إسرائيل تواصل غاراتها على الضاحية الجنوبية لبيروت    خالد العيسى: من الصعب الفوز على 12 لاعب من الهلال    «صُنّاع الحداثة والتنوير والتنمية».. إصدار جديد للدكتور عبدالله المدني    حكمة ملك وازدهار وطن    وحدة الساحات والنهاية الحتمية    منصب «رئاسة» الجمهورية بأمريكا..!    في المملكة.. الوضوح عنوان المواقف    سعود بن نايف: الملك جعل همه الأول الوطن والمواطن    فلاتة يخطف ذهبية المصارعة    جيسوس: الهلال يستحق "الجوهرة".. وأداء الأهلي دفعنا لهذا المستوى    نصر جديد مع بيولي    الزعيم العالمي يُلحق الأهلي بجاره    دورة الألعاب السعودية.. وثمار نتمنى حصدها    جدول ترتيب الدوري السعودي بعد فوز الهلال على الأهلي    لاعبو الأخضر ينتظمون في معسكر جدة غداً استعدادًا لخوض مواجهتي اليابان والبحرين    المعلم في يوم المعلم    الشركات العالمية.. تتجاوز المستهدف    حفل لندن.. باهر ولكن !    سباق الملواح..    ما هي الرجولة؟ وكيف نعرف المرجلة؟    المملكة تشارك العالم في الاحتفاء بيوم المعلم    «هيئة العقار» تعلن بدء أعمال السجل العقاري ل 26 حيّا بمدينة الدمام و14 حيا بمحافظة الخبر    ذكرى غالية ومجيدة    غارات جديدة على الضاحية.. واشتباكات بين حزب الله وقوات إسرائيلية    كلنا دروع للوطن... (د ر ع 2024) تجذب زوّار جناح وزارة الداخلية في معرض الصيد والصقور السعودي العالمي بملهم    السياحة تطلق تقويم «شتاء السعودية»    شريحة لاختراق الأدمغة    اختفاء القيادات يثير تساؤلات اليمنيين    أمانة منطقة القصيم تشارك في مؤتمر العمل البلدي الخليجي الثاني عشر    تقدم مستدام واقتصاد متجدد 10 سنوات من الحكم الرشيد تطلق النمو الاقتصادي وتحقق التنمية    وزير الإعلام يزور معرض "الرياض تقرأ"    الإدارة العامة للمجاهدين تشارك ضمن جناح وزارة الداخلية في معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2024 بمَلْهَم    ضبط شخص في جدة لترويجه (8) كيلوجرامات من مادة الحشيش المخدر    الألفة مجلبة للتعاون على البر والتقوى    المدبر هو الله.. لا تقلق    مدير هيئة الأمر بالمعروف بنجران يزور رئيس الجامعة بالمنطقة    نائب أمير تبوك يطلع على تقرير التدريب التقني    التأمينات الاجتماعية تطلق منصة بيانات مدعمة بالذكاء الاصطناعي لخدمات دعم التوظيف    وزير الحج يستقبل وزير السياحة والآثار المصري    العرفي: الذكاء الاصطناعي بدأ في الخمسينيات الميلادية وأسهم في تطوير الحياة    لقاء علمي يبحث الوقاية من فيروس الجهاز التنفسي المخلوي    القوة الدافعة وراء تشكيل جيل قادر على التنافس عالميًا    ضبط 22,094 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود في مناطق المملكة خلال أسبوع    "سلمان للإغاثة" يدشّن مشروع توزيع المساعدات الغذائية للأسر الأكثر احتياجًا في جمهورية قرغيزستان    اليوم عرسك    ترامب: على إسرائيل ضرب المنشآت النووية الإيرانية    وزير الطاقة: السعودية رائدة في تقنيات الاقتصاد الدائري للكربون    مسؤولون وأعيان يواسون أسرتي القاضي وآغا في فقيدتهم    محافظ الطائف يعزي أسرة الحميدي في فقيدهم    وفاة 866 شخصًا بمرض جدري القردة في أفريقيا    أحلام على قارعة الطريق!    مدير تعليم الطائف يطلق مبادرة غراس لتعزيز السلوك الصحي    الأمير سعود بن نهار يعزي أسرة الحميدي    اختتام مشاركة الهلال الأحمر في المعرض التفاعلي الأول للتصلب    2238 مصابا بالناعور في 2023    أول فريق نسائي من مفتشي البيئة في المملكة يتمم الدورية رقم 5 آلاف في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    نيابة عن ولي العهد.. وزير الخارجية يشارك في القمة الثالثة لحوار التعاون الآسيوي    خادم الحرمين يهنئ رئيس غينيا بذكرى الاستقلال ويعزي رئيس نيبال في ضحايا الفيضانات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع النهضة في رؤية مالك بن نبي
نشر في الحياة يوم 19 - 04 - 2008

لا يزال مالك بن نبي يمتلك حضوراً كبيراً في الثقافة العربية الحديثة، وهذا أمر لا جدال فيه. لكن هذا الحضور المرتبط بحيثيات مهمة وجوهرية تحول حضوراً تبجيلياً شكلياً، بعيداً من أي رؤية نقدية.
