خص الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي نظيره الاسرائيلي شمعون بيريز بأول زيارة دولة يقوم بها رئيس دولة اجنبية لفرنسا، منذ بداية عهده. فأعلام اسرائيل ترفرف في سماء باريس الممطرة الى جانب العلم الفرنسي، مرفقة بكل مظاهر زيارة الدولة، من انتشار خيالة الحرس الجمهوري الى السجاد الأحمر، احتفاء ب"رجل السلام شمعون بيريز". فأي سلام تحدث عنه الناطق باسم الرئاسة الفرنسية؟ هل هو استمرار الاستيطان الاسرائيلي ومعاقبة الشعب الفلسطيني بالإغلاق والحواجز والحرمان من الايرادات والمساعدات التي ترسل اليه؟ أم هو سلام الحائط الأمني المذل للشعب الفلسطيني؟ أم سلام تغيير معالم القدس، المدينة المقدسة للديانات الأربع؟ أو سلام الحرب الاسرائيلية على لبنان التي دمرت مطاره وطرقاته وجسوره، ومنازل المدنيين من الجنوب الى الضاحية الجنوبية، علماً أن بيريز كان ايد هذه الحرب؟ فساركوزي استقبل ضيفه بحفاوة الصديق الكبير لفرنسا، وأراد ان يظهر"قوة الصداقة بين البلدين وماضيها". وكثيراً ما ردد ساركوزي ذلك في كل تصريحاته ومقابلاته، مذكراً بأن كونه الصديق الكبير لاسرائيل لا يمنعه من قول الأمور بصراحة لصديقه. فهو سجل موقفه عندما طالب اسرائيل بوقف الاستيطان، وبانشاء دولة فلسطينية قبل نهاية السنة الحالية... وكأن اسرائيل تصغي الى نداءاته. بل على العكس، ازدادت سياسة اسرائيل منذ اغتيال رئيس الحكومة السابق اسحق رابين إساءة حيال الشعب الفلسطيني ومعاناته، ما أدى إلى بروز التطرف وفوز"حماس"في الانتخابات. فدعاة الدولة الفلسطينية، من ياسر عرفات إلى محمود عباس، فقدوا ثقة شعب جعلته معاناته المستمرة يلقي بنفسه إلى جانب المتطرفين، لأنه لم يعد لديه ما يخسره. صحيح أن ساركوزي يقول للإسرائيليين إنه مع الحق ومع وقف الاستيطان والاغلاق وازالة الحواجز، وهو سيردد ذلك خلال زيارته لإسرائيل في حزيران يونيو المقبل. وواقع الحال أن ساركوزي رئيس صريح وديناميكي ويريد تحريك الأمور اينما كان، لكنه أكثر إلماماً بالسياسة المحلية منه بالديبلوماسية والعلاقات الدولية التي يتولاها فريق عمل بارع في قصر الرئاسة بإشراف المستشار الديبلوماسي للرئيس السفير جان دافيد ليفيت. وساركوزي يثق بفريق عمله الديبلوماسي، ولكن عندما يكون الموضوع مرتبطاً بإسرائيل فهو يهتم شخصياً بهذا الملف. ومن يطلع على طفولة ساركوزي يدرك أسباب تعاطفه مع الدولة العبرية. فوالده كان مجرياً وعاش بعيداً عن ابنائه الثلاثة الذين تربوا مع والدتهم اندري"دادو"، ابنة طبيب من عائلة عريقة اسمه بنديكت ملاح، وهو يهودي الأصل اعتنق الكاثوليكية ليتزوج من جدة ساركوزي اديل بوفييه التي انتمت الى عائلة محافظة من مدينة ليون. ونشأ ساركوزي إلى جانب والدته في منزل جده، ولم يكن يدرك أنه يهودي إلا بعد وفاة الجد، الذي أراد اخفاء معاناة اليهود عن أحفاده. وبوفاة الجد، اطلع ساركوزي على تاريخ أسرته ومعاناتها، في ظل اضطهاد الالمان لليهود، ما ولد الكثير من التعاطف لديه مع القضية اليهودية والدولة العبرية. إلا أنه رئيس لفرنسا، وهو مدرك أن فرنسا ليست الولاياتالمتحدة وتاريخها القريب منذ عهد الرئيس الراحل الجنرال شارل ديغول حتى الآن يحملها على أن تكون أكثر توازناً بالنسبة إلى سياسة الدولة العبرية. فما يردده ساركوزي للقادة الإسرائيليين ليست له أي جدوى، وهو الآن يقدم على مكافأتهم قبل أن يحصل منهم على أي هدية بالنسبة إلى ما طلبه. وزيارة الدولة تظهر مدى صداقة فرنسا ساركوزي تجاه إسرائيل، لكنها تظهر أيضاً أن دعوات الرئيس الفرنسي مجرد تسجيل مواقف تدعي الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، في حين تقوم كل مظاهر الحفاوة لقيادة إسرائيلية مستمرة في معاقبتها للشعب الفلسطيني.