تودّع مدينة زحلة البقاعية شرق لبنان بعد ظهر اليوم ابنيها الكتائبيين نصري ميشال ماروني 51 سنة وسليم رشيد عاصي 72 سنة اللذين قضيا مساء أول من أمس في حادث إطلاق نار متهم به ابن مدينتهم جوزف الزوقي المحسوب سياسياً على النائب إيلي سكاف، في حادث مأسوي لم تصح المدينة من هوله بعد. ولبست المدينة أمس ثوباً من الحزن والغضب، انعكس ملابس سوداً ووجوهاً متجهمة لدى ذوي الضحيتين ومناصري"حزب الكتائب اللبنانية"الذين لم يهنأوا كثيراً بافتتاح مكتب جديد في حي حوش الزراعنة في حضور منسق اللجنة المركزية في الحزب سامي الجميل، نجل رئيس الحزب الرئيس السابق أمين الجميل. فما كاد الكتائبيون يفتتحون مركزهم الجديد باحتفال وقداس، حتى حصل الحادث الذي لم تستطع"الحياة"الحصول إلا على رواية كتائبيين عن طريقة وقوعه وخلفياتها، إذ تعذّر لقاء مقربين من الجاني وحتى سكاف نفسه، بسبب الإجراءات الأمنية التي فرضها الجيش وقوى الأمن الداخلي في المدينة وبخاصة في مسرح الجريمة ومحيط منزل سكاف وحول كنيسة"سيدة النجاة"حيث كان ذوو الضحيتين والكتائبيون يتلقون التعازي، إضافة الى انتشار لافت للجيش وآلياته في كل شوارع المدينة التي شهدت إقفالاً شبه تام شمل المدارس والجامعات. هنا في ساحة الجريمة شريطان أحمران يقطعان الطريق من الناحيتين، وبينهما إلى يمين الطريق سيارة من طراز"جاغوار"سوداء رقمها"216548 ب"هي سيارة الجاني. السيارة حديثة وأنيقة وفي مؤخرتها آثار طلق ناري حطّم زجاج إنارتها. وعلى مسافة 25 متراً ترفرف راية الكتائب على المركز الجديد الذي حمل صورة"شهيد الكتائب والوطن"الوزير بيار الجميل. وكذلك صور رئيس الحزب. تجاوز الشريط ممنوع، وكذلك الحصول على معلومات من رجال الأمن. زحليُ كان موجوداً في المكان امتنع عن الحديث عمّا حصل لكنه رجّح أن"الأسباب شخصية". في"كنيسة سيدة النجاة"المعزون كثر. ووسط نحيب الأهل والنسوة، يندفع غير شاب للكلام عن الحادث وخلفياته مشترطاً عدم ذكر اسمه. شقيقة ماروني التي كانت تبكيه مع نسوة آخرين راحت تسأل:"هل ضروري أن يقع قتلى اذا حصل إشكال؟ هل ضروري أن يستخدم السلاح؟". وتقول:"يجب أن يسلم الجناة وأن يحاكموا وتأخذ العدالة مجراها. لن نقبل بأن يضيع الحق. نحن أولاد بلد واحد، والسياسة قتلتنا". أحد العناصر المولجين تنظيم العزاء، يرشد"الحياة"الى التحدث مع ابنة الضحية عاصي رندلا فهي"لا تزال متماسكة". لكنها فعلاً ليست كذلك على رغم تمكنها من كفكفة دموعها دقائق معدودة. وتقول:"أثناء القدّاس والاحتفال كان الزوقي يزرع الطريق جيئة وذهاباً بسيارة"انفوي". راح وعاد مرات كثيرة، وكان يقول: هذه ليست طريقاً للكتائب ولا للقوات اللبنانية. لدى انتهاء الاحتفال غادر عناصر الجيش، فجاء بسيارة مسروقة جاغوار وكان معه شخص آخر، ثم ترجل من سيارته وشهر سلاحه وراح يطلق النار. تقدم إليه والدي، لأنه ابن جيراننا وكلنا أبناء حي واحد، وقال له: قل لي ما المشكلة انت مثل ابني... لكنه اطلق عليه النار فأرداه وأصاب أخي في رجليه". وانهارت بالبكاء. إنفعال وإتهمات يتدخل شاب منفعل جداً ويقول:"أنا أقول لك ما حصل، الرجل كان يريد قتل الأستاذ نصري ماروني والبقية قضوا وجرحوا في الحادث. هذا الرجل الزوقي مريض في النخاع الشوكي ويتلقى العلاج. أنا أعرفه هو نسيب زوجتي. هناك من دفعه الى أن يقوم بذلك بعدما أمّن له مستقبل أولاده وزوجته. كل الزحليين يعرفون أن هناك دعوى قضائية بين نصري ماروني وسكاف على خلفية كشف نصري في مقال في مجلته عن اتجاه سكاف إلى شراء ساحة الشهداء في المدينة ليقيم فيها نصباً لوالده، وان الزحليين لن يقبلوا ذلك". شاب آخر شاهد الحادث قال:"هذا الرجل الزوقي من أصحاب السوابق. قبل عشر سنوات قتل في الساحة نفسها نسيبه أندريه صليبا، وأطلق من السجن قبل 4 سنوات بالعفو قبل أن يمضي محكوميته البالغة 14 سنة. راح يطلق النار عشوائياً كأن أمامه قطيع غنم وليس أبناء الحي نفسه... راح وجاء وأجرى اتصالات. لم يشك أحد به. وفي النهاية عاد بصحبة أخيه وكذلك حضر نسيبه وليد الزوقي بسيارة أخرى أقلهما فيها بعد الجريمة". شاب آخر أشار الى أن"الزوقي كانت له علاقات بالاستخبارات السورية حين كانت في البقاع، وأنه عضو في حزب