فريق الوعي الصحي التابع لجمعية واعي يحتفي بيوم التاسيس في الراشد مول    منتخب شباب السعودية يتأهل يتأهل إلى كأس العالم    التشكيل المتوقع لكلاسيكو الاتحاد والهلال    نائب رئيس مجلس الشورى يوم التأسيس: تاريخٌ خالد ومستقبلٌ واعد    واكاثون لولو الثاني يحتفل بيوم تأسيس المملكة العربية السعودية ويعزز رسالة الأستدامة    مدير عام مكتب التربية العربي : الاحتفاء بيوم التأسيس اعتزاز بالجذور الراسخة لهذه الدولة المباركة    إسرائيل تفرج عن المئات.. «أقدم» أسير فلسطيني و«مهندس القسام»    توني الأهلي.. «ON FIRE»    قُتِل بغارة شمال سورية.. واشنطن تكشف هوية قيادي «القاعدة»    «الدباغ القابضة» تتقدم بالتهاني لمقام خادم الحرمين وولي عهده بمناسبة ذكرى يوم التأسيس    الأمين العام لمجلس التعاون: يوم التأسيس شاهد على الإنجازات التي عانقت سماء الطموح    احتفال سفير الاتحاد الأوروبي بيوم التأسيس، تعزيزاً للعلاقات الوثيقة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة    ضبط أكثر من 21 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    عقد ورشة عمل "الممارسات الكشفية للفتيات في الجامعات"    فرع هيئة الهلال الأحمر السعودي بعسير يكمل استعداداته في يوم التأسيس    يوم التأسيس تاريخٌ مجيد ومستقبلٌ واعد    أسرة حسام الدين تحتفي بعقد قران أحمد ويوسف    انهيار مبنى إثر حريق ضخم في الأرجنتين        رئيس مجلس إدارة مجموعة stc والرئيس التنفيذي يهنئان القيادة بمناسبة يوم التأسيس    الأمين العام لمجلس التعاون يهنئ خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد بمناسبة ذكرى يوم التأسيس    رباعي هجوم الاتحاد .. الأقوى    القيادة الإماراتية تهنئ خادم الحرمين وولي العهد بمناسبة ذكرى يوم التأسيس    "السعودية في العصر الرقمي: من جذور التأسيس إلى ريادة المستقبل"    وزارة الداخلية تحصل على جائزة المنتدى السعودي للإعلام (2025) في مسار الأنشطة الاتصالية الإعلامية عن حملة "لا حج بلا تصريح"    أرسى مبادئها الملك المؤسس.. التعاون والاحترام المتبادل ثوابت السياسة الخارجية    القيادة الكويتية تهنئ خادم الحرمين وولي العهد بمناسبة ذكرى يوم التأسيس    اكتشاف النفط.. قصة إرادة التنمية السعودية    إخماد حريق للغابات بمقاطعة "جانجوون" في كوريا الجنوبية    كأس السعودية للخيل| "سكوتلاند يارد" يتألق بلقب كأس طويق    الملاكمون يواجهون الميزان في الرياض قبل ليلة الحسم لنزال "The Last Crescendo" اليوم السبت    السعودية.. أعظم وحدة في العصر الحديث    الدرعية.. ابتدينا واعتلينا    انخفاض درجات الحرارة في عدد من مناطق المملكة    «الأسواق الناشئة».. السعودية تعالج تحديات اقتصاد العالم    الدبلوماسية السعودية.. إطفاء الحرائق وتعزيز الشراكات    «أنوار المباني» شاهد عيان على التنمية المستدامة    يوم التأسيس.. جذور التاريخ ورؤية المستقبل    لائحة الأحوال الشخصية تنظم «العضل» و«المهور» ونفقة «المحضون» وغياب الولي    الدولة الأولى ورعاية الحرمين    غبار المكابح أخطر من عادم السيارات    السعودية منارة الأمل والتميز الطبي    من التأسيس إلى تنمية الإنسان.. جذورٌ راسخةٌ وقيمٌ شامخة    رئيس فلسطين يهنئ خادم الحرمين وولي العهد بمناسبة ذكرى يوم التأسيس    يوم بدينا    «دربك».. أول إطار سعودي يحصل على علامة الجودة ويتجه نحو التصنيع المحلي.    