بعد اغتيال النائب اللبناني جبران تويني أصدر الرئيس الأميركي جورج بوش بياناً "كاد يصل فيه الى اتهام سورية في شكل مباشر بالجريمة". ويكشف بولتون ان حماسة الولاياتالمتحدة لإدانة الجريمة"بأشد العبارات"لم تقابلها حماسة مماثلة من جانب فرنسا،"على رغم اننا أمضينا وقتاً طويلاً نحاول اقناع البعثة الفرنسية ألا تتبع نهجاً متراخياً". ويمضي الديبلوماسي الأميركي متحدثاً عن تهديدات تلقاها رئيس لجنة التحقيق الدولية في حينه ديتليف ميليس جعلته الى جانب عدم ثقته بالأمين العام للأمم المتحدة يعتذر عن عدم متابعة مهماته ويعود الى برلين ولا يتحمس لمسألة قيام المحكمة الدولية. في ما يأتي حلقة خامسة من كتاب بولتون"الاستسلام ليس خيارنا": من المؤسف أنّ الواقع تدخّل ثانية في 31 كانون الأول ديسمبر مع الاغتيال الإرهابي للصحافي اللبناني جبران تويني، وهو من الناشطين البارزين المناهضين لسورية، وتلك جريمة ثانية في سلسلة من الجرائم، أبرزها اغتيال الحريري. أصدر بوش بياناً يكاد يصل فيه إلى اتهام سورية في شكل مباشر. حاولنا نحن والفرنسيون دفع مجلس الأمن إلى إصدار بيان رئاسي على الفور، على رغم أنّنا أمضينا وقتاً طويلاً نحاول إقناع البعثة الفرنسية ألا تتبع نهجاً متراخياً. وأخيراً وافق المجلس على إدانة جريمة اغتيال تويني"بأشدّ العبارات"، وقلنا على الأقل إنّه كان"وطنياً ورمزاً جريئاً من رموز الحرية والسيادة والاستقلال السياسي"للبنان، وهو ما يعني بوضوح أنّه مناهض لسورية. وفي اليوم نفسه استلمنا تقرير ميليس النهائي في شأن اغتيال الحريري وكنّا ننتظر رسالة رسمية من رئيس الوزراء اللبناني السنيورة يطلب فيها تمديد تفويض لجنة التحقيق الدولية المستقلة بحيث يمكن مواصلة التحقيق. اجتمعت بميليس في اليوم التالي، قبل أن يقدّم إطلاعه الأخير إلى المجلس، وسألته إذا كانت لديه مشكلة في توسيع تفويض لجنة التحقيق الدولية ليشمل الاغتيالات الأخرى في لبنان، فأجاب أن لا مشكلة في ذلك. لذا فوجئت، كما فوجئ دي لا سابلييه، لأنّ ميليس قدّم جواباً سلبياً عندما طُرح عليه السؤال نفسه في اجتماع المجلس. حسبت أنّ الأمانة العامة أثّرت عليه، وكلما تساءلتُ في الواقع عن قرار ميليس بترك منصبه، ازددت قناعة بأنّ انزعاجه من الأمانة العامة بقدر انزعاجه من أي شيء آخر دفعه إلى قرار العودة إلى منصبه كمدعٍ عام في برلين. لم يكن راضياً عن بطء الأمانة العامة في اختيار خلفه وكان مستعداً للقيام بكل ما هو ضروري لضمان عدم وجود أي ثغرة في التحقيق، وهو ما كان تثاقل الأمانة العامّة يهدّد بحدوثه. وكما حدث في شأن البيان الرئاسي المتعلّق باغتيال تويني، كنّا نضغط على الفرنسيين لتقوية القرار الذي نعدّه لتمديد تفويض لجنة التحقيق الدولية مدة ستة أشهر، ولكي يكون أشدّ تجاه العرقلة السورية، وأكثر صراحة في شأن توسيع تفويض لجنة التحقيق ليشمل الاغتيالات الأخرى، كما طلب السنيورة أخيراً. كان الفرنسيون حذرين جداً ويخشون أن تثير سورية ردّ فعل سلبياً في العالم العربي. ومع أنّ فرنسا برعت في نسب الفضل إليها بأنّها صديقة لبنان الكبرى، فإنّ الولاياتالمتحدة، من خلال تجربتي، هي التي كانت تضغط إلى أقصى حدّ لمصلحة الديمقراطية في لبنان. اتصل مستشار الأمن القومي الفرنسي غوردو مونتانيو بهادلي ليقنعه بعدم توسيع تفويض لجنة التحقيق الدولية ليشمل الجرائم الأخرى، وقال هادلي إنّنا سنراجع قرارنا، ما أذهلني. كان أنان أيضاً ضدّ توسيع التفويض، وهو أمر يتحدّث عن نفسه. فإذا كنّا مصيبين بأنّ سورية وراء هذه الجرائم، فإنّ توسيع التحقيق سيساعد في كشف الروابط بعرض أوجه التشابه بين