خدمة المجتمع هي توفيق كبير يمنحه الله لمن يشاء من عباده، وهي هبة من الله يتم من خلالها تيسير المال والرجال والوقت، أخذاً بالهمة والعزيمة، وقبل ذلك وبعده بالنية الصادقة التي من أجلها تكون خدمة المجتمع. فخدمة من دون نية صادقة هي تعب للأجسام وضياع للأوقات وتبذير للأموال، كما ان هذا النوع من الخدمة لا يُكتب له الاستمرار والبقاء بل تكون خدمة من أجل هدف محدد إذا تحقق انتهت هذه الخدمة، فمقبرة العمل الاجتماعي هي السعي وراء الشهرة يهدف الى تحسين السمعة. إن مهنة خادم مجتمع وسيلة وليست غاية، وهي رغبة صادقة يجب ان تخرج من القلب. ولكي ينجح خادم المجتمع يجب ان تبقى هذه الصفة ملازمة له تصحبه في كل مكان وتستحوذ على تفكيره في كل وقت ويحمل همها ويعمل من أجلها ويضعها نصب عينيه بشكل مستمر حتى لا يكاد يرى غيرها ولا يتحدث إلا عنها. إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز هو اليوم قدوة ونموذج لكل من يرغب في ان يكون خادم مجتمع وهو الأب الروحي لخدمة المجتمع في هذا الوطن الكريم، كما ان الأمير سلطان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران، هو نموذج متميز في مجال الخدمات الإنسانية ومعلم بارز من معالم العطاء والخير. وبعد ان تشرفت بالسلام على سيدي خادم الحرمين الشريفين واستلام وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى وجدت مع زملائي، وهم ثلاثمئة شاب وشابة موظفون في"برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع"، ان نقوم بنشر هذا المفهوم لإخواننا المسؤولين في الدولة ورجال الأعمال والعاملين في الإعلام الذين تعلمنا منهم الكثير، خصوصاً في هذا المجال، والذي سبقنا فيه كثيرون وقدموا لنا الدعم من النصائح الثمينة والأفكار والمشاريع التي ساهمت في تطور البرامج، فهم أهل فضل ولهم جميعاً نتقدم بالشكر والعرفان على دعمهم الدائم للبرامج وعلى تشجيعهم المتواصل. ويسرني مع زملائي في البرامج ان أعرض عليهم خبرتنا المتواضعة في هذه المهنة وكيف يمكن لكل فرد ان يساهم في خدمة مجتمعه. من أسرار مهنة خادم المجتمع أولاً: الاحترام والتقدير والحب. ان هذا الثلاثي العجيب هو أول سر من أسرار خادم المجتمع، فمن دون احترام لن تستطيع ان تقدم خدمة. فكيف تخدم شخصاً لا تحترمه؟ فالاحترام نبض الحياة، ومن دون تقدير لن تكون هناك قيمة للخدمة، فالتقدير عصب الحياة. ومن دون حب لن تستطيع ان تقدم لأحد شيئاً ولا ان تخدم أحداً، فالحب دفء الحياة. لذا فإن الاحترام والتقدير والحب للمواطن من أهم الصفات التي يجب ان يتحلى بها أي خادم مجتمع ومن دونها لا يمكن ان يصبح المرء خادم مجتمع ولا يمكن ان يكون هناك نجاح. من هنا كنا في"برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع"نسأل أنفسنا دائماً لماذا نقوم بهذا العمل وهو خدمة المجتمع. وبعد تفكير طويل كانت الإجابة بسيطة جداً وهي"لأننا نحب مجتمعنا"فلا نجاح في خدمة المجتمع ان لم تكن هناك محبة واحترام وتقدير للمجتمع، واستشعارنا بأننا خدام لهذا المجتمع جعلنا نقوم بوضع شعار للبرامج هو"لأننا نحبكم"من القلب، والقلب هو أهم جزء في الإنسان. ثانياً: تبنّي قضية واحدة والتخصص فيها. يعاني المجتمع من قضايا كثيرة تحتاج إلى من يدعمه فيها، وخادم المجتمع لن يستطيع ان يدعم مجتمعه في كل القضايا، وأحد أسرار نجاحه حرصه على التركيز في خدمة مجتمعه على قضية واحدة بحيث يسخر لها كل الجهد والتفكير حتى يبدع فيها ويحقق نتائج أفضل بدلاً من ان يشتت نفسه في قضايا عدة مختلفة، ولذلك جعلنا قضيتنا الرئيسة في"برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع"قضية"تأمين