الماضي ومسؤولية المستقبل    من الدرعية إلى الأفق.. يوم التأسيس ورحلة المجد السعودي    الخطة أن نبقى أحياء بين المؤسسين عبدالرحمن الداخل ومحمد بن سعود    ضبط شخصين في الرياض لترويجهما مواد مخدرة    في يوم التأسيس نستذكر تاريخ هذه الدولة العريق وأمجادها الشامخة    وزارة الشؤون الإسلامية تنظم ندوة علميّة تزامناً مع ذكرى يوم التأسيس    قرارات ترمب المتطرفة تفاقم العزلة الدولية وتشعل التهديدات الداخلية    كبار علماء الأمة يثمنون رعاية خادم الحرمين لمؤتمر بناء الجسور بين المذاهب    احتمالية الإصابة بالسرطان قد تتحدد قبل الولادة    الهرمونات البديلة علاج توقف تبويض للإناث    الصداع العنقودي أشد إيلاما    قطر تؤكد أن استقرار المنطقة والعالم مرتبط بحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تكتب "مذكرة الى الرئيس المنتخب" لاستعادة رأس المال السياسي الأميركي المبدد . أولبرايت : "القاعدة" تقتل المسلمين ... ولا تقدم للعالم خلافة بل جهنم 5 من 5
نشر في الحياة يوم 12 - 04 - 2008

كانت الوزيرة السابقة مادلين أولبرايت واضحة وصارمة في نُصحها "الرئيس المنتخب" الذي سيخلف الرئيس جورج بوش بأن يكون واضحاً في تأكيده أن"عدونا ليس الإسلام أو أياً من فروعه ... فالأعداء الذين يجب أن نقاتلهم هم الأشخاص الذين هاجمونا في 11/9/2001، أو أصبحوا حلفاء نشطين للذين هاجمونا... فالإرهاب ليس ملازماً للإسلام، وعدونا هو عدو الإسلام أيضاً".
وتنطلق أولبرايت من هذا الموقف الصريح لتقول إن من الوهم الاعتقاد بإمكان تقسيم الشرق الأوسط الى معتدلين ومتطرفين، لأن ذلك سيقود الى السماح"بحل نزاعات القرن السابع بأسلحة القرن الواحد والعشرين"وعندها"لن نعمّر طويلاً".
هنا حلقة خاصة وأخيرة من"مذكرة الى الرئيس المنتخب"كتبتها أولبرايت بعنوان"عزل القاعدة":
في المناظرات الباكرة في حملتك الانتخابية، سئلت عن خطتك لإلحاق هزيمة بپ"القاعدة". لم تكن واثقاً في البداية كيف تجمع كل أفكارك في الخمس وأربعين ثانية المخصّصة لك. لكنّك وجدت ضالّتك عندما استقرّ بك الأمر على شعار من ثلاثة أقسام:"حماية الوطن، ونقل القتال إلى حيث يوجد العدوّ، والانتصار في معركة الأفكار". وحان الوقت الآن لتقرن الأقوال بالأفعال.
ازدهرت"القاعدة"بسبب قدرتها على تصوير نفسها بأنّها مدافعة عن الإسلام ضدّ الصليبيين الإمبرياليين والحكومات العربية غير المنتخبة. وتضخّمت قدراتها الهجومية المحدودة باستعداد المجنّدين للموت، وكثرة الأهداف المحتملة. من الناحية التكتيكية، لا تشكّل الحاجة إلى الاستيلاء على قطعة أرض عقبة أمام الشبكة. وهي تستمدّ حيويتها من أسطورتها - القدرة على البقاء على رغم سنوات من الضغط من أقوى قوة عسكرية في العالم - ومن آلة إعلامية تعرف كيف تصل إلى جمهورها...
