كثيرة هي التصرفات والحركات أو التقليعات، التي تعتبر صبيانية ومستحدثة، أو بمعنى آخر"غربية"، بالتالي مستهجنة بالنسبة الى الكبار، الذين لا يتوانون عن إظهار بعض علامات التعجب عند ملاحظتهم لها. الموبايل مثلاً، والذي يعتبر انتشاره في بلد ما علامة على تقدمه في التعامل مع التكنولوجيات الحديثة، هو" تقليعة"أو"بدعة"عند الرجل الستيني سي محمد، ومع كل ما شاهده خلال حياته لم يقتنع بضرورة أن يحمل الإنسان هاتفا محمولا، أو كما يسمونه في تونس"برتابل"مشتقاً من الفرنسية PORTABLE. في إحدى الجلسات مع سي محمد لم يستطع أن يخفي امتعاضه بعد أن رنَّ هاتفاً نقالاً، مع أحد الأشخاص، بالتالي لم يستطع أن يمسك لسانه عن المضي قدماً بانتقاد حامل ال?"برتابل"، ومن ثم رنته، وهو لم يكتف بهذا، بل انتقل من موضوع إلى آخر، معدداً الأمور التي يعتبرها زائدة على الإنسان، و?"وجودها كعدمه". "ما الفائدة من الموبايل؟"تساءل، ولم يعط المجال ليجيبه أحد، فهو بالنسبة اليه أمر زائد عن حاجة الإنسان، فما معنى أن تجيب على الهاتف أينما كنت؟ هذا الأمر سيجعلك هدفاً سهلاً للجميع على حد تعبيره وهو ما سيعكر مزاجك في بعض المواقف. فأنت لا تستطيع الا ان تجيب، ولا تستطيع أن ترد على الرسائل القصيرة، وإلا فستكون محرجاً مع البعض. رنة ال?"برتابل"كانت ضمن ما علق عليه الرجل الستيني، كلمات وألحان من الزمن الجميل لم تمنعه من إلقاء مداخلة حول أغاني"هاليومين"، التي تخلو من اللحن والكلمات، وهو أمر لم يستطع أحد الشباب الجالسين أن يناقشه فيه، فنقاش"الختايرة"لا يختلف عن النقاش البيزنطي، وربما هذا لم يعجبه، والشعور بأنه محق حلق به بعيداً ليبدأ بانتقاد بعض المغنين الذين يغنون أغاني"تساعد على انتشارهم وزيادة شعبيتهم"، وما يزيدها هو وجود من يسمعهم. أحمد - وهو مهندس متخصص في ميكانيك الطائرات، عمل في مطار تونس سنوات طويلة، عقب على الرجل الستيني قائلاً:"ربما يكون ما قاله صحيحاً، إلا أنه لا يجب خلط الصالح بالطالح، فوجود هذا النوع من الغناء والأغاني لا يعني انعدام وجود بعض من ما زالوا يحافظون على الحد الأدنى من الجودة هذا إن أردنا مجاراة صاحبنا". وزاد عليه حبيب العوضي بقوله أن وجود هذه الشريحة من الشباب التي تسمع هذه الأغاني، لا ينفي وجود شريحة موازية ما زالت تستمع لأغاني الزمن الجميل، أي لعبد الحليم حافظ وأم كلثوم وعبدالوهاب ووردة، وطبعاً فيروز، بل إن معظم المقاهي"الشبابية"لا تتردد برفع صوت الموسيقى صباحاً بأغاني الرحابنة وشدو فيروز،"والاستماع الى هذه الأغاني بأصوات بعض المغنين الجدد أمثال فضل شاكر وإليسا، وحتى نانسي عجرم، التي أبدعت بغنائها أغنية"مستنياك"، لا يعني أننا انقطعنا مع الأصالة والطرب، بل لأن هذا الزمن بات فعلاً زمن الوجبات السريعة، وهذه ليس صفة سيئة، بل إنها مسألة طبيعية، ونتاج عصر السرعة لذا لا عيب بالاستماع الى مقطع من أغنية لأم كلثوم أو لعبد الحليم، بصوت جورج وسوف أو غيره ممن أبدعوا بغناء تلك الأغاني. النقاش هو بعض تجليات مشكلة التواصل بين جيل الشباب وجيل الشيوخ، جيل الماضي الرومانسي الهادئ، وجيل المتاعب السريع والصاخب.