فرص العمل"لأفراد مجتمعنا. ثالثاً: البداية البسيطة على ان تكون مصحوبة بمخططات رقمية تتم متابعتها شهرياً وسنوياً. من أسرار خادم المجتمع ان لا يبدأ بمخططات ضخمة ولا أهداف كبيرة، بل ان يسعى إلى البداية البسيطة، من خلال وضع مخططات لا تخلو من الطموح والتحدي، ولا تجنح إلى الخيال. فيعمل على التدرج والحرص على ان يبني على نجاحات متوالية وعلى زيادة منتظمة سخّر لها من العوامل والقدرات والمواد ما يساهم في تحقيقها. ولذلك فإننا في"برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع"بدأنا العمل بتأمين 10 فرص عمل للشباب في مجال امتلاك سيارات الأجرة العامة أواخر عام 2002، ووضعنا في مطلع عام 2003 مخططاً لتأمين 200 فرصة عمل، واليوم مخططنا لعام 2008 هو تحقيق 25 ألف فرصة عمل، فالعبرة بأن نبدأ العمل فوراً وأن نبدأ التنفيذ ونترك التنظير والتخطيط والجدال والنقد الذي لا يكون له أثر أو نتيجة. رابعاً: الأسلوب الإداري العملي لخادم المجتمع. ان الأسلوب التقليدي في عمل خادم المجتمع لا يمكن ان يحقق النتائج المرجوة ومن ثم فإن من أهم أسرار مهنة خادم المجتمع ان يعمل على إدارة نشاطه بطريقة المؤسسات التجارية التي لا تتوخى الربح بحيث يحرص القائمون على هذه المؤسسات على محاسبة كل فرد فيها، وكأنه موظف يعمل في مؤسسة تجارية وليس جمعية خيرية. وعلى هذا الأساس فإننا في"برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع"ندير أعمالنا بشكل تجاري لا يتوخى الربح، كما يجب ان يقود هذا الفريق رئيس المنشأة. ولن تنجح مؤسسة من المؤسسات إذا أوكلت مهمة قيادة خدام المجتمع إلى إحدى الإدارات أو الأقسام الموجودة في المنشأة، كما ان على قائد الفريق ان يمحض فريق العمل ثقته وأن يعطيه الصلاحيات ليقوم بدوره على أكمل وجه. ان أحد أهم أسرار القيادة في"برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع"هي استقلالية فروع برامج خدمة المجتمع في إدارة الأعمال اليومية وعدم العودة للإدارة الرئيسة إلا في أضيق الحدود، والهدف تكوين فريق متجانس يعمل في هذا المجال ويؤدي ما يطلب منه بل يعمل وكأنه يحمل قضية أو يهدف إلى تبليغ رسالة، فهو مؤمن إيماناً كاملاً بما يقوم به ويحرص على ان يتبنى هذا العمل وكأنه صاحبه فيحرص من خلاله على المبادرة والإبداع. فهو المسؤول الأول والأخير عن هذا النشاط، فإن نجح كسب الثناء والتقدير، وإن فشل تجرع مرارة الفشل واستفاد من أخطائه ليجدد همته وعزيمته. ومن هنا فبعد حصولي على وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، أرسلت خطاب شكر إلى كل زميل من زملائي في برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع وأرفقت معه صورة من الوسام موضوعة في إطار. وأوضحت في الخطاب ان زملائي من شبان وشابات ممن يعملون في البرامج لهم نصيب متساوِ من هذا الوسام وأنني استلمته نيابة عنهم، فنحن نهتم بهذه البرامج كما نهتم بالنشاط التجاري ونسعى إلى إنجاحها ونهتم بمتابعة شؤونها ونعتبرها جزءاً رئيساً من عملنا. خامساً: المستفيدون ونتائج النشاط الاجتماعي هم المتحدثون باسمها. ان ما يساهم في إنجاح خادم المجتمع هو الحرص على إعلان النتائج المحققة فقط، وليس إعلان الخطط أو الأمنيات المستقبلية. فخادم المجتمع يجب ان يعمل أولاً وأن يجعل من قصص نجاح المستفيدين مواد تُقدم لوسائل الإعلام لتسليط الضوء عليها وإبرازها لأنهم الأبطال الحقيقيون وهم الذين يجب ان يفتخر بهم المرء ويسعد لنجاحهم، كما ان عليه ان يحرص على اكتشاف مواطن الخلل والقصور في خدمته ويسعى لتحسينها وتطويرها بل ويستعين