لذا يجب أن يكون العنصر الثالث في برنامجك، معركة الأفكار، واسطة العقد. فإذا كشِفت"القاعدة"وعزِلت ستتوقّف عن النموّ. وسيقلّل ذلك من الضغط على عسكريينا، ويجعل الدفاع عن الوطن أكثر سهولة.
في أعقاب 11/9، كانت رسالة الرئيس إلى كل البلدان"إما أن تكونوا معنا وإما ضدنا". ربما كانت هذه الرسالة ملائمة لو استمرّ تحديد الرئيس للعدوّ على حاله. إذ كان توحيد معظم العالم ضدّ من فجّر الأبرياء أمراً سهلاً. ولكن لم يكن من الحكمة أن يشوّش الرئيس بعد ذلك القضية بالسماح بتحويل تركيزنا عن"القاعدة". وسرعان ما أصبحنا نطالب الآخرين بأكثر بكثير من الوقوف معنا ضدّ أسامة بن لادن. صرنا نطالبهم بالتغاضي عن أبو غريب، وقبول غوانتانامو، والتصديق على غزو العراق ورؤيتنا للشرق الأوسط. وفي الوقت ذاته كانت"القاعدة"تقدّم للعالم خياره، بين المسلمين الذين يعانون وأميركا المولعة بالحرب. وترك ذلك العديد من الأشخاص في حيرة من أمرهم. فهم لا يريدون الموافقة على تكتيكات"القاعدة"، لكنّهم لا يريدون الاقتراب منّا كثيراً. حوّلنا الحلفاء إلى متفرّجين...
من أصعب الأعمال التي عليك القيام بها إزالة الالتباس الذي أحدثه الرئيس بوش في شأن مَن نقاتل وما الذي نقاتله. كانت إدارته تميل إلى معاملة كل مجموعة غاضبة من المسلمين كجزء من التهديد الإرهابي نفسه، فهم متماثلون في معتقداتهم، ومتساوون في أخطائهم، ويشكّلون خطراً علينا. ربما يناسب ذلك تصوّره الأبيض والأسود للعالم، ولكن لا يمكن أن تستند سياسات أقوى بلد في العالم إلى الخيال. هو تصرّف طوال سنوات كما لو أنّ أفراد الطاقم الكريه بأكمله ?"القاعدة"وپ"طالبان"وأتباع صدام حسين ورجال الدين في إيران وپ"حزب الله"وپ"حماس"- متآمرون. الأمر ليس كذلك. فأعضاء هذه المجموعة أعداء لدودون في كثير من الحالات، ولديهم معتقدات دينية غير متوافقة ومصالح متضاربة. وفي غمرة استعجاله تقسيم العالم إلى"نحن"وپ"هم"، لم يستفد الرئيس من أنّ الپ"هم"تضمّ فئات يمكن تأليب بعضها على بعض. وبدلاً من معاملتهم ككل واحد، كان علينا القيام بكل ما نستطيع للحفاظ على تناقضاتهم.
لم يكن الرئيس بالطبع الوحيد الذي التبس عليه الأمر. فبعد مرور سبع سنوات على 11/9، لا يوجد توافق بين الأميركيين عموماً في شأن من يسمّونه العدوّ، أو حتى على طبيعة النضال الذي انخرطنا فيه. عندما كنت في الحكومة، نصحني خبراء مكافحة الإرهاب بعدم ذكر بن لادن بالاسم، أو ربط"القاعدة"بالإسلام، أو الإشارة إلى تصدّينا للإرهاب بوصفه حرباً، مع أنّهم اعتبروا"النضال"وپ"القتال"وپ"المعركة"كلمات مقبولة. والفكرة أن نتجنّب التصرّف بما يعود على بن لادن بالنفع، بتضخيمه وجعله عدوّنا الأعظم، وألاّ نمنح الإرهابيين الشعور بالرضا بمقارنتهم بالجنود الذين يخوضون حرباً.
