تحوّلت عودة رئيس جمهورية جزر القمر أحمد عبدالله سامبي إلى موروني بعد مشاركته في القمة العربية في دمشق، إلى مناسبة احتفل بها القمريون رسمياً بتحرير جزيرة أنجوان التي كانت تحت سيطرة العقيد المنشق محمد بكر وإعادتها إلى الحكم المركزي. وأقيم لسامبي استقبال رسمي وشعبي في مطار موروني لدى عودته صباح الجمعة الماضي رفعت خلاله صوره في الأيدي والطرق والساحات للمرة الأولى في تاريخ البلاد، مذيّلة بعبارات تصفه بأنه"أبو الوحدة". في اليوم التالي ذهب سامبي إلى أنجوان، وهي مسقطه، حيث أقيم له احتفال رسمي وتسلم مفتاح الجزيرة من الحاكم الجديد ليل الزمان عبدو شيخ. وعشية ذهابه إلى أنجوان التقته"الحياة"في"قصر دار السلام"مقر الرئاسة في موروني وأجرت معه حواراً، أكد فيه أن مشكلة"جزر القمر اقتصادية وليست سياسية". واللطيف أن من يجالسه الرئيس ويدخل مقره، لا يشعر برهبة المقار الرسمية وساكنيها، بل يخالجه شعور بأن تواضع الرئيس رجل الدين ذي اللحية البيضاء، انعكس على المكان بهدوئه وتواضعه. وقال سامبي رداً على سؤال عن تقويمه لنتائج القمة العربية:"بالتأكيد كانت ناجحة على رغم الضغوط التي مورست. شممت منها رائحة طيبة، خصوصاً أثناء الجلسة المغلقة، في الحديث بين الزعماء العرب الذي كان صريحاً. وهذا بحد ذاته جيد، وهو ثمرة النجاح. أما في ما يتعلق بجزر القمر، فاستمعت القمة إلى الكلمة التي ألقيتها وبعدها اهتمت أكثر. وقبل ذلك كان المجلس الوزاري أصدر قرارات تخص جزر القمر، وبالتالي حصلنا على تهنئة جميع الرؤساء واستعدادهم للمؤازرة والمساعدة. وبالنسبة إلينا القمة كانت ممتازة وجيدة وفي الأيام المقبلة سنرى الثمار والنتائج الإيجابية". وعن طبيعة تلك الثمار، قال:"جزر القمر كانت إلى حد ما مجهولة في السنوات الماضية. حاولنا بقدر المستطاع أن نعرّف العالم العربي بها، والآن نستطيع أن نقول إننا نجحنا. لم تعد جزر القمر مجهولة بل العكس هو الصحيح، بدأ الناس يهتمون بها أكثر فأكثر، وبالتالي في المحادثات الجانبية التي أجريتها مع الزعماء العرب، كان الحديث متركزاً على المستقبل، إضافة إلى المشاكل التي تعاني منها جزر القمر". وأوضح أن"المستقبل يختص بالأمن والاستقرار في البلد ثم المشاريع التي لها علاقة مباشرة بالاقتصاد". قضية مايوت وفي ما يخص وعده بتحرير جزيرة مايوت التي لا تعترف فرنسا بسيادة بلاده عليها، قال سامبي:"أولاً يجب أن تعرف أن علاقتنا بفرنسا جيدة، وهي ما زالت دولة صديقة. بل أستطيع أن أقول أن علاقتنا تحسنت بعد مجيء حكومة الرئيس نيكولا ساركوزي الذي التقيته في باريس واتفقنا على تشكيل لجنة مشتركة تبحث الأمور المعلقة في العلاقات بين البلدين، خصوصاً ما له علاقة بجزيرة مايوت". وأكد أن"مايوت هي جزيرة قمرية وستظل قمرية، وهي السبب الوحيد الذي جعل علاقاتنا بفرنسا تتوتر أحياناً، لكننا نسعى دائماً إلى تحسينها. وحالياً، بدأنا محادثات صريحة معهم". غير أنه اعترف بأن الفرنسيين لم يقروا بقمرية الجزيرة،"ولهذا اتفقنا على تشكيل اللجنة المشتركة للوصول إلى اتفاق. واللجنة ستشكل قريباً، وربما خلال 3 أسابيع أو شهر. أهم شيء هو أن علاقاتنا بفرنسا جيدة. صحيح ان هذه المشكلة ما زالت قائمة وندعو الله أن يوفقنا في حلها، ونحن ننتظر بالطبع دعم الأخوة في الدول العربية ومساندتنا ديبلوماسياً. فجزيرة مايوت، كما قلت في القمة العربية، هي جزيرة قمرية وعربية ولا بد من أن يهتم الجميع بها. وإن شاء الله نصل إلى نتيجة ايجابية. كل ما في الأمر أن فرنسا تريد منا أن نحلّل وجودها في مايوت، وهذا موقفهم منذ زمن، لكن الجيد أن ساركوزي مستعد للتباحث حول هذا الموضوع وكافة الجوانب وهذا جيد". "بحرنا مقبرة" وأكد سامبي صحة تقرير للأمم المتحدة يتحدث عن وفاة نحو 200 قمري سنوياً أثناء محاولتهم اللجوء إلى مايوت. وقال:"ربما كان من يلقون حتفهم أكثر من ذلك. أما في ما يتعلق بالأرقام الرسمية فليست موجودة لعدم وجود إحصاءات، لكن ما نعرفه أن مياهنا أو بحارنا الإقليمية أصبحت مقبرة كبيرة، والجميع بمن فيهم الفرنسيون يعرفون