منذ تولي نيكولا ساركوزي الرئاسة الفرنسية، يدفع بقوة الى إنشاء اتحاد المتوسط. فساركوزي يحلم بربط دول شمال المتوسط بجنوبه على أساس مساواة وليس على نمط معاهدة برشلونة حيث كل شيء كان يتقرر في عاصمة الاتحاد الأوروبي في بروكسيل. وساركوزي مدرك للأوضاع السياسية المعطلة بين دول جنوب المتوسط، فهو يعرف تماماً أن الجزائر والمغرب تربطهما علاقة سيئة مع إغلاق الحدود منذ أكثر من عشر سنوات. وأن الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني وممارسات اسرائيل في الأراضي الفلسطينية تجعل الأوضاع كارثة. وساركوزي مدرك تماماً لمحاولة عودة الهيمنة السورية على لبنان. وعلى رغم ذلك يقول بامكان تجاوز المشاكل السياسية والتحدث عن مشاريع مشتركة مثل تنظيف البحر المتوسط أو ربط المرافئ، مثل بورسعيد وطنجة ببرشلونة ومارسيليا عبر تنظيم رحلات بحرية مستمرة. صحيح أن اطلاق مشاريع من هذا النوع مفيد لدول الجنوب، وصحيح أيضاً أنه لا يمكن لوم رئيس فرنسا على طموحه، لكن السؤال المطروح هو: هل بالإمكان ربط جنوب المتوسط بشماله مع بقاء الأوضاع الفلسطينية متدهورة بسبب سياسات اسرائيل؟. فساركوزي يعترف أنه صديق اسرائيل وأن ذلك لا يمنعه من الحديث مع المسؤولين فيها عن وقف الاستيطان وغيره من الممارسات التعسفية والقمعية إزاء الشعب الفلسطيني. ولكن قبل أن يطلق مشروع وحدة المتوسط كان من الأفضل أن يضغط لإقناع أصدقائه في كل من واشنطن واسرائيل أن مصلحة العالم بأسره أن يقوم بجهود حقيقية لحل القضية الفلسطينية. فكيف يكون اتحاد المتوسط وأبناء غزة محاصرون. فكم كانت مؤلمة ووحشية صورة هذه الأم الفلسطينية مع أولادها الصغار الذين سقطوا بالنيران الاسرائيلية. فلم نسمع أحداً في شمال المتوسط يدين هذه الكارثة البشرية. فماذا فعل الرئيس جورج بوش لصديقه محمود عباس الذي عاد من واشنطن كما قال ويداه فارغتان؟ فبوش لم يحضّ اسرائيل على تغيير سياستها ولم يدفعها الى اعطاء محمود عباس فرصة النجاح في المفاوضات. وهو بهذا الموقف يعطي كل الحجج لأعداء الولاياتالمتحدة أن ينشروا دعاياتهم ويستقطبوا المتطرفين. فعندما يقول ساركوزي إنه يأمل بقيام الدولة الفلسطينية في نهاية 2009 فهو يعرف تماماً أنه حلم لن يتحقق في مثل هذه الأوضاع المتدهورة. أما على صعيد المسار الاسرائيلي - السوري والوساطة التركية، فكل هذا التحرك في الآونة الأخيرة خال من المضمون حسب أكثر من ديبلوماسي مطلع. فإسرائيل تحتاج في هذه المرحلة أن تظهر لهذه الإدارة التي أطلقت مسار أنابوليس الفاشل أنها مستعدة للتحرك على المسار السوري وبدء مسار تفاوضي مع دمشق في غياب تغيير موقفها من السلطة الفلسطينية، وسورية بحاجة الى الخروج من عزلتها الدولية، خصوصاً عزلتها بالنسبة الى الإدارة الأميركية لإظهار أنها تعود وتعزز قوتها عبر التفاوض مع اسرائيل، أما تركيا فتسعى للظهور امام الاتحاد الأوروبي أن انتماءها له ميزات على أكثر من مستوى، خصوصاً على صعيد هذا الصراع. انما الكل يعرف أن من الصعب على الرأي العام الاسرائيلي التخلي عن الجولان كما أن الشروط الاسرائيلية المطلوبة من سورية تعجيزية، مثل التخلي عن ملفها مع ايران ومساعدتها ل"حزب الله"واستضافتها لقيادة"حماس"في دمشق. ويزيد الطين بلّة ظهور مسألة المفاعل النووي الذي قصفه الطيران الاسرائيلي منذ بضعة أشهر في سورية. فقد أثارت السلطات الاسرائيلية هذه القضية مع فرنسا في تشرين الأول اكتوبر الماضي وقدمت صوراً عن المفاعل. أما الادارة الأميركية فخرجت الى العلن بالتفاصيل كي تفضح سورية وتناقض سياسة حليفتها اسرائيل تجاهها. فالصراع العربي - الاسرائيلي ينبغي أن يكون أولوية لأي رئيس صديق لاسرائيل قبل اطلاق ترابط الجنوب والشمال لأنه يمثل قلب المشكلة في المتوسط والمنطقة العربية والعالم بأسره.