باتت محمية وادي الحيتان في محافظة الفيوم متحفاً مفتوحاً فريداً من نوعه في قلب الصحراء بعد اعلانها أول محمية تراث طبيعي عالمي في مصر لتنضم الى قائمة التراث الطبيعي العالمي التي تحوي 259 موقعاً على مستوى العالم، وتضم محمية"وادي الحيتان"ما يزيد على 400 هيكل عظمي لحيتان يعود تاريخها الى أكثر من 40 مليون سنة الى جانب حفريات واحياء بحرية وثروات طبيعية وتكوينات فريدة ونادرة تتكامل مع الظواهر الطبيعية والثقافية في محمية وادي الريان. وقال وزير البيئة المصري المهندس ماجد جورج ان العالم يولي اهتماما بقضايا البيئة والتنمية المستدامة بعد ان ادرك ما تعرضت له البيئة من تدهور مستمر أدى إلى اختلال التوازن البيئي من جراء عدم الاخذ في الاعتبار النتائج السلبية المتوقعة للتطور السريع في التنمية. لذلك انتهجت مصر سياسة جادة لحماية ثرواتها الطبيعية النادرة كقاعدة اساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير التوازن البيئي لصالح المواطن وتأمين حاضره ومستقبله. وأكد جورج أن حكومته بذلت جهوداً حثيثة من أجل حماية الثروات الطبيعية في مصر من خلال وضع السياسات ومكافحة التصحر والحفاظ على التنوع البيولوجي وتطوير وتنمية شبكة المحميات الطبيعية التي بلغت في مصر 27 محمية تمثل 15 في المئة من مساحتها. وذكر انه تم اعلان مواقع للتراث العالمي الثقافي في مصر تشمل الاطلال المسيحية في ابو مينا وطيبة القديمة والقاهرة الإسلامية ومنف ومقابرها وأهراماتها، وآثار النوبة من ابو سمبل وحتى فيلة. كما تم إعلان منطقة سانت كاترين في محافظة جنوبسيناء موقع تراث ثقافي عالمي، لافتا الى أن اعلان منطقة وادي الحيتان كأول محمية تراث طبيعي عالمي في مصر يرجع لكونها من أجمل بقاع العالم التي تمثل اهمية جيولوجية عالمية لوجود التلال الرملية الصغيرة بها والنتوءات الصخرية من الحجر الجيري ذات الاشكال المتنوعة. وأكد جورج ان التحديات البيئية يمكن مواجهتها من خلال حماية ثرواتنا ومواردنا الطبيعية وتحقق أهداف التنمية المستدامة من أجل تحقيق الرفاهية لأبناء مصر. ونبه الى أنه يجري حاليا الاعداد المحلي والدولي لإعلان محمية جبل العوينات في الركن الغربي لمصر، وهو القطاع الذي اكتشفه الرحالة المصري احمد باشا حسن مطلع العام 1923، محمية تراث انساني عالمي لما يضم من كهوف غنية جداً برسومات وحفريات الإنسان المصري الاول. وستكون هذه اول محمية دولية للتراث الانساني في شمال افريقيا حيث تشارك فيها مصر والسودان وليبيا. ومن جهته قال مستشار وزير البيئة المصري محمود عبدالمنعم القيسوني ل"الحياة"إن"وادي الحيتان"أول موقع في مصر يدرج في هذه القائمة العالمية البالغة الأهمية، وبالتالي سيحقق دعاية دولية وجذبًا سياحيًا أكبر خلال السنوات المقبلة، ويعد وادي الحيتان متحفاً مفتوحاً يقع في منطقة قارة جهنم في الطرف الشمالي الغربي لمحمية وادي الريان مسافة حوالي 44 كيلومتراً رملياً. ولبلوغ الوادي يجب الاعتماد على سيارات الدفع الرباعي، وهو يضم حوالي 400 من الهياكل العظمية لأنواع من الحيتان الاولية كلها منتشرة على سطحه وظاهرة للعين المجردة. ويتوقع العلماء اكتشاف مئات الهياكل الأخرى اسفل سطح رمال المحمية، وكان آخرها في العام 2005 اكتشاف هيكل