الاغتيالات وكشف الأدلّة التي تنطبق على أكثر من جريمة، وبالتالي تعزيز الحجة ضدّ مساعي سورية للمحافظة على سيطرتها على لبنان. غير أنّ معضلتنا في نيويورك هي أنّنا نريد جُملاً قوية في القرار في شأن عدم تعاون سورية، وبالتالي نمهّد الأساس لعقوبات مستقبلية، لكنّنا نتقدّم بسرعة نحو انتهاء التفويض القائم للجنة التحقيق الدولية، وينبغي لنا أن نمدّده. لم يكن الوقت لمصلحتنا لأنّ قرب انتهاء التفويض يضعف موقفنا التفاوضي. ومن حسن الحظ أنّ ميليس أوضح بجلاء أنّ سورية ما كانت لتتعاون لولا القرار 1636. وأكّد أنّ سورية لا تزال تعرقل عمله. كانت فرنسا لا تزال قلقة من أنّ مشروع قرارنا قوي جداً، وكرّر غوردو مونتانيو اتصاله بهادلي لحثّه على أن نتراجع من الواضح أنّ الفرنسيين تخلّوا، لسبب ما، عن إقناعي، أو حتى إقناع باري جونز، الذي كان متماسكاً بشدّة. وقد أكّد غوردو مونتانيو أهمية إجماع مجلس الأمن، ولماذا يجب علينا بالتالي أن نجامل روسيا والصين والجزائر، وتلك عقلية أصاب إليوت أبرامز، من مجلس الأمن القومي، عندما وصفها"الاستسلام كمبدأ سامٍ". لم تكن الحكومة اللبنانية مسعفة للأسف، قائلة إنّها تريد نصاً قوياً وإجماع المجلس على السواء، وهو أمر مفهوم على رغم تعذّره. اتفقت أنا ودي لا سابلييه وجونز باري على إجراء محاولة أخيرة مع دينيزوف قبل طرح مشروع القرار على التصويت في 15 كانون الأول. وكان باعلي قد أبلغني أنّ روسيا ليست منزعجة من الضغط على سورية أو تمديد تفويض لجنة التحقيق الدولية بقدر انزعاجها لأنّها استثنيت من عملية الصياغة، وأنّها تؤكّد بذلك امتيازاتها كواحدة من الأعضاء الخمسة الدائمين، وتلك معلومة مهمّة. توصّلت أنا ودي لا سابلييه إلى أنّنا إذا أرضينا دينيزوف، فلن يثير باعلي ووانغ مزيداً من الاعتراضات. ولما رأينا أنّنا قريبين من الاتفاق، اجتمعت أنا ودي لا سابلييه ثانية بدينيزوف في الثانية عشرة والنصف بعد الظهر. تذرّع بأن ليست لديه تعليمات من موسكو، لذا اتفقنا نحن الثلاثة على الاجتماع ثانية بعد ظهر ذلك اليوم.... بعد وداع بوش إلى موكبه عند مدخل الأمانة العامة، قفلت عائداً إلى منطقة مجلس الأمن في الرابعة والنصف لأجد أن دينيزوف لا يزال يتحدّث مع موسكو على الهاتف. ومن حسن الحظ أنّه عاد في الخامسة إلا ربعاً إلى غرفة المشاورات حاملاً الموافقة، وبعد ذلك اعتمدنا بالإجماع القرار 1644، وهو يمدّد تفويض لجنة التحقيق الدولية ويخوّلها مساعدة لبنان في التحقيق في كل الاغتيالات السياسية، على رغم أنّ دينيزوف أوضح مطوّلاً مقدار استياء موسكو من ذلك. فرغنا قبيل السابعة مساء، وقد سرّ ذلك الجميع بمن فيهم الصحافيون، إذ بوسعهم الآن المسارعة لحضور حفلات عيد الميلاد.... واجتمعتُ في 10 شباط فبراير مع سيرج برامرتز، خليفة ميليس كرئيس للجنة التحقيق الدولية، في مكتب رئيس مجلس الأمن كانت الولاياتالمتحدة ترأسه في ذلك الوقت. وكان براميرتز، وهو بلجيكي، قد أثار قلقاً في بعض الدوائر بأنّه يشكّك في العمل الذي أنجزه ميليس، لكنّني استنتجت أنّه مهتم في شأن الانتقال من النشاطات التحقيقية إلى التحضير الفعلي للمحاكمة، على رغم عدم توقيف سوى عدد قليل من الأشخاص. كان براميرتز يتابع عدداً من المجالات"الجديدة"في التحقيق كإعداد ضروري لدحض ما قد يقوم به الدفاع في وقت لاحق لإقامة"الشك المعقول". وهو يتميّز بابتعاده عن الأضواء خلافاً لميليس وعدم ميله إلى التحدّث أمام الصحافة، لكنّني لم أتبين في هذه المحادثة أو المحادثات التالية أنّه أقلّ تصميماً من ميليس عن متابعة الدليل في شأن الحريري أنى قاد ذلك. بل إنّه في الواقع كان