منذ أكثر من عقد، كانت سوق التلفزة التركيَّة، ولمَّا تزل، هي الأكثر استقطاباً لدبلجة الأعمال الأجنبيَّة إلى التركيَّة، السينمائيَّة منها والتلفزيونيَّة. وكانت الأعمال الدراميَّة التلفزيونيَّة وقتها، نادرة جداً. في حين، كانت صناعة السينما التركيَّة، هي الأكثر استحواذاً على جذب الرساميل. ولكن، وفي السنوات الأخيرة، بدأ دولاب صناعة الدراما في تركيا يدور، وشهدت هذه الصناعة نشاطاً معقولاً. وبسرعة اتَّسمت الدراما التركية بكونها دراما اجتماعيَّة، تتناول الراهن التركي، وهمومه اليوميَّة، وسلَّطت الضوء على جوانب مهمة من المجتمع التركي، فضلاً عن الإشارة إلى الفروق الاجتماعيَّة، ومنغصاتها التي تعرقل قصص الحب. وربما ينطوي بعض الأعمال على إشارات خفية إلى بعض الجوانب السياسيَّة، وپ"نقد ضمني"، لمعالجات الدولة والسلطة لبعض المشاكل التي اعترت وتعتري المجتمع التركي، كما في مسلسل"إكليل الورد"، الذي دُبلج للعربيَّة، وعرضته"إم بي سي"، العام الماضي. على الطرف الآخر، أعني، العربي، كانت سوق الترجمة، أو الدبلجة التلفزيونية، تركَّز خصوصاً على المسلسلات الأميركيَّة والمكسيكيَّة الطويلة. ومعلوم مدى التباين الكبير بين ميول واهتمامات وتقاليد المجمعات العربيَّة والغربيَّة عموماً، والأميركيَّة منها خصوصاً. على رغم ذاك، كانت الأعمال الأميركيَّة والمكسيكيَّة المدبلجة الى العربيَّة، تلقى اهتماماً ومتابعةً كبيرة لدى المتلقِّي العربي، عند عرض تلك الأعمال على القنوات العربيَّة وصار لها معجبون ومتابعون شديدو الحماسة يعرفون أسماء الشخصيات ويحزنون لحزنها، ويفرحون لفرحها. فماذا لو كانت هذه الأعمال الأجنبيَّة المدبلجة مأخوذة من دراما شعب جار، ومسلم، وتجمعه مع الشعوب العربيَّة تقاطعات دينية واجتماعيَّة وتاريخيَّة كثيرة، كالشعب التركي؟ بعد أن لاقت تجربة دبلجة المسلسل التركي"إكليل الورد"الى العربيَّة العام الفائت نجاحاً كبيراً، لجهة جذب هذا العمل الدرامي للمشاهدين العرب، وبخاصة، إن الدبلجة اتخذت من اللهجة الشاميَّة المحكيَّة أساساً لها، يبدو أن الطلب على عرض الأعمال التركيَّة قد زاد، في الآونة الأخيرة. ويبدو أن هذا السبب، هو ما جعل"إم بي سي"تتجه لتعرض عملين تركيين دفعة واحدة، وهما: مسلسل"سنوات الضياع"ومسلسل"نور". وهنا أيضاً، تمت دبلجة العملين إلى اللهجة الشاميَّة. واللافت، إن هذين العملين يلقيان متابعة أكبر من المسلسل السابق"إكليل الورد"، لا سيما في سورية ودول الخليج، وأماكن أخرى. ولعل الجهد الذي بذله المترجم في تحويل النص إلى اللهجة السورية، بدقة، وتوظيف الأمثال الشعبية الدارجة، وبعض القفشات الأخرى، قد أعطت العملين المذكورين دفعاً كبيراً، وقرَّبتهما من المشاهد العربي أكثر، الى درجة، قد يلبس عليه الأمر معها، للوهلة الأولى، إذ يظنُّ نفسه أمام عمل درامي سوري. لكن، سرعان ما يكتشف