لقد احتل مالك بن نبي هذه المكانة في الثقافة العربية الحديثة لأنه طرح سؤال النهضة في إطاره النظري الأشمل، ألا وهو الإطار الحضاري فعالج الموضوعة الحضارية كبنية"ستاتيكية"ثابتة، مظهراً مقوماتها كعملية"ديناميكية"متحركة في إطار مفهوم الدورة الحضارية، لكن هذه المعالجة النظرية لم تكن عنده منفصلة عن مشروعه العملي المتمركز حول مفهوم النهضة، لذلك نراه يتحول نحو معالجة قضية الثقافة بصفتها الفعل المترجم للرؤية الحضارية، أو الحضارة في طور التحقق.
لقد حظيت آراء مالك بن نبي في البنية الحضارية ومفهوم الدورة الحضارية بالقسط الأوسع من الاهتمام وتم التعامل معها بصفتها نوعاً من الفتح النظري في مجالها، مع أن ضرورات الإنصاف تقتضي الاعتراف بأن هذا المبحث الكلاسيكي كان قد استقر في القرن العشرين على الآراء التي قدمها الألمانيان أشبنغلر واشفايتسر، وكذلك البريطاني ارنولد توينبي كما الروسي - الأميركي بيتريم ساروكين، وأن مجمل الآراء التي قدمها مالك بن نبي لم تتجاوز هذه الدراسات، وهي قبل ذلك لم تتجاوز الكثير من آراء ابن خلدون.
مع ذلك، فإن الاهتمام الذي حظيت به هذه الدراسات لم تفتقر كلياً إلى المبررات المشروعة. ففي كل الأحوال كانت محاولة للعقل الإسلامي المعاصر أن ينظّر للقضايا الكبرى بمقاربات منهجية إسلامية حديثة. وهي كذلك تحتوى على توضيحات في غاية الأهمية بالنسبة الى المشروع النهضوي الذي كان مالك بن نبي يسعى للتأسيس النظري له، وهي توضيحات مرتبطة بدور الدين ك"مُركّب للحضارة"ولعناصر بنيتها الثلاثة: الإنسان والتراب والوقت، كما أوضح في كتاب"شروط النهضة".
إن إدراك بن نبي لدور الدين كمركب للحضارة قاده إلى إدراك دور الإسلام في مشروع النهضة، وكان ذلك إدراكاً وتقريراً مهمين في فترة هيمنت فيها المقولات الليبرالية والماركسية على مجمل التفكير النهضوي الثوري. وقد عبر عن قناعاته هذه من خلال طرح قضية النهضة كعملية بناء للإنسان. فالانحطاط في رأي مالك بن نبي هو انحطاط حضاري لإنسان ما بعد الموحدين، والنهوض هو نهوض بالإنسان، وهو نهوض أخلاقي مرتبط بتغير ما في الأنفس، وللإسلام دور أساس في هذه العملية.
لكن التناقض في رؤية مالك بن نبي تكمن في إدراكه دور الإسلام في مشروع النهضة من جهة، وتصوره للاستراتيجية العامة للمشروع النهضوي من جهة أخرى، فالإسلام هو المحفز وهو الدافع وهو أداة البناء، أما المحطة النهائية فهي الحداثة الغربية التي تبدو كأنها حتمية تاريخية، من دون الأخذ في الاعتبار ذلك الاشتباك العقدي الضاري بين الحداثة والإسلام على المستوى الفكري والقيمي، هذا الاشتباك الذي كانت تموج به مرحلة الخمسينات والستينات من القرن الماضي وكان عنوانه الأساس على الجبهة المقابلة للحداثة: الهوية والأصالة والخصوصية.