أكثر دعماً من ميليس أو مما سمح أنان لميليس بإظهاره لتوسيع التعاون بين لجنة التحقيق الدولية والتحقيقات التي تجريها الحكومة اللبنانية في الاغتيالات الأخرى للشخصيات المناهضة لسورية.... ... اتضح أنّ"حماس"ستكون مشكلة في الأممالمتحدة، كما حدث عندما خاطب"وزير خارجيتها"الجديد المجلس للمرة الأولى في 30 آذار مارس، متهماً الولاياتالمتحدة بارتكاب جرائم كبيرة ضد الشعوب العربية والإسلامية. رددت قائلاً إنّ"الافتراء المجاني طريقة سيّئة لبدء"ولايته، وربما كان ذلك ديبلوماسياً أكثر من اللزوم. وجاء مزيد من المشاكل في 11 نيسان أبريل، عندما اقترحت قطر باسم السلطة الفلسطينية والجامعة العربية إصدار بيان رئاسي شديد الانتقاد لإسرائيل بسبب هجومها الانتقامي على قطاع غزة رداً على هجوم للقسّام بالصواريخ. وضغطت قطر بشدّة لاعتماد البيان في 13 نيسان، وهو عيد الفصح اليهودي، ما يعني عدم وجود أي ديبلوماسي إسرائيلي في الأممالمتحدة. قلت إنّني لا أمانع في العمل في العطل الدينية، على رغم غياب الإسرائيليين، لكنّني أردت أن أوضح بجلاء أنّه لا يمكن لأحد في المستقبل أن يطرح العطل الدينية كعذر لعدم قيام الأممالمتحدة بشيء ما. فأنتج ذلك صمتاً مطبقاً وإرباكاً شديداً في شأن ما هي"قاعدة"الأممالمتحدة الخاصة بالعمل في العطل الدينية. وتبيّن أنّه ليس هناك أي قاعدة باستثناء من يستطيع إبراز أشدّ القلق بخصوص عدم التعطيل لتأخير شيء لا يعجبهم. كانت الولاياتالمتحدة معزولة في شكل شبه تام في أثناء بحث البيان الرئاسي، ما أقلق دي لا سابلييه من أنّ موقفنا يمكن أن يعقّد لاحقاً الطريقة التي تريد الترويكا الأوروبية اتباعها في التعامل مع برنامج الأسلحة النووية الإيراني. وبما أنّني أعتقد بأنّ الصعوبة الحقيقية في شأن إيران تكمن في ضعف موقف الترويكا الأوروبية، فإنّني لم أجد هذه الحجة مقنعة. ثار غضب القطريين فأشاروا إلى أنّ 14 عضواً في المجلس يؤيّدون النص مقابل عضو واحد، وحثّوا على اعتماده متجاهلين العرف بأنّ البيانات الرئاسية يجب أن تُعتمد بالإجماع، إلى جانب تجاهل حقّنا بالنقض. غير أنّ ما يريده العديدون هو إلقاء تبعة انهيار البيان الرئاسي على الولاياتالمتحدة، وذلك بالنسبة إليهم لا يقل أهمية عن إصدار بيان رئاسي يوبّخ إسرائيل. لذا تجنّبت الكمين بالقول إنّنا مستعدون تماماً لمواصلة المفاوضات. واستمرّ الأخذ والردّ معظم ذلك اليوم. بعد ذلك غيّر القطريون مسارهم وطالبوا بعقد جلسة مفتوحة للمجلس لمناقشة"الهجوم"الإسرائيلي، وهو ما عارضته بقولي إنّ المجلس ليس تجربة للعلاج الجماعي على رغم أنّه كذلك للعديد من أعضاء الأممالمتحدة. وبما أنّ ذلك طلب إجرائي، لم يكن بوسعنا نقضه، وحُدّد موعد الجلسة العلنية يوم الاثنين في 17 نيسان. في الوقت نفسه، اقترحنا إصدار بيان صحافي يدين هجوماً إرهابياً آخر في تل أبيب، وهو ما حاول القطريون تحويله إلى نقاش عام لبحث الخطأ القائم في الشرق الأوسط يعني إسرائيل إلى حد كبير. أبلغت الموظفين في البعثة الأميركية ثانية أنّنا إذا لم نستطع الحصول على البيان الصحافي المناسب في شأن الهجوم الإرهابي، فسأكون راضياً عن عدم صدور أي بيان. وتساءلت في الواقع إذا كان يجب أن نبذل أي جهد في المستقبل على مثل هذه الممارسات، نظراً الى أنّ المجلس لم يكن مستعداً في الظاهر أو غير قادر على التعامل مع الواقع بدلاً من الدعاية. فإذا كان المجلس مصمّماً على الابتعاد عن التعامل مع قضايا الشرق الأوسط، فليكن ذلك. والنتيجة: لا بيان رئاسياً في شأن غزة، ولا بيان صحافياً في شأن تل أبيب."