بجهات للمراجعة الداخلية والخارجية لبحث هذا الأمر وجعله أحد أهدافه الرئيسة لخدمة مجتمعه فالمصداقية هي رأس مال الخدمة. سادساً: تجنب إنشاء مجالس أمناء ومجالس إدارة ولجان فرعية في العمل الاجتماعي. ان العمل الاجتماعي المنتج يجب ألا يرتكز في تنفيذه على لجان إدارية أو مجالس أمناء أو مجالس إدارة غير متفرغة بل يجب ان يتم من خلال فريق عمل متفرغ كلياً للعمل في هذا المجال، مدعوم ببعض الخبرات والمكاتب الاستشارية التي لها باع في هذا المجال. ومن أهم أسرار خادم المجتمع أن لا يعتمد في عمله على اللجان الفرعية أو مجال الإدارات أو مجالس الأمناء بل يطبّق العمل مباشرة ويحرص على تطويره وتحسينه باستمرار من خلال التطبيقات اليومية. وينحصر دور مجالس الأمناء أو مجالس الإدارات في وضع الخطة الإستراتيجية العامة. وقد يلتقي أفراد هذه المجالس مرة حداً أقصى في العام لمراجعتها مع النتائج الموجودة على أرض الواقع والحرص على ان تُترك للإدارة الصلاحيات الكاملة لإنجاز أهداف خدمة المجتمع بحيث تكون نسبة 90 في المئة للتنفيذ و10 في المئة للتخطيط وليس العكس. سابعاً: مشاركة الجميع في الخدمة. من أسرار خادم المجتمع قدرته على ان يحرك كل من حوله من زملاء في العمل أو في الأسرة أو غيرها من المجتمعات بحيث يقنعهم بتبني فكرة خدمة المجتمع وإذا نجح خادم المجتمع في ان يقدم مشروعه إلى هؤلاء بشكل إيجابي، كانوا عوامل نجاح بالنسبة له وساعدوه في خدمة المجتمع وتأدية مهماته على أكمل وجه. ونقوم نحن في"برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع"بإعلام أصحاب المشاريع الصغيرة الذين نقوم بدعمهم بمشاريع الشركة للاستفادة منهم وتبني منتجات مشاريعهم كما نقوم بالتسويق لهم والاستفادة من خدماتهم. ويسرني في هذه المناسبة ان أتقدم بالشكر الجزيل لزملائي منسوبي الشركة على دعمهم الدائم والمتواصل للبرامج. ثامناً: توحيد الجهود والعمل المشترك مع الدولة والقطاع الخاص لخدمة المجتمع. إن توحيد الجهود والاستفادة من التجارب من الأمور المهمة التي يجب ان يعيها خادم المجتمع وأن يعمل من خلالها، فخادم المجتمع يجب عليه ان يدرس ما سبق ان تم من جهد في مجال خدمته وما هو موجود حالياً وكذلك ما تتم دراسته ووضع الخطط اللازمة له حتى يوفر الوقت والجهد والمال بحيث تصبح خدمته وفق أسس فاعلة ومباشرة ومتميزة تظهر نتيجتها للمجتمع ويستفيد منها أفراده. لقد كان للتعاون مع عدد من شركات القطاع الخاص أثر إيجابي كبير، فقد تم تأسيس"المعهد العالي السعودي ? الياباني"للسيارات وپ"المعهد السعودي للخدمات الصحية"وكذلك"المعهد السعودي للإلكترونيات"وغيرها من البرامج والنشاطات التي جاءت من خلال توحيد الجهود والعمل المشترك مع الدولة، خصوصاً مع وزارة العمل ومؤسساتها إضافة إلى العمل مع القطاع الخاص. تاسعاً: الصبر والإصرار والتفاؤل وحسن الاختيار. من أهم أسرار خادم المجتمع الصبر على ما يتعرض له من عقبات، فخدمة المجتمع ليست بالأمر السهل، فقد تخدم أفراداً ويغضبون منك لأن خدمتك لم تناسبهم فتسيء إليهم وأنت تريد ان تحسن، وقد يحسدك البعض على ما أنت فيه من خير وعلى ما وفقك الله إليه من عمل، فاذهب إلى هؤلاء وأطلب مشورتهم. فخادم المجتمع لا بد له من ان يصبر على هذه الخدمة ويحرص على ان يجعل من هذا الصبر زاداً يقتات منه يوماً بعد يوم ليواصل المسيرة. ان الإصرار والتفاؤل جناحان يطير بهما خادم المجتمع في دروب الخدمة فهو صاحب قضية رئيسة يعمل بإصرار وتفاؤل مهما كانت الظروف ويضيف إلى ذلك حسن اختيار من يعمل معه ومن يرغب في الاستفادة من خدمته فهما بعد الله السبب في ان تنجح