نستطيع أن نستشف ذلك في كتابات مالك بن نبي وخصوصاً في"مشكلة الثقافة"و"وجهة العالم الإسلامي"حيث يستعرض ما يمكن أن نسميه إستراتيجية التغير الثقافي عندما يتحدث عن"توجيه الثقافة"و"توجيه الأفكار"كشرط لتحقيق نهضة العالم الإسلامي. وهذه الإستراتيجية هي على الشكل الآتي:
الثقافة برأيه تحتاج إلى تعريفين من منظورين مختلفين: الأول يحددها في ضوء حالتنا الراهنة. والثاني يحددها في ضوء مصيرنا.
وهكذا حين نتحدث عن النهضة نحتاج إلى أن نتصورها من ناحيتين:
1- تلك التي تتصل بالماضي، أي بخلاصة التدهور، وتشعبها في النفس والأشياء.
2- وتلك التي تتصل بخمائر المصير وجذور المستقبل.
"... ومن أول واجباتنا تصفية عاداتنا وتقاليدنا وإطارنا الخلقي والاجتماعي، مما فيه من عوامل قتّالة ورمم لا فائدة منها، حتى يصفو الجو للعوامل الحية والداعية إلى الحياة.
ولن تتأتى هذه التصفية إلا بفكر جديد، يحطم ذلك الوضع الموروث عن فترة تدهور مجتمع يبحث عن وضع جديد هو النهضة.
ونخلص من ذلك إلى ضرورة تجديد الأوضاع بطريقتين: الأولى: سلبية تفصلنا عن رواسب الماضي.والثانية: إيجابية تصلنا بالحياة الكريمة".
يتضح مما سبق أن إستراتيجية مالك بن نبي للتغير الثقافي الذي هو شرط النهضة ينتمى إلى السياق ذاته الذي طرحت فيه الأيديولوجية النهضوية العلمانية الحداثية مفهومها ل"النهضة"، وهو لا يختلف إلا بطبيعة الخطاب الإسلامي الذي ميزه عن آخرين من مفكري النهضة. فالنهضة عنده هي لحظتان أساسيتان: لحظة انقطاع تفصلنا عن رواسب الماضي، ولحظة تأسيس جديد تصلنا بالحياة الكريمة.
وأما دليله على ذلك فهو أن هذه الإستراتيجية هي التي تمت بها وتحققت النهضة في أوروبا. فقد قام توماس الأكويني، برأيه، بتنقية الثقافة الغربية لتكون أساساً فكرياً للحضارة الغربية، فكانت ثورته ضد ابن رشد وضد القديس أوغسطين مظهراً من مظاهر التجديد السلبي، ليخلّص الثقافة الغربية"مما كان يراه فكرة إسلامية أو ميراثاً ميتافيزيقياً للكنيسة البيزنطية". أما التجديد الإيجابي فجاء به ديكارت بعد ذلك.
كذلك هي الحال في العالم الإسلامي، فمحمد عبده وتلامذته من أمثال ابن باديس أطلوا علينا ب"بشائر ذلك التجديد السلبي الذي حاول تحطيم عللنا وعوامل انحطاطنا".
أما التجديد الإيجابي بالنسبة الى الحال العربية الإسلامية فيرى مالك بن نبي أنه لا يزال غير محدد ويكتنفه الغموض. لكنه لا يدع مجالاً للشك في طبيعة هذا التجديد الإيجابي، فقد أرسى دعائمه ديكارت وانتهى."فليس المقصود هنا بالتجديد الإيجابي وضع منهاج جديد للتفكير، فديكارت وضعه بصورة لا نتوهم تغيرها، إلا بانقلاب علمي هائل لا تحتمله الظروف الآن".
يختلف مالك بن نبي في طريقة معالجته لقضية الثقافة والفعل الثقافي كأداة لبناء النهضة، لكنه في المحصلة لا يخرج عن المحددات العامة التي صبغت فكر النهضة عموماً في المنطقة العربية، ألا وهي الارتهان لنموذج واحد للنهضة هو نموذج الحداثة الغربية، وقد كان هذا الارتهان مقتل النهضة الأكبر.
* كاتب فلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.