لم يعبّر المجلس عن نفسه"واستمرّ العالم وسط دهشة بعضهم. في 19 نيسان، صدر آخر تقرير لرود لارسن في شأن القرار 1559، وكان مهماً جداً لأنّه لم يذكر تحديداً دور سورية السلبي في لبنان فحسب، وإنما دور إيران أيضاً. ثار غضب الإيرانيين بالطبع. أوضح لي رود لارسن بالتفصيل كيف عمل لمنع أنان من حذف تلك الإشارتين من مسوّدته، وهو ما لم يدهشني البتة. وبعد أن حصلت على بيان رئاسي على آخر تقرير لرود لارسن، فإنّني ضغطت هذه المرة بشدّة للحصول على قرار، وهو ما وافق الفرنسيون عليه. لكنّهم للأسف لم يكونوا يريدون انتقاد"حزب الله"أو إيران بالاسم، وذلك جزء من متلازمة"نحن لا نفشل قط في نيويورك"التي تقضي بعدم طلب أكثر مما تستطيع الحصول عليه بالتأكيد. والأسوأ من ذلك أنّ رئيس الوزراء اللبناني، فؤاد السنيورة، كان يلحّ علينا لعدم ذكر"حزب الله"أو إيران، ما يظهر هشاشة موقفه. توافقت مع دي لا سابلييه على عبارة تنبّه"الدول والأطراف الأخرى المعنية"، وهي مثال نموذجي مؤسف عن تعابير الأممالمتحدة، لكن يمكننا القول إنّه يوضح بأن سورية وإيران و?"حزب الله"هم المعنيون. غير أنّه تبيّن أنّ النزاع الحقيقي مع الآخرين في المجلس هو سعينا إلى الضغط على سورية لكي تتبادل التمثيل الديبلوماسي الكامل مع لبنان وترسيم الحدود بينهما، وهما خطوتان قد لا تبدوان مهمتين، لكنّهما تتصلان بالمسألة الجوهرية، وتحديداً إقرار سورية بأنّ لبنان دولة مستقلة في الواقع. فقد شعر بعض الأعضاء بأنّنا نتدخّل في العلاقات الثنائية، لذا أجرينا تعديلات ثانوية على النص لإرضائهم، من دون الانتقاص من الهدف الأساسي بالضغط على سورية. تمكنا من عزل روسيا والصين بالتأكيد، ما جعل الصين مستاءة على وجه الخصوص، بعد أن ضغطنا عليهما في قرار العقوبات على السودان. ظننت أنّ بوسعنا إقناعهما، لكن قال لي تشوركين،"لا أستطيع أن أخرج أرنباً من تحت قبعتي في يومين متتاليين". وبالتالي اعتُمد القرار 1680 في 17 أيار مايو بتصويت 13-0 - 2، حيث امتنعت روسيا والصين عن التصويت لحماية سورية. وكان الأهم من ذلك صدور القرار 1686 الذي يمدّد تفويض لجنة التحقيق الدولية ستة أشهر أخرى، ما يظهر أنّ روسيا والصين لا تزالان معنا في هذا الصدد. توتّر الوضع في غزة بعد أن خطف الفلسطينيون جندياً إسرائيلياً وأخذوه رهينة، ما أثار ردّاً انتقامياً إسرائيلياً واجتماع مجلس الأمن الحتمي في 30 حزيران يونيو. شدّدت على أنّ أسرع طريقة لإنهاء الأزمة هي إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي، لكن بدا هذا النهج غير معقول في الأممالمتحدة. أوضحت أيضاً أنّ صدقية مجلس الأمن محدودة وأنّ علينا ألا"نقدّم الدليل للذين يقولون إنّ لا عمل له سوى الكلام". فيما كنت مغادراً، أراني دي لا سابلييه، وهو رسّام تخطيطي هاوٍ، رسماً وضعه في أثناء النقاش لوزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني وهي تقول:"نعم لجون للرئاسة"، لكنّه لم يُعطنيها. أظهرت إسرائيل أنّها تعتقد بأنّ"حماس"مسؤولة عن الخطف في 1 تموز يوليو بقصف مكاتب رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، إسماعيل هنية، وهو من"حماس". ولم يكن من المفاجئ أن يقرّر الفلسطينيون لَيّ الأمور في نيويورك بالضغط لكي يُصدر المجلس قراراً يدين إسرائيل. وفيما كنت أتأمّل كيف نردّ، وأفكّر في الصعوبات اللانهائية التي تعترض التوصّل إلى بيانات رئاسية"عادلة"أو حتى دقيقة، استنتجت أنّ ذلك قد يكون محور وقف المفاوضات غير المثمرة والمحبطة التي شاركنا فيها في أثناء هذه الممارسات. أولاً، لم أكن واثقاً البتة من أنّ بوسع قطر والسلطة الفلسطينية وحلفائهما في الجامعة العربية حشد الأصوات