منذ ذلك الحين أثار اهتمامي تقلّب نهج بوش بين تصوير بن لادن بأنّه العدوّ الأول أحياناً، وتجاهله أحياناً أخرى، بحيث تمضي شهور من دون أن يذكره. في تموز يوليو 2005، قرّرت وزارة الدفاع أنّ فكرة"الحرب العالمية"تجاوزت غرضها وأنّنا منخرطون في"نضال عالمي ضدّ التطرّف العنيف". في ذلك الوقت، أوضح رئيس هيئة الأركان المشتركة أنّك"إذا سميتها حرباً فإنّك تفكّر في أنّ الجنود النظاميين هم الحلّ". أمضت وسائل الإعلام أياماً وهي تحلّل هذا التطوّر المحنّك في تفكير الإدارة، وفي النهاية رفض البيت الأبيض رأي العسكريين وأعلن أننا نخوض حرباً في الواقع. والحادثة مثال كلاسيكي على الخبرة في مقابل السياسة، حيث تربح السياسة.
يجدر تذكّر أنّ الولايات المتحدة أصابت نجاحاً محدوداً عندما أعلنت الحرب على أسماء، مثل الإرهاب أو الفقر أو المخدّرات أو المرض أو التضخّم. إنّنا نستخدم مثل هذه الصيغ كأداة لحشد التأييد، لا تؤخذ بمعناها الحرفي. وإذا كنّا جادّين في شأن إلحاق هزيمة بپ"القاعدة"، علينا أن نكون أكثر دقّة.
عليك كرئيس أن تكون واضحاً بتأكيد أنّ عدوّنا ليس الإسلام أو أيّاً من فروعه. لا خطر علينا من أناس يختلفون معنا في شأن السياسة العالمية فحسب، ولا من أناس يتقاتلون في بلدهم لأهداف وطنية أو دينية. ربما لا نتفق مع الذين يعاملون النساء في شكل مختلف عن معاملتنا لهنّ في الغرب، لكنّ ذلك لا يجعلهم أعداءنا. الأعداء الذين يجب أن نقاتلهم هم الذين هاجمونا في 11/9 أو أصبحوا منذ ذلك الحين حلفاء نشطين للذين هاجمونا. ليس عدوّنا الإرهاب الإسلامي، عليك التأكيد على ذلك في كل فرصة، لأنّ الإرهاب ليس ملازماً للإسلام، عدوّنا هو عدوّ الإسلام أيضاً.
إنّ هذا التمييز مهم لأنّ"القاعدة"تفتقر إلى جاذبيّتها إذا فصِلت عن ارتباطها بالقضايا التي تهمّ المسلمين، مثل القضية الفلسطينية، وحقوق الإنسان، وحرية التعبير السياسي، والعدالة الاجتماعية واحترام دينهم، وكلّها يمكن أن يسعى إليها خصوم"القاعدة"بفعّالية أكبر ونفاق أقلّ مما يسعى إليها مؤيّدوها.
