بأنني منتشية، فسألني لم كنت في تلك الحالة من الغبطة؟ قلت له بأنها الاذاعة، ثار غضبه وجلدني ثلاثين جلدة. لكنها لم تكن الوحيدة التي تعرضت للجلد فحتى زوجها أحمد تعرض كذلك للجلد عندما تورط في سرقة سلاح أحد "الاخوة" لتعليمي كيف أستعمل بندقية الصيد وكيف أقتل حيث خرجت رصاصة أثناء تعليمي واستقرت في الحائط فسمع "الاخوة" بذلك فقرروا معاقبته على ذلك. ربطوه الى شجرة وضربوه بالسوط على ظهره وقدميه.
تقول ناديا: "قبل الالتحاق بالجبل يمر المسلحون بفترة اختبار. لمدة شهور طويلة، يقوم الزعماء المحليون بمراقبة تصرفاتهم، يختبرون وفاءهم وإخلاصهم للجماعة، لان البعض يقبل بسرور خدمتهم ولكن يفضلون البقاء مع عائلتهم. في الواقع حتى هؤلاء ينتهي بهم الأمر إلى الالتحاق بالآخرين في الجبل، لأنهم بحاجة إلى رجال في الجبل. كما أن المقاتلين في صفوف "الجماعة" ينتهون باكتشاف أمرهم من قبل قوات الأمن، وبين لحظة وأخرى يرون أنهم في خطر في المدينة. ومن جهة أخرى لا تثق "الجماعة" في مقاتل لم يحمل السلاح بعد، لأنها الطريقة التي تورطه إلى الأبد، حتى وإن قرر التوبة فيما بعد، لن يسلم من السجن.
في اليوم الذي جاء فيه رجال الدرك الوطني "هيئة أمنية تابعة للجيش الجزائري" لاستجواب سكان حي بوناب أنكروا بالطبع أي علاقة لهم بالإرهابيين، ولكن أنا كنت أعلم كل شيء، لأن زوجي كان يحضر وثائق للاحتفاظ بها في البيت، وكنت أقرأها. كانت هناك قائمة لكل المتعاونين مع "الجماعة"، وأي طريقة يستعملونها لذلك. كانت "الجماعة" تكتب كل شيء بما فيها سجلات عن قتلاهم وضحاياهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.