الإيجابية التسعة التي يحتاجون إليها لتمرير القرار، نظراً الى قيام"حماس"بالخطف في البداية. ثانياً، لم أجد أي جدوى لعمل الولاياتالمتحدة المكثّف لتقليل قابلية الاعتراض على القرار، وبالتالي تسهيل دعمه على بعض"أصدقائنا"، وربما الوصول بالتالي إلى الأصوات التسعة اللازمة لتمريره وجعلنا نبدو غير عقلانيين عندما ننقضه. ثالثاً، الفيتو الحادّ والسريع قد يساعد في تغيير المناخ في الأممالمتحدة، ما يوضح أنّنا غير راضين عن ممارسة الألاعيب القديمة نفسها. أياً كان ما يخطّط له العرب، فإنّهم لا يُقدمون على تنفيذه بسرعة. قال دان غيلرمان إنّ هناك أخباراً في الصحافة العربية في ذلك اليوم تنتقد المندوبين الدائمين العرب في نيويورك، وتقول إنّني أرهبهم، وأنّ على الجامعة العربية أن تصلّب مواقفهم، لذا لم أكن أتوقّع أن يستمرّ الصمت طويلاً. وفي وقت متأخّر من يوم الأربعاء في 5 تموز، وزّعت قطر أخيراً مشروع قرار متطرّفاً جداً بحيث وصفه أحد الموظفين في البعثة الأميركية في الأممالمتحدة"طريقة العرب في تلاوة السلام عليك يا مريم. كان ذلك ما أحتاج إليه، لذا أوضحت لغيلرمان أنّنا لا ننوي المساومة لجعل مشروع القرار"أكثر توازناً"، على رغم أنّ كلينا لم يكن يشكّ كثيراً بأنّ الأوروبيين يحومون حول الطعم ليكونوا"مسعفين"و?"تضيق الاختلافات". كان مثل هذا المسعى يجري في مجلس حقوق الإنسان"الجديد المحسّن"في جنيف، حيث فرضت القوى المعادية لإسرائيل عقد"جلسة خاصة"وكانت تضغط لإصدار قرار حرج آخر. وقد أُقرّ بتأييد تسعة وعشرين صوتاً ومعارضة أحد عشر، وقد صوّتت المجموعة الغربية بأكملها ضدّه باستثناء سويسرا، التي امتنعت عن التصويت في شكل مثير للاشمئزاز. وامتنعت خمسة بلدان أخرى عن التصويت أيضاً، بينها المكسيك وكوريا الجنوبية للأسف. كان ذلك سلوكاً معهوداً عن لجنة حقوق الإنسان السابقة، وقد أكّد لي المشاركون أن ليس بوسعك التمييز البتة بين مجلس حقوق الإنسان الجديد وما كان يحدث في لجنة حقوق الإنسان. كان ذلك ما توقّعته بالضبط، ولماذا حاججت بقوّة ضدّ عمليات التجميل. لم يرتدع الأوروبيون من الإحراج الذي أصابهم في جنيف، فتابعوا بفرح التفاوض على مشروع قرار قطر، وتوصلوا إلى أنّه غير معقول جداً بدلاً من غير معقول في شكل متهوّر. في تلك المرحلة، كنت صراحة مهتماً أكثر بالردّ على قيام كوريا الشمالية بإطلاق الصواريخ، عندما هاجم"حزب الله"عبر الخط الأزرق داخل إسرائيل وخطف جنديين وقتل ثلاثة، وأطلق العديد من الصواريخ على إسرائيل، مستهدفاً المستوطنات المدنية. ردّ الجيش الإسرائيلي بقوة شديدة. أبلغني دي لا سابلييه أنّ رايس كانت في باريس من أجل اجتماع الخمسة الدائمين واجتماعات وزراء مجموعة البلدان الثمانية وافقت على الفصل بين عمليتي الخطف اللتين نفذهما"حزب الله"و?"حماس"، فأملت ألا يكون ذلك صحيحاً، نظراً للتوقيت. كان ردّ فعل أنان إرسال بعثة للأمانة العامة إلى المنطقة، وهي لن تحقّق سوى القليل إلى أن يصبح الأطراف مستعدين لوقف القتال، ما سيبقي الأممالمتحدة تحت الأضواء الكاشفة وإنتاج دعاية سلبية، نظراً الى تغلغل الانحياز المعادي لإسرائيل في الأمانة العامة. وما لم يكن مسعفاً أنّ الفرنسيين بدأوا يوزّعون مشروع بيان رئاسي يرحّب بخطوة أنان. ضغط القطريون للتصويت على مشروع قرارهم يوم الخميس في 13 تموز. كان ردّ رايس الأولي أن نتبيّن إذا كان بوسعنا التأخير إلى ما بعد التصويت على إطلاق الصواريخ الكورية الشمالية، لكن لم أكن أعتقد بأنّ نقض قرار غزة سيكون له أي تأثير على قرار كوريا الشمالية. بعد ظهر يوم الخميس، جمع دي لا سابلييه المجلس كانت فرنسا