أنه عمل مدبلج. ومع إثبات هذه التجربة نجاحها، السؤال الذي لا بدَّ من طرحه هنا: لماذا لا تتجه القنوات العربيَّة إلى دبلجة الأعمال الدراميَّة الفارسيَّة، إنْ وجِدت، أو الكرديَّة، كي يصير المواطن العربي على تواصل أكبر مع شركائه في التاريخ، وأخوانه في الدين، الأقربين ويصير بالتالي على دراية واطلاع كاف على همومه ومشاغل وإشكالات مجتمعات الشعوب الجارة له، من طريق الدراما؟ حينئذ، تصبح الدراما التركيَّة والكرديَّة والفارسيَّة المدبلجة للعربيَّة، إحدى أرقى حالات التواصل بين هذه الشعوب، بحيث تلعب الدراما هنا، درو المرايا والجسور الفنيَّة، بعيداً من عوائق السياسة، وفذلكاتها وطراطيشها المؤذية. "سنوات الضياع"لم تذهب ضياعاً زار أبطال المسلسل التركي المدبلج"سنوات الضياع"الذي يعرض على شاشة mbc مركز المحطة وجالوا في استوديوهاتها،"حيث لاقوا ترحيباً مميزاً من العاملين فيها والجمهور المحتشد في الأماكن العامة التي زاروها"كما جاء في بيان للمحطة. وضم الفريق كلاً من الممثلة التركية توبا بويوكوستن صاحبة دور لميس وسينان توزكو عمر وبولنت إينال يحيى. تجدر الإشارة هنا الى أن شاشة mbc1 كانت السبّاقة في إطلاق أول مسلسل درامي تركي مدبلج هو"إكليل الورد"على الشاشة العربية، قبل عرض"سنوات الضياع"الذي يعالج قضايا اجتماعية مختلفة مثل الحب والصراع الطبقي ومشكلات الفقر ومغريات المال والعمل. ولفت بيان المحطة الذي تابع تجوال الممثلين الأتراك، إلى أن لميس لم تدرك أن"النظارات الشمسية السوداء الداكنة لم تتمكن من حجب هويتها الحقيقية عن المعجبين من المشاهدين والمتنزهين، فيما كانت تجول في أسواق المنطقة والأماكن العامة، متنزهة ومتسوقة". كانت الحشود"توقفها في كل متر مربع تقريباً، تارة تناديها باسمها الحقيقي"توبا"، وطوراً باسم"لميس"، والكل يريد التحدث معها والتعرف إليها والتقاط الصور التذكارية، مفاخراً بتحميله نغمة مسلسل"سنوات الضياع"على هاتفه المتحرك". على هذا علقت"لميس"قائلة:"لقد فوجئت حقاً! لم أكن أتوقع أن يلاقي المسلسل هذا النجاح الباهر. لا شك في أن وصولنا الى الملايين من المشاهدين العرب عبر mbc1 ساهم بفعالية في نجاح"سنوات الضياع"الى جانب طبعاً قصة وسيناريو وحوار المسلسل وأبطاله التي بدت كلها قريبة من الثقافة العربية الغنية". وأبدت"لميس"سعادتها لكون تصفيفة شعرها التي ظهرت بها على شاشة mbc1 دخلت ضمن تشكيلة الموضة الجديدة لدى السيدات في المنطقة العربية، ووعدت بأن تعود إليها يوماً... وقد تسنّى للمشاهد العربي أن يتعرف الى أبطال"سنوات الضياع"أكثر وعن كثب، وأن يكتشف شخصياتهم وبعض التفاصيل عن حياتهم المهنية والشخصية، إضافة الى كواليس الإنتاج الدرامي، وذلك عبر إطلالات متنوعة وحوارات تلفزيونية شيقة حول فنجان قهوة تركي ضمن عدد من البرامج على شاشة mbc1 وبرنامج"صباح العربية"على شاشة العربية.