ضخم لأحد هذه الحيتان ويلقب بالسحلية الملك حيث كان له أرجل ويبلغ طول هذا الهيكل من دون الرأس ستة عشر متراً. وعلى رغم اكتساب هذا الوادي لقب وادي الحيتان الا انه ثري ايضاً بتنوع ضخم من حفريات اسماك القروش وأسنانها الحادة والاصداف والحيوانات البحرية والاعشاب ونبات الشورة المانغروف المتحجر، ويحوي كذلك عدداً كبيراً من الحيوانات المهددة بالانقراض. ولفت القيسوني الى أن الوادي يضم محمية بحيرة قارون التي يقع في ها جبل قطراني، وهي بلا منازع اكبر المقابر الجيولوجية الطبيعية في القارة الافريقية، لاحتوائها على رواسب وحفريات بحرية ونهرية وقارية يرجع تاريخها الى أربعين مليون سنة منها هياكل خرتيت الفيوم الضخم ذي القرن المتفرع لاثنين والمعروض هيكله في المتحف الجيولوجي الموقت منذ اول الثمانينات اول طريق المعادي. وهذا المتحف لا يعتبر متحفًا بالمرة، إنما هو موقع تخزين لا يمكنه حتى استيعاب الاكتشافات الحديثة المتلاحقة والمتوقع تضاعفها مئات المرات خلال السنوات المقبلة، وهو الذي تم نقل كل كنوز مصر الجيولوجية وحفرياتها التاريخية إليه بعد هدم المتحف الجيولوجي الرائع في شارع الشيخ ريحان المتفرع من ميدان التحرير اوائل الثمانينات لتنفيذ مشروع مترو الانفاق ولم يتم حتى اليوم بناء متحف بديل لائق بمكانة مصر في هذا المجال. ويضم جبل قطراني أيضاً هياكل اسلاف الافيال العملاقة وفرس النهر والدرافيل والقروش والقرود والطيور، وفيه اضخم غابة من الاشجار المتحجرة في مصر وتقع شرق جبل قطراني وهي ذات الأحجام الضخمة والتي يبلغ بعضها ثلاثين مترا في الطول. وتحتوي محمية شمال بحيرة قارون على اجمل التشكيلات الجيولوجية التي تثير اهتمام السياحة العالمية بشكل متضاعف عاماً بعد عام. والمحميتان تزخران بأنواع من الزواحف والبرمائيات والثدييات التي لها أهمية كبيرة في النظام البيئي للمحمية، كانت تلقب بحديقة مصر وجنة الصحراء لخصوبة أرضها ولكونها أكبر واحات مصر واكثرها انخفاضاً في الصحراء الغربية ومساحتها 6068 كيلومترًا مربعًا منها 1436 كيلومترًا مربعًا زراعات ويقطنها نحو 2.3 مليون نسمة. وأشار القيسوني الى أن الواحة ظهر فيها فن البورتريه للمرة الأولى في تاريخ العالم، وهو فن رسم الوجه بالألوان وذلك خلال فترة الوجود الاغريقي فقد تم رسم هذه الوجوه على المومياوات توضيحاً لشكل صاحبها وكانت تطابق الواقع بشكل مدهش. وفي الفيوم تم تشييد اول طريق ممهد صلب في تاريخ العالم منذ 4500 سنة وهو ما يعتبر اثراً هندسياً بمستوى برج ايفل وتمثال الحرية. كما انه تم للمرة الأولى في التاريخ بناء اول قناطر وسد للتحكم في سريان مياه النيل للبحيرة. وتتميز الفيوم بنقاء الجو والهدوء وهي من العناصر التي تجذب السياحة العالمية كما يحب المقيمون من المواطنين والاجانب في عاصمة مصر قضاء ايام راحة بهذه الواحة حيث يمكن مزاولة هوايات مراقبة الطيور التي تتعدى مئتي نوع منها المهاجرة ومنها المقيمة وصيد السمك ورياضة الشراع الانزلاق على الماء، وبالطبع صيد البط فهي اشهر مكان في مصر في هذا المجال. لهذا كله تعتبر الفيوم محافظة السياحة البيئية بحق ومن الطراز الأول، فإذا تم الاهتمام بها بعقلية سياحية بيئية فستكون المقصد الأول لهذا النشاط في مصر بالكامل.