رئيسة المجلس للتصويت على قرار قطر الذي فشل بتصويت 10 1 4 رفضت الولاياتالمتحدة القرار ونقضته، وامتنعت الدنمارك وبيرو وسلوفاكيا والمملكة المتحدة. كان ذلك أول فيتو لي، وكنت سعيداً جداً لاستخدامه ضدّ مشروع القرار القطري السيئ. وألقيت أيضاً كلمة قوية ضمّت جملة كنت أريد أن أقولها منذ زمن، وفي هذه الحالة كانت موجّهة إلى ألفارو دي سوتو، المسؤول في الأمانة العامة المعروف بمعاداته للسياسة الأميركية ويعمل الآن في شؤون الشرق الأوسط:"إنّ سياسات الأممالمتحدة تقرّرها الحكومات الأعضاء، لا مسؤولو الأمانة العامة، أياً كانت آراؤهم الشخصية". وألقى غيلرمان كلمة جيدة جداً، وصف فيها"الإرهاب"بأنّه"القوة المحتلة"في الشرق الأوسط، لا إسرائيل. في اليوم التالي، الجمعة، وافق المجلس على حتمية بعثة أنان إلى الشرق الأوسط. وقد تكوّنت البعثة من فيجاي نامبيار من الهند، وهو لا يعرف الكثير عن المنطقة، وممثّلين خاصين حاليين للأمين العام، تيري رود لارسن في شأن القرار 1559 ودي سوتو للمنطقة على العموم. فبعث لي أبرامز برسالة إلكترونية،"ستحتل هذه الزيارة المركز الأول في التنافس على"الرحلة الأكثر عقماً لهذا العام"، رفضت سورية السماح لرود لارسن بدخول أراضيها، ورددتُ بأنّه إذا لم يذهب رود لارسن، يجب ألا يذهب أحد منهم. كان أنان يريد الانحناء أمام سورية، لكنّنا منعنا هذا العمل الذي تقلّل فيه الأممالمتحدة من شأنها. وغادرت البعثة، لكنّها لم تتوجّه إلى سورية. في غضون ذلك، كان الجيش الإسرائيلي"يقوم بشيء"لا مفرّ منه في لبنان، على رغم عدم اتضاح أهدافه الدقيقة. ومن الأخبار المقلقة ما أفاد به أبرامز بأنّ إسرائيل تفكّر في من سيملأ الفراغ الأمني في جنوبلبنان بعد توقّف الأعمال العدائية، إلى أن تتمكّن القوى المسلّحة اللبنانية من تحمّل عبء ذلك. كان طرح ذلك السؤال بعد شنّ العمل العسكري غريباً، ويشير بقوة إلى أنّ إسرائيل لا تعتزم البقاء في لبنان طويلاً بعد تحقيق مهمّتها، أياً تكن. وكان ذلك التشوّش يصبّ في مصلحة الآخرين، مثل أنان، الذين يريدون قوة دولية جديدة، لكن مختلفة جداً عما يجول في ذهن إسرائيل. فقوة الأممالمتحدة الموقتة في لبنان اليونيفيل موجودة هناك منذ عام 1978، ولم تملأ"الفراغ الأمني"الذي كان يملأه"حزب الله"لمصلحته. وكانت قواعد اشتباك اليونيفيل محدودة كما هو معهود عن عمليات الأممالمتحدة لحفظ السلام، ولا تسمح باستخدام القوة إلا للدفاع عن النفس. ونتيجة لذلك، لم تفعل الكثير لمساعدة الحكومة اللبنانية في استعادة سيادتها في جنوبلبنان، كما نصّ القرار 425 لعام 1978، على رغم أنّ إسرائيل سحبت كل قواتها في عام 2000. لم يكن هناك أي فرصة لكي يبدأ أنان والأمانة العامة بالتفكير في نوع القوة العضلية اللازمة وفقاً للمفهوم الإسرائيلي، ومع ذلك فقد استخدم أنان من دون ذكر قادة مجموعة الثماني في سان بيترسبيرغ في 16 تموز كلمات مماثلة جداً لتلك التي استخدمتها إسرائيل. وكان ذلك وصفة للالتباس، ومن ثم المشاكل. والأسوأ من ذلك أنّ إدخال قوة أمنية ما بسرعة، سواء كانت التي يريدها أنان أم تريدها إسرائيل، يتطلّب وقفاً لإطلاق النار من دون شك، ومن الواضح أنّ إسرائيل لا تريد ذلك. في تلك الأثناء، أطلعت الأمانة العامة مجلس الأمن على الوضع كما لو أنّ هدف إسرائيل القضاء على اليونيفيل بدلاً من"حزب الله". لم يكن الانحياز مسعفاً حتماً، لأنّ العديد من الأعضاء غير الدائمين يؤيّدون بقوة أن"يبدي المجلس رأيه"، والأخطار المحدقة باليونيفيل تتيح فرصة كبيرة لهذا التعبير، على رغم أنّ مبادرة"حزب الله"إلى الهجوم هي السبب الحقيقي للخطر على