على مدار ثلاثة أيام جاءت الدورة الثانية من مؤتمر "الشعر البديل" التي عقدت أخيراً في أتيليه القاهرة بعنوان"أمسيات شعرية بديلة راهن الشعر المصري"، لكنه مثل كثير من المؤتمرات الثقافية في مصر أثار الكثير من الجدل, بدءاً بالعنوان وانتهاء بالمشاركين مروراً بالبيانات والمواقف والأحداث الساخنة. فالعنوان الذي حمل شعار"البديل"لم يستطع أحد حتى القائمون على تنظيم المؤتمر لهذه السنة تحديد مفهوم واضح له, على خلاف الدورة السابقة التي عقدت في مقر مجلة"أدب ونقد"الذي هو في الوقت نفسه مقر حزب التجمع اليساري. فقد أقام الشاعران حلمي سالم وعبد المنعم رمضان دورته الأولى كبديل من مؤتمر الشعر الرسمي الذي فاز الشاعر الفلسطيني محمود درويش بجائزته, والذي تجاهل مسؤولوه تياراً شعرياً عارماً يعرف بشعراء قصيدة النثر. لكنّ كلمة"البديل"هذه السنة لم يكن لها محل في الإعراب, ما جعل منظمي المؤتمر يعرّفونها بأنها"تحمل معنى الجديد في الشخوص والقصائد". ويبدو أن المؤتمر - بهذا المنطق - حمل الكثير من"البدائل", فبدلاً من حلمي سالم وعبد المنعم رمضان كان مصمم أغلفة الكتب مجاهد العزب وآخرون لا يعرفهم أحد. وبدلاً من حزب"التجمع"الذي أقيم فيه المؤتمر الأول كان أتيليه القاهرة, وبدلاً من الشعراء المعروفين كان الشعراء في معظمهم جدداً أو مبتدئين, وبدلاً من التكريس لقصيدة النثر كتيار مهم في المشهد الثقافي المصري الراهن كانت التفعيلة والنثر والعامية وربما الزجل. ولا نعرف لماذا انسحب منظمو المؤتمر الأول تاركين الساحة لمؤسسة"المحروسة"للطباعة والنشر. فحلمي سالم قال إنه اعتذر بعد ما شهد المؤتمر الأول خلافاً وصل إلى حد الشتائم, والأمر نفسه قاله عبد المنعم رمضان مؤكداً أنه وحلمي أرادا فتح الباب للأجيال الجديدة كي تقوم بدورها, وأنهما لم يسعيا الى أن يكونا أبوين ولا عرّابين في الثقافة المصرية. أما فتحي عبد الله الذي قاد الخلاف مع رمضان وسالم حول البيان الافتتاحي الذي طالب فيه رمضان بضبط المسافة بين السلطة والمثقف وأصدر البيان الختامي للمؤتمر السابق مطالباً بقطع العلاقة مع المؤسسة, فإن عبدالله بحسب ما يقول مجاهد العزب رئيس اللجنة التي نظمت المؤتمر الأخير وافق على الحضور وطالب بأن يحمل المؤتمر"راهن الشعر المصري"عنواناً وشارك في وضع بعض الأسماء لكنه لم يحضر الندوة التي كان سيلقي فيها شعره ولا الندوة التي كان سيقدم فيها الشاعر محمد صالح كما طلب عبدالله نفسه. ويبدو أن أمر الموافقة والتغيب من دون اعتذار شمل الكثيرين بحسب ما قال العزب, ومن بينهم محمود قرني ومحمود نسيم ومحمد سليمان وعلي منصور وفارس خضر وكريم عبدالسلام وسهير المصادفة وعلاء خالد, وفريد أبو سعدة وغيرهم, وهم في معظمهم من جيلي السبعينات والثمانينات, في حين حضر محمد بدوي وكُرّم أشخاص ذوو علاقة ضعيفة بالشعر إن لم تكن غير موجودة أساساً, بينهم سيد البحراوي الذي قرأ بحثاً نقدياً في الليلة الثانية بعنوان"الشعر المصري الراهن"ومحمد بدوي الذي قدم في الليلة الأخيرة ورقة نقدية بعنوان:"تحولات قصيدة النثر"وهي في مضمونها جاءت عن تاريخ قصيدة النثر في مصر والعالم العربي, لكنها لم تفصح عن هذه التحولات, ولا الفروق بين كتابة السبعينيين لها ومن تلاهم. وكان من المكرمين أيضاً الشاعر محمد صالح وشاعر العامية سمير عبد الباقي بينما طُرح اسما عفيفي مطر ومحمد سليمان، لكنهما اعتذرا عن عدم الحضور. ويبدو أن التكريم جاء في شكل شرفي بعدما رفض"اتيلية القاهرة"أن يضع شعاره على شهادات التكريم التي صممها العزب, بل رفض رئيس مجلس إدارته وجيه وهبة اعتمادها والتوقيع عليها بحجة أنه"أقل من أن يكرم هؤلاء". ويبدو أنه كان على صواب لأن بعضهم بحسب قول العزب قال:"لو أخذت شهادة عليها توقيع وهبة لمزقتها".