لا مشهد غروب الشمس او منظر مضيق البوسفور حيث تتقارب القارتان الأوروبية والآسيوية يشيعان البهجة في قلوب سكان اسطنبول في نيسانأبريل. وحدها ازهار التوليب تسحر الأتراك. ومع تفتح زهرة توليب لكل فرد تقريباً من سكان هذه المدينة التركية التي يسكنها 12 مليون نسمة، تأمل اسطنبول بأن يتذكر العالم ان تركيا هي الموطن الأصلي لهذه الزهرة. يقول رئيس بلدية اسطنبول قادر طوباش :"كانت اسطنبول مدينة بلا ازهار، اليوم عادت ازهار التوليب، والمواطنون سعداء جداً بها". وجاءت أزهار التوليب من شرق تركيا وسهول آسيا الوسطى وزرعها العثمانيون ونقلوها الى اسطنبول عاصمة امبراطوريتهم، وكانت تزين قصور السلطان وحدائق الصفوة. وكلمة توليب مأخوذة من كلمة"تولبنت"وهي تشير الى عمامة السلطان التي تشبه زهرة التوليب شكلاً. وفي القرن الثامن عشر اندلعت انتفاضة غاضبة أتت على كل حدائق التوليب، فاختفت الزهرة من المدينة الى حد كبير منذ ذلك الحين. واليوم تنتشر أزهار التوليب في ساحل بحر مرمرة وتبدو ظاهرة للعيان وسط الازدحام المروري الذي تشتهر به اسطنبول وتحيط بألوانها الزاهية الأماكن السياحية الشهيرة في المدينة. والى جانب حملة زراعة البراعم ومهرجان لأزهار التوليب يستمر تسعة ايام ومعرض لصور أجمل مئة زهرة توليب في أكثر ميادين المدينة ازدحاماً، يأمل مجلس بلدية اسطنبول بأن تتحول زراعة التوليب الى صناعة. ويقول طوباش: "في هولندا صناعة توليب قوية ، ولكن أتمنى أن نصبح يوماً دولة مصدرة لهذه الزهرة". ويعمل في صناعة التوليب الناشئة في اسطنبول بين خمسة وعشرة آلاف شخص، ويعتقد طوباش أن عدد فرص العمل التي توفرها الصناعة قد يصل يوماً ما الى 230 ألف وظيفة في المدينة والمنطقة المحيطة بها اذ بلغت نسبة البطالة 11.2 في المئة عام 2006. ونقلت أول ازهار التوليب الى أوروبا بما في ذلك هولندا في الخمسينات من القرن السادس عشر من طريق سفير لدى الأمبراطورية العثمانية. ويروى ان هولندياً لم يتعرف على هدية من براعم التوليب فقلاها وأكلها مثل البصلة. وفي غضون عقود قليلة توغلت حمى التوليب وكادت ان تمسك بخناق الاقتصاد الهولندي فيما أخذ التجار يدفعون أسعاراً مبالغاً فيها لشراء البراعم. وكانت أزهار التوليب مصدر إلهام للفنانين والحرفيين العثمانيين. ورسمت الأزهار الحمر الطويلة ذات الحروف المدببة على الخزف الأزرق والسجاد. ولم ينصع العثمانيون للإعجاب الأوروبي الشديد بالزهرة، لكن البير أورتايلي مدير قصر طوبقابي في اسطنبول الذي حكم منه السلاطين امبراطوريتهم التي امتدت من البلقان حتى مصر يقول :"ثمة تعاطف كبيرمع هذا الولع". ويضيف:"زهرة التوليب جديرة بكل أنواع الجنون لأنها جذابة جداً، حتى أنني أحياناً أشتري المئات منها وأحملها الى المنزل".