اليونيفيل، لا ممارسة إسرائيل حقها في الدفاع عن نفسها. بل إنّ مندوب اليونان قال صراحة إنّ إبداء الرأي مهم"لرفع الضغط عن المجلس"، وتلك بالتأكيد طريقة محرجة للنظر إلى العالم. كانت فرنسا، باعتبارها رئيسة للمجلس، تضغط"للقيام بشيء ما"، على رغم أنّ ذلك يتعارض في شكل مباشر مع تعليق الرئيس شيراك في سان بيترسبيرغ بأنّ"إسرائيل تحتاج إلى وقت لتسحق حزب الله". بدا ذلك شيئاً يمكن أن يصدر عن الرئيس بوش، وهو محقّ. فقال أبرامز،"إنّ هذا يمثّل مستوى جديداً من النفاق بالنسبة إلى فرنسا"، لكن اعترف كلانا بأنّ بيروقراطية وزارة الخارجية كانت تحرّض أيضاً على"عمل شيء"، وخشينا أن تنتقل العدوى إلى رايس. لم يكن موقف فرنسا مساعداً عندما وافقت على طلب أنان"إطلاع"مجلس الأمن في جلسة علنية يوم الخميس في 20 تموز. كان من الصعب بالطبع مقاومة طلب الأمين العام إجراء مثل هذا الإطلاع، لكنّ لذلك علاقة بالضغط علناً على الولاياتالمتحدة أكثر من أي رغبة في نقل المعلومات الذي يمكن إنجازه بسهولة مماثلة وكفاءة أعلى في جلسة مغلقة. كما كان من المقرّر أن يقوم فريق أنان الثلاثي الذي عاد من المنطقة بإطلاع المجلس علناً يوم الجمعة، لكن أنان لم يشأ الانتظار طويلاً. دعا أنان، كما هو منتظر، إلى"وقف فوري للأعمال العدائية"، وذلك موجّه ضدّ إسرائيل بالطبع. وقد أوضحت البيانات الأميركية المتكرّرة أنّنا غير مهتمّين في وقف آخر لإطلاق النار في الشرق الأوسط يعيد الأوضاع ببساطة إلى ما كانت عليه من قبل، كنّا نريد إحراز تقدّم حقيقي في المنطقة ونريد أن يكون دائماً هذه المرة. غير أنّ الأممالمتحدة كانت تريد وقف إطلاق النار، وليست لديها ثقافة الحلول الطويلة الأمد. إذا كانت الولاياتالمتحدة ترفض وقفاً لإطلاق النار، فماذا عن"وقف الأعمال العدائية"الذي حاول أنان تصويره بأنّه شيء مختلف، ولم نكن مقتنعين به في تلك المرحلة على الأقل. وخلص أنان إلى أنّ"على مجلس الأمن أن يتحدّث بصوت واحد في الأيام القادمة"، وتلك إشارة غير مستورة جيداً إلينا باعتبارنا أكبر صديق لإسرائيل في المجلس. رددت أمام الصحافة في أعقاب الاجتماع متسائلاً كيف يمكن أن توقف دولة ديموقراطية مثل إسرائيل إطلاق النار مع مجموعة نعتبرها إرهابية. ولم يجب أنان عن ذلك السؤال قط. في المشاورات التي أُجريت بعد ملاحظات أنان العلنية، دعا كل المتحدّثين في المجلس تقريباً إلى وقف إطلاق النار وانتقدوا"استخدام القوة غير المتناسب"من قبل الجيش الإسرائيلي، وتلك طريقة أخرى مفضّلة لمهاجمة إسرائيل. كانت الحجة أنّ"حزب الله"خطف وقتل بضعة جنود إسرائيليين"فقط"، وأنّ الردّ الإسرائيلي جاء"مفرطاً". وقد سألتُ الصحافة لاحقاً إذا كان يجب أن يكون ردّ إسرائيل محدوداً بقتل وخطف عدد مساوٍ من أفراد"حزب الله"، أو إذا كان يجب أن يتوقّف ردّ أميركا على بيرل هاربر بعد إيقاع عدد من الإصابات في اليابان مساوٍ لما أصابنا في 7 كانون الأول. إنّ مقولة"استخدام القوة غير المتناسبة"هراء وتغفل عن أنّ التهديد الذي تردّ عليه إسرائيل دفاعاً عن النفس هو وجود"حزب الله"بحدّ ذاته، لا الحادثة المباشرة التي حفزت على ممارسة هذا الحقّ. كنت أدرك تماماً أنّ إسرائيل تُستخدم بمثابة هدف بديل من الولاياتالمتحدة، في حين أنّ الاستخدام"غير المتناسب"للقوة هو الطريقة التي ندير فيها الحرب، عندما نُجبر على استخدام القوة، مفضّلين الحسم السريع بدلاً من السماح بالانسياق إلى الاستنزاف. وصلت رايس إلى نيويورك مساء الخميس لتتسلّم تقريراً من بعثة أنان إلى الشرق الأوسط بقيادة نامبيار في والدورف يوم الجمعة في 12 تموز يوليو، قبل أن يطلعوا