البعث". مسؤول كتائبي يتقدم مستفسراً عمّن أعطى اسمه من"الشباب"، حرصاً على التهدئة. لكن سرعان ما يدخل في الحوار نفسه، معتبراً أن"النائب سكاف لم يتحمل افتتاح مركز للكتائب في حوش الزراعنة وكذلك أصيب ب"هستيريا"السبت الماضي حين عقدت اتحادات البلديات في زحلة ومنطقتها والمختارين مؤتمراً يطالب بانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجهورية". وأضاف:"حصلت اتصالات الأسبوع الماضي وسط أنصاره ليحولوا دون افتتاح المركز. الاشكال سياسي بامتياز. هم لا يريدون حزباً قوياً في زحلة. ما معنى أن تكون سيارة في انتظار الجاني؟". رئيس اقليم زحلة الكتائبي المحامي ايلي ماروني، كرر مطالبته الدولة ب"أن تعتقل الفاعلين المعروفين بالاسم والهوية ومكان الاختباء، ومعروف من يدافع عنهم ومن يحرض، قبل فوات الأوان، ونحن ما نزال في مشاعر الحزن، أن تبلسم جراحنا وتعتقل الفاعلين". وأضاف:"إذا لم يلق القبض عليهم لن يسكت الكتائبيون بعد ذلك، ولن نبقى فقط نصلي ونضيء شموعاً ولن نبقى نركع في الكنائس ونبكي أمواتنا، آن الاوان، واذا كانت الدولة لن تحفظ لنا أمننا فلتخبرنا لنحافظ نحن عليه، دم شهدائنا لن يذهب هدراً... الأم التي تبكي في الداخل لن نجعل دموعها تذهب هدراً مثلما لن نجعل دم نصري وسليم وكذلك دماء الثلاثة الموجودين في المستشفى تذهب هدراً". الجرحى الثلاثة هم: رشيد عاصي وروجيه غرة والياس عيسى وتابع ماروني:"الجريمة سياسية بامتياز لأن الفاعلين ينتميان الى جهة سياسية، وقد أكد النائب سكاف أنهم من أنصاره ومن جماعته وهذه ليست المرة الاولى التي نتلقى فيها تهديداً منه. وقال بالأمس في حديث له مع رجال دين على الهاتف انه لا يتحمل وجود بيت للكتائب في حوش الزراعنة، فحوش الزراعنة ملك له، وهذا نابع من الفكرة الاقطاعية التي لاتزال مسيطرة عنده ولم يتحمل ان مدينة زحلة بإدارييها وبلديتها تحركوا يوم السبت وأيدوا انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية، ولم يتحمل الحشد الذي كان في حوش الزراعنة حتى جاء الاثنان المحسوبان عليه... أطمئنه الى أنني والقضاء ننتظره وسأتقدم بدعوى، وفي كل المحافل المحلية والدولية سأطالب برفع الحصانة عنه ليحاكم عن كل ما جرى في زحلة منذ عشر سنوات وحتى اليوم". هذه الأجواء كانت سائدة بقوة وسط الكتائبيين، وجميعهم يتحدثون عن ضرورة أن يسلم الجاني وأن يحاسب، إضافة الى مجموع الاتهامات التي سيقت ضد سكاف ومنها ان الزوقي من مرافقيه. لكن التأكد من صحة ذلك بدا متعذراً. منزل سكاف طوقه الجيش ولم يسمح لأحد بالوصول إليه وإن كان صحافياً. يسعى الجندي الى المساعدة، فيذهب الى الضابط المسؤول ويعود معتذراً عن عدم السماح بالدخول. وتردد أن عقيلة سكاف ميريام وردها اتصال بعد وقوع الحادث من عائلة الزوقي يبلغها أنه أصيب، وأن سيارته أصيبت بطلق ناري من خلف. لكن مصادر أمنية رجحت أن يكون شقيق الزوقي هو من أطلق النار على السيارة بمسدسه طلقتين. ولاحقاً سلم وليد الزوقي وهو ابن عم المتهم بعدما"تولى تهريبه الى جهة ما تحت الضغط". وقالت المصادر:"عثر في سيارة وليد على بندقية كلاشينكوف وجعبة"، مشيرة الى أن"القوى الأمنية نفذت 16 عملية دهم لأماكن في البقاع بحثاً عن المطلوبين بناء لإفادة وليد". الإدعاء وكان النائب العام الاستئنافي في البقاع القاضي عبدالله بيطار ادعى على جوزف ابراهيم الزوقي ومن يظهره التحقيق في"جرم القتل عمداً وعن سابق تصور وتصميم ومحاولة القتل التي وقعت في زحلة وأدت إلى سقوط قتيلين وعدد من الجرحى سنداً إلى المواد 549 و549/201 عقوبات و72 أسلحة". وأحال الادعاء إلى قاضي التحقيق الأول في البقاع طنوس مشلب. وعاين القاضيان بيطار ومشلب موقع الجريمة في زحلة، ثم توجها إلى مستشفى خوري العام في زحلة واستمعا إلى إفادة الجريح عيسى ولم يستمعا إلى الجريح عاصي لوجوده في العناية الفائقة. ومن مستشفى خوري، انتقل القاضيان إلى مستشفى تل شيحا - زحلة حيث استمعا إلى الجريح الثالث غرة. وكان القاضي بيطار سطر فور وقوع الحادث وإبلاغه عنه، بلاغ بحث وتحر عن الفاعل جرى تعميمه على الأجهزة الأمنية المختصة. ويواصل القاضي مشلب تحقيقاته بالاستماع إلى إفادات عدد من الشهود من غير الجرحى.