ذلك. في المياه القمرية، خصوصاً بين مايوت وانجوان نحو 50 كيلومتراً هناك أناس يتوفون أسبوعياً، لأن الناس يعيشون في الفقر والجهل والتخلف، ويذهبون بحثاً عن العيش السعيد، آملين في أن يصلوا وإذا وصلوا أن ينجحوا في الدخول. هذا أمر غير مستغرب لأن فرنسا ترسل إلى مايوت وحدها ما يقارب 350 مليون يورو سنوياً. وإذا قمت بمقارنة بسيطة، نحن في الجزر الثلاث التي تشكل دولة جزر القمر لم تتجاوز موازنتنا هذا العام 70 مليون دولار... هذه موازنة ناد من الأندية الرياضية في بعض الدول. ويمكنك أن تتصور حجم المشكلة الاقتصادية. وبالتالي اعتقادي أن مشكلة جزر القمر اقتصادية قبل أن تكون سياسية. للأسف رجال السياسة والطبقة السياسية دائماً، لأنهم يؤمنون أن المشاكل سياسية قبل أن تكون اقتصادية، كانوا يقدمون دائماً الحلول السياسية ولذلك كانوا يقترحون بين كل فترة وفترة، تعديل الدستور أو تغيير العلَم وتغيير النشيد الوطني. غيرنا ما غيرناه، ومع ذلك لم نستطع أن نقضي على الفقر والتخلف. أنا اتحدث بصراحة مع الشعب القمري وأكدت أن مشاكلنا اقتصادية. صحيح لدينا مشاكل سياسية، ولكن حين ننظر إلى الواقع المعاش للمواطن، نجد أنه يعاني من الفقر الشديد ومشاكل عدة. ولا يزال يشرب من مياه الأمطار وكثير من أبنائنا لا يعرفون حتى الآن لون الكهرباء. في مجال التعليم حدّث ولا حرج، وبالتالي مشاكلنا كثيرة". وتحدث سامبي عن الخطوات التي بدأ تنفيذها لمحكافحة الفقر والجهل والمرض، موضحاً"أننا بدأنا البرنامج الاصلاحي، وكان ناقصاً بسبب عدم سيطرتنا على جزيرة أنجوان. وكون تلك الجزيرة لم تكن تحت سيطرتنا فتخطئ كل الحسابات، أما الآن نستطيع بالفعل أن نقوم بمشاريع وأن ندير البرنامج الإصلاحي. أنا في رأيي، لا بد من أن نقضي على عقدة النقص التي يعاني منها الكثير من أبناء الجزر. وحتى نقضي على هذه العقدة رأيت أن الأحسن أن ننقل المواطن من الكوخ الذي يسكنه إلى بيت، وإن كان متواضعاً، يجعله يشعر بإنسانيته وبكرامته ولذلك كنت وراء مشروع اسكان كبير اعتبره مفتاحاً للاصلاح سيغير المفاهيم ويصحح العادات". وأضاف:"هناك جوانب عدة نريد القيام بها منها تقوية الاستثمارات، خصوصاً الإفادة من السياحة. نحن نعتقد أن الجزر جميلة وكان بإمكاننا كدولة أن نستفيد من السياحة، ولكن كما لاحظتم حتى البنية التحتية لهذا القطاع مفقودة. وهناك ثروة أخرى وهي الثروة السمكية غير مستغلة، الآن بدأنا بالفعل التفكير الجدي وحصلنا على باخرة صيد واحدة هدية من اخواننا الإيرانيين، وكذلك فتحنا المجال للاستثمار في المجال السياحي وبدأت بعض المشاريع تنفذ. وإضافة الى ذلك، نعتقد أن جزر القمر تحتل موقعاً استراتيجياً هاماً، واذا جاء أي مستثمر إليها قد يحولها الى مركز انطلاق ليصدر بضائعه وسلعته الى الدول الاقليمية المجاورة. فنحن على بعد ساعة أو ساعة ونصف الساعة من تنزانيا وكينيا وموزانبيق ومدغشقر، وأي مستمثر يأتي لينشئ مصنعاً في جزر القمر له سوق كبيرة هي سوق القارة الافريقية. غيّرنا قانون الاستثمار كي نستقطب المستثمرين، ونعتقد أنه جيد مقارنة بقوانين الاستثمار في بعض الدول. نقول للمستثمرين تعالوا وستجدون ما تريدون. نحن فهمنا أهمية التسهيلات ونعتقد أنه لا بد من تدارك الوقت الذي أضعناه، وبالتالي أتصور أن الجزر بكر وهذه حقيقة، وكل مشروع قابل للنجاح وهذه حقيقة أيضاً، وأي مستثمر يأتي إلينا لن يندم". تعديل الدستور وسئل سامبي عن الدعوة إلى تعديل الدستور، فأجاب:"كل ما في الأمر أنه بعد هذه التجربة التي عشناها طوال 8 سنوات بدأ أهالي الجزر يطرحون أسئلة تبحث عن اجوبة. من هناك جاء هذا السؤال... هل الدستور الحالي جيد أم يحتاج الى تعديل وما إلى ذلك. أنا شخصياً غير مهتم كثيراً بهذا الحديث لاعتقادي أن هذا ليس الأهم، لكن الشعب له الحق في أن يتحاور ومتى أراد أن يغير الدستور فأهلاً وسهلاً فهو حر في ذلك، عن طريق البرلمان أو عن طريق الاستفتاء. أنا غير متحمس شخصياً، وأرى أن هناك أولية مشاكل الناس، لكن لا أمانع في أن يبدأ الحوار والمحادثات، فهذا شأنهم".