مجلس الأمن بكامل أعضائه. تحدّثت مسبقاً إلى أبرامز في واشنطن وقلت إنّني قلق في شأن الانفعال الذي يسود الخارجية. وأجاب أبرامز،"أستطيع أن أبلغك بوضوح أنّ بوش غير منفعل". كان ذلك مهماً لأنّ مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدني ديفيد ولش اتصل يوم الخميس بالسفير الإسرائيلي في واشنطن داني أيالون ليطلب على نحو"شبه هستيري"إدخال الإغاثة الإنسانية إلى لبنان قبل يوم الجمعة. دعتني رايس إلى جناحها في الثامنة والربع صباحاً لتقول إنّها تريد قوة غير تابعة للأمم المتحدة لتملأ"الفراغ الأمني"في لبنان عندما تنسحب إسرائيل، على أن يتولّى القيادة أكبر بلد مساهم بالقوات، ورأت أن ذلك يمكن أن يكون فرنسا أو تركيا أو إيطاليا. لكن مما يؤسف له عدم وجود فهم حقيقي لكيفية نشر هذه القوة أو متى، أو ما هي علاقتها بوقف إطلاق النار الذي يطالب به الجميع. وقالت رايس إنّ كل هذه القضايا ستبحث يوم الخميس المقبل في روما، بعد أن تزور الشرق الأوسط يوم الأحد. ولكي أوضح أنّنا نقف على أرض غير صلبة، أعطيت رايس رسماً كاريكاتورياً من جريدة"يو إس إيه توداي"يظهر قطتين،"حزب الله"و"إسرائيل"تنشب كل منهما أظافرها في الأخرى، فيما يدخل كلب بودل متبختراً يحمل اسم"الأممالمتحدة". وظهر تحته التعليق الآتي:"في المستنقعات الرخوة". فابتسمت. بدأ نامبيار ودي سوتو ورود لارسن إطلاعهم في الثامنة والنصف صباحاً في الجناح 35H ، مكان الاجتماع المعتاد في زيارات وزيرة الخارجية، وعرضوا خطتهم لوقف الأعمال العدائية. وكان نامبيار يعتزم نقل المعلومات نفسها تقريباً إلى مجلس الأمن بأكمله في العاشرة صباحاً. بدت لنا تلك الفكرة سيّئة، لأنّ وصف خطة الأممالمتحدة التي تفصّل ما توقّعه أنان في اليوم السابق، لن يساعد رايس عندما تتوجّه إلى المنطقة. التقط رود لارسن المراد واقترح أن يعيد ثلاثي الأممالمتحدة صياغة ما يعتزمون قوله. وهكذا أدى إطلاع رايس الموجز غرضاً مفيداً رغماً عنه. توجّهت رايس بعد ذلك عائدة إلى واشنطن، وكان آخر ما قالته لي عن مجلس الأمن،"دعهم يتحدّثون من دون أن يفعلوا أي شيء"، وهو ما بدا لي صائباً. تأجّل اجتماع المجلس إلى الحادية عشرة، لكنه لم يجتمع قبل الساعة 11:25 صباحاً لأنّنا انتظرنا قدوم وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية يان إيغلند. ويبدو أنّ إيغلند، وهو نروجي من أصحاب المبادئ الأخلاقية السامية الذين ينتقدون الولاياتالمتحدة بصورة تلقائية على استجاباتها"غير الكافية"للمآسي الإنسانية، كان مشغولاً جداً فلم يأتِ في الوقت المحدّد على رغم العديد من الاتصالات بمكتبه. كانت قاعة المجلس مملوءة كما هي العادة في قسم الوفود والقسم العام. قدّم نامبيار الإطلاع الشهري المنتظم عن الشرق الأوسط وخلاصة عن رحلته، فكانت نسخة باهتة عما قاله أنان في اليوم السابق، على رغم أنّه دعا أيضاً إلى وقف الأعمال العدائية"في شكل عاجل". وأعلن إيغلند، بطريقته المعهودة التي تظهر أهميته الذاتية، أنّه يتحدّث"باسم العاملين الإنسانيين في منظومة الأممالمتحدة"وليس لأنّ أحداً طلب منه ذلك. وألقى تبعة كل شيء تقريباً على إسرائيل. وتلقّى غيلرمان الكثير من الضربات من الصورة الكئيبة للوضع الإنساني في لبنان كما رسمها إيغلند، ومن الدعوات إلى وقف إطلاق النار، بقوله إنّ إسرائيل ستدعم"الممرّات الإنسانية"التي يمكن أن تُنقل عبرها مواد الإغاثة بسلام. ومن حسن الحظّ بعد هذا الاجتماع أنّ زيارة رايس إلى الشرق الأوسط جمّدت نشاطات المجلس بضعة أيام على الأقل. يصدر الكتاب مطلع الشهر المقبل عن دار الكتاب العربي في بيروت * غداً حلقة أخيرة