جاءت تهديدات قادة من حركة "حماس" بتكرار اجتياح الحدود بين مصر وقطاع غزة بالتزامن مع تعثر جهود التهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي تتوسط فيها مصر، لتزيد من احتمالات حدوث"انفجار"في القطاع المحاصر منذ أن سيطرت"حماس"عليه في منتصف حزيران يونيو من عام 2006، وسط الحديث عن حرب جديدة ستشهدها المنطقة. إلا أن القاهرة تنظر الى هذه التصريحات نظرة مختلفة عن ما جرى في 23 كانون الثاني يناير الماضي حين تدفق مئات الآلاف من الغزيين على مدن شمال سيناء على مدار ثمانية أيام للتزود بحاجاتهم من الغذاء والدواء والوقود، إذ أمر الرئيس حسني مبارك، في حينه، بتمكين الفلسطينيين من دخول الأراضي المصرية وعدم اعتراضهم، وحملت القاهرة إسرائيل المسؤولية عن ما جرى بسبب سياسة"الحصار المطبق"التي تتبعها مع القطاع منذ سيطرة"حماس"عليه وإغلاق معبر رفح. وأثارت تهديدات قادة حركتي"حماس"وپ"الجهاد"التي حذروا فيها من"انفجار وشيك غير مسبوق"في اتجاه مصر إذا استمر الحصار، استياء بالغاً في القاهرة التي ردت عليها سريعاً وبلهجة حاسمة. وما بين الواقعة الأولى والتهديد بتكرارها يمكن رصد التحول الذي طرأ في تعامل القاهرة مع هذه الأزمة التي فرضت نفسها عليها بحكم الأمر الواقع. فإذا كانت مصر حملت إسرائيل مسؤولية تدفق مئات الآلاف من الغزيين في اتجاه مصر في كانون الثاني الماضي بسبب حصارها للقطاع، فهي ترى أن"حماس"تتحمل مسؤولية الأمر إذا ما تكرر، لسببين، أولهما أن الحركة هي المسيطرة على القطاع والقاهرة أبلغتها أنه يجب التمييز بين أمر المعابر وحرمة الحدود، وأكدت أنها لن تسمح بتكرار اقتحامها. كما أن مصر سعت، ولا تزال، من أجل كسر الحصار عن قطاع غزة وتؤكد لإسرائيل عدم جدواه، وفي هذا الإطار تدخلت بين الجانبين إسرائيل وپ"حماس" من أجل تحقيق تهدئة تضمن تشغيل المعابر ومنها معبر رفح، وطلبت من"حماس"التجاوب مع جهود التهدئة من أجل حل الأزمة في غزة. أما السبب الثاني، فهو أن ضغوط مصر على إسرائيل من أجل فتح المعابر التي تربطها بالقطاع أتت ببعض من الفائدة، فحصار القطاع خلال الشهرين الماضيين، وإن استمر، فإنه لم يكن مطبقاً، فمنذ بداية العام وحتى يوم 9/4/2008 دخل الى القطاع من معبر كرم أبو سالم 3146 طناً من مواد وأغذية و3 أطنان أدوية و18 مولداً كهربائياً، وبعد اجتياح الحدود ضغطت مصر على إسرائيل من أجل إدخال مزيد من المؤن للقطاع ومنذ أول شباط فبراير حتى آذار مارس دخل منها للقطاع 20630 طناً قمحاً و5816 طناً دقيقاً و2384 طناً من الرز و6410 أطنان من السكر و384 طناً أدوية ومواد أخرى. فضلاً عن أن معبر رفح فتح لدخول المرضى الفلسطينيين الأراضي المصرية وعودتهم إلى القطاع أكثر من مرة خلال الشهرين الماضيين. وكانت القاهرة تتوقع تجاوب"حماس"مع جهودها لتحقيق التهدئة لحل أزمتها في غزة، إلا أنها فوجئت بتصعيد الحركة في اتجاه مصر عبر تهديدات وحملة إعلامية ضدها وأيضاً تظاهرات أمام مقر سفارتها في غزة، وجاءت عملية معبر نحال عوز لتزيد الموقف تعقيداً، خصوصاً أنه المعبر المخصص لتزويد غزة بالوقود ما ينذر بتفاقم الأزمة الإنسانية هناك، فضلاً عن تزامن هذه التهديدات مع"مشاكل داخلية في مصر"ما عزز من اعتقاد القاهرة بأن هناك أطرافاً إقليميين وفلسطينيين يسعون الى تحقيق"أهداف سياسية"مستغلة معاناة إنسانية. ويرى مسؤولون مصريون أن"حماس تحاول تصدير أزمتها في قطاع غزة إلى مصر، عبر التحريض على اجتياح الحدود الذي يعقد المشكلة ولا يحلها"، ويقولون:"حماس تعلم أن لا مجال لكسر الحصار عن قطاع غزة إلا بعودة السلطة الفلسطينية إليه، وهي غير راغبة في ذلك ومن ثم تصدر مشاكل إدارتها للقطاع إلى خارج حدوده، وهي لن تحرض الفلسطينيين على الانفجار في اتجاه إسرائيل لأنها تعرف النتيجة سلفاً". ويلحظ المصريون أن الأمور في قطاع غزة ظلت هادئة طوال عقد القمة العربية في دمشق وبعدها مباشرة وانخرطت"حماس"في جهود التهدئة، وبعد انتهاء القمة وعودة الزخم إلى الشأن اللبناني بدأ"حديث عن انفجار غزة"بالتزامن مع مخاوف من حرب إسرائيلية ضد سورية واستنفار عسكري على الجبهتين وأيضاً مخاوف من عمل عسكري أميركي ضد إيران. وكأن"ساحة غزة أصبحت رهناً بالملفات الإقليمية، أو على الأقل مرتبطة بها وتتأثر بها". وبحسب مسؤولين مصريين بارزين، أجريت اتصالات بين قادة كبار من"حماس"والقاهرة بعد التهديد باجتياح الحدود من أجل مناقشة هذه النقطة، أكدت خلالها القاهرة بوضوح أنه لن يسمح بتكرار أحداث كانون الثاني، وأن مصر"تحتفظ لنفسها بالوسيلة التي تمكنها من منع هذا الأمر، وأن كل الخيارات مفتوحة في هذا الإطار". ومن جانبهم شرح مسؤولو"حماس"حجم المعاناة الإنسانية في القطاع وأن التهديدات التي أطلقت لم تكن موجهة لمصر بل للاحتلال وهناك من سعى إلى إفراغها من مضمونها لتوتير العلاقة بين الحركة ومصر التي أكدت أنها ستستمر في سعيها الى تخفيف المعاناة عن سكان غزة عبر تواصل إرسال المساعدات الإنسانية. وأكدت أن التهدئة"هي خطوة أولى في سبيل رفع الحصار". ويعتبر المصريون أن هذه الاتصالات"لم تؤت ثمارها مئة في المئة، فما زال هناك تناقض في تصريحات قادة"حماس"، وهناك من يتوعد وهناك من يشيد بدور مصر، أي أن ثمة وجهتي نظر تتنازعان الحركة"، وتقول مصادر مصرية:"لم يحن وقت القول بأننا تجاوزنا هذه التهديدات، فالبعض في"حماس"ما زال يتحدث عن انفجار غزة، خصوصاً أن الملفات الإقليمية باتت متداخلة إلى حد كبير". وإذا كانت المصادر ترى أن حلحلة ملفات إقليمية أخرى، خصوصاً الأزمة في لبنان، يساعد في تهدئة هذه المخاوف، إلا أنها"لن تنهيها بالضرورة".