لم يكن النقاش حاميّاً على رغم "مصيرية الموقف" يقول أحمد 27 سنة, فالإحباط والألم اللذان رافقا الموقف كانا كفيلين بتبريد أعتى النقاشات. أما"الموقف"فهو انتهاء فترة الإقامة النظامية له في فرنسا وفشل كل محاولات تجديدها،"بدءاً بوعد بالعمل موقّع ومصدّق، انتهاء بمحاولة التسجيل في جامعة"كما يقول. ويضيف أحمد:"كل هذا الرفض سببه أن بطاقة إقامتي تحمل صفة زائر". وأما النقاش فهو الذي دار بينه وبين صديقه حول احتمالَيْ البقاء في شكل غير شرعي أو العودة الى البلد. ويقول أحمد:"لم أكن أريد أن أبقى بصورة غير شرعية، لكنني عندما تفوّهت بهذه الجملة أمام صديقي باغتني بعصبيته: هل إذا عدت إلى البلد ستكون شرعيّاً؟". علامات الدهشة التي ترتسم على وجه محدّثه تدفع أحمد للتفسير"يقصد صديقي أن ليس لدي عمل في بلدي، وليس لي أدني فرصة في ذلك، ثم تأتي خدمة العلم التي نجحت في التهرب منها مدة ثلاث سنوات، فإذا عدت ستكون أول من يستقبلني في المطار". ويعترف أحمد بأن صديقه"غلبه في النقاش"ثم يتابع ضاحكاً"لم أكن أعتقد أن شرعية وجودي في هذه الحياة، تعتمد على حريتي في فعل ما أريد وعلى تخلصي من البطالة، و ليس على بطاقة ما، سواء إقامة أم هوية شخصية". فشل أحمد في تجديد إقامته، لم يمنعه من البقاء في باريس والعمل فيها. وهو لا يخشى الشرطة الفرنسية كثيراً، لأنه"نصف غير شرعي"كما يقول, بمعنى أنه دخل فرنسا بتأشيرة نظاميّة. أما قانون"الهجرة الانتقائية"الجديد فهو لا يعني شيئاً لأحمد، لكن سامي 29 سنة وسهيل 23 سنة الطالبين يعتبرانه عنصرياً. ويقول سامي:"يعطي القانون شباب دول أوروبا الشرقية المنضمة حديثاً الى الاتحاد الأوروبي نسبة 70 في المئة من الفرص المتاحة للعمالة الوافدة، و30 في المئة لبقية العالم. وهذا ليس غريباً ما دام ساركوزي في الإليزيه". ويشترك سامي وسهيل بصفة"نصف الشرعية"لكنهما عاشاها خلال فترة زمنية محدّدة ناهزت السنة ونصف سنة لكل منهما. ويخبر سهيل قصته ضاحكاً:"بصراحة، أنا كنت غير شرعي مدللاً! فعائلتي هنا ولم يكن لدي مشكلة في السكن أو المعيشة". ثم يشير إلى صديقه سامي ويقول"أما هذا فكان غير شرعي معتراً". وعند سؤالهما عن سبب إقامتهما غير الشرعية المحدودة يجيب سهيل:"ببساطة، حدث معي خطأ من المحافظة. وصلت الى باريس وكان عمري 15 سنة فمنحت بطاقة إقامة حتى بلوغي الثامنة عشرة. ثم رفضوا تجديدها لأنني تأخرت إلى ما بعد الثامنة عشرة في تقديم الطلب وانتهى الأمر بإرسال رسالة للمحافظ". أما سامي فيقول"رفضوا تجديد إقامتي لأنني لم أقدم كشفاً مصرفياً يثبت أنني أستطيع إعالة نفسي على رغم أنني دخلت بإقامة دراسية". ثم يضيف بهدوء:"خرجت من مبنى المحافظة... ولم أعد!". يبتسم سامي حين يسأل عن سكنه و معيشته خلال فترة إقامته غير الشرعية ويجيب:"وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت"سورة السجدة آية 34. وبعد"صدق الله العظيم"التي يتولى قولها سهيل، يضيف سامي:"أسأل هذا", مشيراً إلى سهيل الذي كان يتكفل بنقل أغراض سامي من كتب وألبسة وأثاث بسيارته بمعدل ثلاثة مرات في السنة. ثم يقول:"عمل بالأسود"أي بالسر، لذا نفهم لماذا حياتنا سواد بسواد". وتعرض سامي للتوقيف لأنه لم يحمل بطاقة مترو، لكنه يقول أن لغته الفرنسية الجيدة ساعدته على تجاوز الموقف، فيقاطعه سهيل قائلاً"نعم صحيح، بعد يومين من الحجز ساعدتك لغتك!". يتجاهل سامي ملاحظة صديقه الساخرة ويقول"اللافت في الأمر أن الشرطي نصحني بأن أسعى الى الزواج لكي يصبح وضعي شرعياً". وعلى رغم تلك المصاعب يعتبر سامي أن قصته لا تقارن بمن يسميهم"غير شرعيين نظاميين". وحين تستفسر منه عن معنى ما قاله يوضح"يعني أولئك الذين دخلوا من دون تأشيرة، أي حراقة بالعامية المغربية". ثم يتبرع برواية قصة"الاسكندراني"الذي كان عمره 16 سنة ووصل بقاربه إلى الشواطئ الإيطالية مع مجموعة من الشباب ثم نقل إلى مركز لرعاية الأحداث حيث وعدوه بإعطائه تأشيرة إلى فرنسا. وعندما لم يفعلوا سار من إيطاليا إلى فرنسا. القصة التي لم تعجب مروان بسبب غرابتها تدفعه ليتّدخل في الحديث فيقول بلهجته الشامية:"مو معقول!". غالباً ما يكون التأوّه جواباً متفقاً عليه عندما يسأل أي مهاجر غير شرعي عن عدم زيارة بلده وعائلته. أحمد يحسم الأمر بالقول"بالطبع أنت تعيش هنا بعيداً من كل ما تحب، و تعلم أنّ عودتك إلى بلدك في أي لحظة ستكون نهائية، لذا كلا الخيارين مر وعليك أن تختار. أنا اخترت البقاء لأنّ العودة والاستقرار في البلد كأس سبق وشربتها".