الخدمة أو تفشل. عاشراً: النزول إلى الميدان والتحسين المستمر. يجب على خادم المجتمع حتى ينجح في مهمته ان يعمل من الميدان وأن لا يبقى أسيراً في مكتبه يتخذ قراراته من خلال التقارير والدراسات فقط. عليه ان يجعل من الميدان مصدر معلومات رئيساً له يساعده في اتخاذ القرارات الصحيحة. من الضروري على خادم المجتمع ان يحرص دائماً على الجولات الميدانية وعلى زيارات دورية يجلس من خلالها مع زملائه العاملين في هذا المجال وكذلك المستفيدين من الخدمة ويستمع لهم ويعرف ما هي احتياجاتهم وما هي الاقتراحات والحلول التي يمكن ان تساهم في رفع مستوى الخدمة وتطويرها إذا تم تطبيقها. وعلى خادم المجتمع ان يقوم بزيارات ميدانية للإطلاع على بعض التجارب العربية والدولية في المجال ذاته، وقد قمت مع زملائي بزيارات لكل من مصر وبنغلادش والمكسيك ودول أخرى للتعرف على بعض التجارب المشابهة، فمثل هذه الزيارات الميدانية تساهم في شكل كبير في توضيح الصورة بالنسبة الى خادم المجتمع وفي رفع الروح المعنوية بين زملائه خدام المجتمع وكذلك المستفيدين. وللاطلاع على التجارب الدولية والتعلم من الغير فوائد عظمى لخادم المجتمع، مثل اتباع دورة PDCA التي تشمل التخطيط ثم التنفيذ ثم المراجعة ثم التحسين، وهي من أهم ما تمت الاستفادة منه خلال عملنا في البرامج. من وجهة نظرنا هذه هي الأسرار العشرة البسيطة لمهنة خادم المجتمع وقد تكون هناك أسرار أخرى متعددة ولكن هذا ما اكتشفناه من خلال تجربة عملية خلال سنوات عدة مضت وأخيراً يجب علينا ان نتجه الى العمل كل يوم ونحن متفائلون وحريصون على ان نعمل على تحسين أوضاعنا تدريجاً، فخدمة المجتمع مجالاتها متعددة ولا حدود لها، كما ان خدمة المجتمع ليست حكراً على مؤسسة أو جهة معينة بل هي حق للجميع وقد حرصنا في البرامج منذ البداية ان نعمل على نشر هذا المفهوم بين الشركات فقمنا قبل سنوات بزيارة بعض الشركات والجهات وعرض فكرة البرامج عليهم للاستفادة منها وهاهم اليوم يقدمون برامج اجتماعية متميزة، فنحن نفرح كثيراً كلما رأينا مثل هذه البرامج تنتشر في مجتمعنا بل نتمنى ان يسعى الجميع الى تقديم برامج مميزة أفضل من برامجنا، كما نفتح أبوابنا لكل من يرغب في الاستفادة من برامجنا فهي حق لكل فرد من أفراد المجتمع، وليس بالضرورة ان يكون خادم المجتمع صاحب مال أو جاه أو سلطان، فكل فرد في المجتمع يمكن ان يكون خادم مجتمع شرط ان تأتي الرغبة الصادقة وأن يكون منبعها القلب وأن يؤكدها العمل فالرجل والمرأة والشاب والفتاة والصغير والكبير يمكن ان يتطوعوا لخدمة مجتمعهم، سواء كان بالجهد أو التفكير أو التخطيط أو تقديم المقترحات أو التقييم أو غيرها من المجالات الأخرى في حيهم أو مكان عملهم فلا حدود لخدمة المجتمع. ومجالات خدمة المجتمع عديدة منها: رعاية المسنين، والثقافة والفنون وحماية التراث، ومكافحة التمييز والعنف الأسري، ودعم شباب الأعمال، ودعم حقوق العمال السعوديين والمقيمين، وحماية البيئة، وثقافة التسامح والحوار، ودعم التعليم والمعلمين وتطويرهم، وسلامة الطرق، والرفق بالحيوان، وغيرها من عشرات المجالات الأخرى التي يمكن ان تتم من خلالها خدمة المجتمع. أعتقد ان مهنتي الحالية كخادم مجتمع هي مهنة أعتز وأفتخر وأستمتع بها كثيراً ومن حقي ان أتقدم من مجتمعي بالشكر الجزيل إذ شرفني وسمح لي بخدمته من خلال"برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع". كما أخص بالشكر أكثر من 300 شاب وشابة هم زملائي في فريق"برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع"الذين أفتخر ان أكون عضواً في فريقهم. * رجل أعمال سعودي