أن تجد اليوم فتاة ترضى بالعيش في المنزل من دون عمل أمر صعب، خصوصاً أن العمل يعتبر حقاً من حقوق المرأة، تسعى الى الحصول عليه، فما بالك إذا كان إمكان الحصول على فرصة عمل سهلاً ومتاحاً؟ يعتقد البعض ان هذه الحالات لم تعد موجودة في مجتمع منفتح مثل المجتمع التونسي. لكن الواقع مختلف، فلا تزال هناك فتيات يفضلن البقاء في المنزل والقيام ببعض الهوايات على العمل وساعات الوظيفة. صابرين في الثامنة والعشرين من عمرها لا ترغب في العمل خارج المنزل، وكل سعادتها تكمن في أن تقوم بالأعمال المنزلية، وأن تعتني بنفسها كفتاة جميلة. لكن فكرتها هذه لا تعني أنها غير مستقلة، فكونها لا تعمل لا يعني بالضرورة أنها لا تؤمن ما يمكن أن يضمن استقلاليتها. ولا شك في أن الظروف المتاحة لها قد لا تكون متاحة لغيرها. فهي ابنة عائلة ميسورة، تمدها بالمبالغ التي تحتاجها لتعيش على سجيتها بكل حرية. وهذه الحرية التي تتحدث عنها صابرين عززها كون والدتها فرنسية، مع أنها لا تتجاوز رغبتها في السكن وحدها. في منزل صغير من غرفتين وصالة تقيم صابرين كل الأجواء التي تجعلها"مرتاحة في حياتها"كما تقول. وفضلاً عن مسألة اختيار الأثاث، وألوان الستائر وما شابه من أمور، تفضل صابرين أن تضيف شيئاً من الطبيعة إلى أثاثها، فأحواض السمك متموضعة في أنحاء المنزل. خمسة أحواض لا يقل عدد الأسماك فيها عن 200 سمكة، مختلفة الألوان والأنواع والأشكال، وسط زينة من نباتات طبيعية وأصداف بحرية. "الغرام بالأسماك"كما تقول صابرين ليس وليد صدفة، فهي ورثت حب تربية الأسماك عن والدها وفرضت نظاماً في منزلها بحسب تلك الكائنات الصغيرة. فهي مثلاً تمنع الحركة تماماً أمام الأحواض, لأن"للسمك أمزجة، وهو يخاف ويهرب ويبقى مستغرباً حين يتبدل عليه المحيط"حسبما تشرح. وتضيف:"هو يمتنع عن الطعام إذا خاف، لذا عليك التحرك بروية وعلى أطراف الأصابع عند المرور". ويجب أن تبقى حرارة الحوض على درجة ملائمة، والوجبات تعطى بحسب مواعيد دقيقة، لذا تحرص صابرين على البقاء في المنزل في أوقات معينة، ولا بأس بزيادة الكمية بين الفينة والأخرى أحياناً، كنوع من أنواع الدلال. والطريف في الموضوع أنها، وإن سمحت لأحد بأن يضيف بعض فتات الطعام الى اسماكها، فهي لن تسمح بذلك قبل ان يغسل يديه! كيف لا والسمك كالإنسان كائن حي، يجب الاعتناء بكل ما يقدم له. وتلك الأسماك تتكاثر، والولادات بالعشرات، وكل عمليات الولادة تصور! فعملية مراقبة إناث الأسماك دائمة، للتعرف الى الحامل منها، لتنقل بعد فترة إلى حوض صغير بمعزل عن بقية الأسماك لتضع بيوضها وتكبر الاسماك الصغيرة قليلاً لأنها عند ولادتها تكون وجبة شهية. الاعتناء بالأسماك جزء من عمل المنزل، اي التنظيف والطبخ وما شابه، يأتي بعد هذا الاعتناء بالنفس. فصابرين التي لا تكف تذكرك بأنها فتاة جميلة تحب الاعتناء بمظهرها. وبعد الانتهاء من طقوسها الجمالية لا ضير من الخروج لزيارة أمها أو اخيها أو رؤية بعض الأصدقاء. لكن هذا كله أمر غير أساسي في حياة صابرين. فهي تعيش حياة رغدة مفصلة على مقاسها. والغريب أن الشابة التي درست السياحة، والمتمكنة من الفرنسية والإيطالية والألمانية والإنكليزية، لا تحبذ العمل خارج المنزل. فهي ترى أن المنزل للمرأة والمرأة للمنزل وأسرتها، وتعليمها يمكن أن يستفيد منه أولادها في المستقبل، فهي تحب أن تفيد ابناءها بما تعلمته من لغات، بخاصة أن ملكة تعلم اللغات لديها قوية، وتوقعاتها أن يشابهها أولادها بها كبيرة. هذا لا يعني أنها لم تعمل قط، فهي كلما ارادت كسر روتينها تعمل لأسبوعين أو ثلاثة ثم ترجع لأسماكها وبيتها الصغير والاعتناء بجمالها. هي على قناعة تامة بأن هذا ما يناسب الفتاة، أو على الأقل ما يناسبها هي.