غالباً ما يُلحق المتعصّبون الضرر بأنفسهم من طريق التمادي، وكرّرت"القاعدة"فعل ذلك. فمع أنّ هدفها هو تعبئة المسلمين، دانت كل الموجودين تقريباً في موقع السلطة في العالم الإسلامي، بمن في ذلك حكومات باكستان والمملكة العربية السعودية ومصر والعراق وسورية وإيران، وحتى"حزب الله"وپ"حماس". ونفّذت"القاعدة"هجمات عديدة أسفرت عن مقتل مدنيين مسلمين غير مسلّحين، وهي جرائم يحرّمها القرآن صراحة، بل تثير اشمئزاز المسلمين الذين يشاركون"القاعدة"أفكارها الاجتماعية المحافظة وكرهها الغرب. وتفتقر"القاعدة"أيضاً إلى جدول أعمال اقتصادي أو سياسي مفهوم، ويتناقض ذلك مع مجموعات إسلامية متشدّدة تقدّم الخدمات الاجتماعية وانضمّت إلى العملية السياسية في بلدانها أو تحاول الانضمام. ربما يحظى بن لادن بإعجاب بعضهم بسبب هجومه الصريح على السلطات، لكن ذلك لا يعني أنّ كثيرين يريدونه أن يدير حياتهم. خلاصة القول إنّنا سنكون أغبياء إذا لم نربح حرب العلاقات العامة - والحرب الحقيقية أو النضال أو المعركة أو القتال في نهاية المطاف - ضدّ حفنة من القتلة الذين يشكّل الإقرار بعد الموت على الإنترنت، الوعد الملموس الوحيد الذي يقدّمونه إلى مؤيّديهم.
يلي ذلك أنّ الطريقة الذكية للتصدّي لپ"القاعدة"هي القيام بما لم يفعله الرئيس بوش في شكل متسق، أي مهاجمة الشبكة من دون هوادة في أقلّ نقاطها منعة. القتلة الذين نفّذوا 11/9 دينوا من كل حكومة في بلد ذي غالبية مسلمة، بما في ذلك إيران وپ"حزب الله"ومنظمة التحرير الفلسطينية. فما هي رسالتنا؟"القاعدة"لا تدافع عن المسلمين، بل تقتلهم، لا تمثّل الإسلام، بل تحرّفه. إنّها لا ترغب في رفع الظلم عن المسلمين، بل ترغب في سجنهم ضمن تصوّرها الفاشي وغير القويم لإرادة الله. حاول الرئيس إثارة المعارضة في وجه"القاعدة"استناداً إلى رغبتها المعلنة في إعادة الخلافة الإسلامية، لكنّ ذلك ليس موطن الضعف الأبرز لپ"القاعدة". عيبها الخلْقي أنّ أدواتها ابتداعيّة ورؤيتها ضيّقة جداً بحيث تستبعد معظم المسلمين، من دون أن نذكر أنفسنا."القاعدة"لا تقدّم للعالم خلافة، بل تقدّم جهنّم.
عليك أن تعيد وضع إطار عمل للاستقرار في الشرق الأوسط الكبير. وهذه المهمّة ملحّة ولكن لا يمكن تنفيذها بسرعة، لأنّ الأساس ضعيف جداً. سيحضّك العالمون على تطبيق شتى الصيغ التبسيطية، وذلك إغراء عليك مقاومته. من الوهم الاعتقاد بإمكان تقسيم الشرق الأوسط إلى معتدلين ومتطرّفين، حيث يمثّل الأوائل الخير والأخيرون الشرّ. فثمة مزيد من الأطراف في هذه اللعبة، وتشوب الشوائب زي الجميع، ونحن منهم.
كتبت سابقاً أنّ الحلول العسكرية غير واقعية في المنطقة، ولكن لا يزال يبدو أنّ الجميع يستعدّ للقتال. لذلك فإنّ الوضع الراهن غير مقبول، إذ إنّ منظّم الحرارة مضبوط على المستوى المرتفع، وإذا سمحنا بحلّ نزاعات القرن السابع بأسلحة القرن الواحد والعشرين، لن نعمّر طويلاً.
ستشرع في ديبلوماسية الشرق الأوسط من منطلق صعب، حيث موقف أميركا الرديء لا يسمح لها بالحديث عن الدعائم الأساسية للأمن مثل القانون وقول الحقيقة وحقوق الإنسان. وستواجه إيران المتجاسرة، وازدياد التهديد الإرهابي وتكاثر الانقسامات، داخل العراق وبين الفلسطينيين وداخل إسرائيل وبين المسلمين الشيعة والسنّة. ولأنّ الولايات المتحدة كانت مشغولة أو في موقف غير مواتٍ طوال معظم السنوات الثماني الماضية، فربما تجد أنّ موضع كرسي الصدارة قد تغيّر حول طاولة الديبلوماسية، وهو مخصّص للولايات المتحدة منذ مدّة طويلة. وربما تجد أيضاً أنّ غرفة الاجتماعات التي حجزتها نصف فارغة، لأنّ الإيرانيين والروس والأوروبيين والسعوديين والمصريين نظّموا اجتماعاتهم في الوقت ذاته. لا تنفر من ذلك. فلا داعي لأن نخاف من جهود الآخرين.
الواقع لن يتغيّر بصرف النظر عمن يتولّى زمام الأمور. فلا أحد يتيح له موقعه أن يملي مستقبل الشرق الأوسط. القوّة شديدة الانتشار، ومن ثم فإنّ الخيار بين المواجهة والتسوية، لكن الناس يعاندون التسوية إلى أن يتوصّلوا إلى عدم وجود خيار آخر لديهم. وستكون مساهمتك تسهيل وصول البلدان والفئات الرئيسة إلى ذلك التفهّم. وعند قيامك بذلك، يجب أن تقرّ أيضاً بأنّ على الولايات المتحدة أن ترضى بأقلّ مما تريد. ستكون هناك مخاطرة سياسية بالنسبة إليك، لكن التراجع عن الأهداف القصوى سيكون أشدّ خطراً على الإسرائيليين والعرب والإيرانيين والقادة الآخرين. لذا فإنّ الكثير لا يعتمد على كيفية تكشّف الأحداث، بل على طريقة عرضها أيضاً. الكرامة وماء الوجه والاحترام أمور مهمّة في كل منطقة، لكنّها أكثر أهمية في الشرق الأوسط مما هي في أي مكان آخر. وعليك كرئيس أن تضمِّن الاتفاقات الغموض الكافي الذي يتيح لمعظم الأطراف ادعاء النصر، والموضوعية الكافية للانتقال نحو الاستقرار. قد يعني ذلك التعايش مع حلول غير كاملة، وعدالة جزئية، وتأجيل بعض القضايا إلى تاريخ لاحق.
استحضر الرئيس بوش صورة للشرق الأوسط كأرض عجائب ديموقراطية يُهزَم فيها الشرّ، ويتقدّم العرب واليهود إلى الانتخابات بقلوب مسرورة وأغمدة فارغة. إنّني أهلّل للصورة، لكنّني لا أشهد ذلك على أرض الواقع. ستشكّل سياسة القوة الشرق الأوسط على المدى القريب إزاء خلفية المصالح الوطنية، والتعصّب العرقي، والحماسة الدينية. وفي هذه البيئة، لن تكون"الحرية"بمعنى الديموقراطية الكلمة الأساسية ذات الأهمية القصوى، بل"الحريّة"بمعنى الاستقلال، حقوق البلدان وشعوبها. وستكون السيادة المبدأ ذا الوزن الراجح.
* نقل المذكرة الى العربية عمر سعيد الأيوبي
الشرق الأوسط بعد 4 سنوات: إيران تتعاون وحكومة وحدة في فلسطين وقاتل الحريري يعترف ...
لنأخذ على سبيل المثال منطق شرق أوسط بعد أربع سنوات من الآن، يبدو على الشكل الآتي، بفضل مساعيك إلى حدّ ما:
عراق اتحادي أعرج ذو حكومة وطنية صوَرية، وحكومات إقليمية فاعلة. والجيش العراقي مقسم على نحو ذلك، مع وجود قوة مركزية في بغداد وثلاثة مكوّنات إقليمية تستوعب الميليشيات السابقة. وارتفع إنتاج النفط الذي توزّع عائداته في شكل متساوٍ. ويسود معظم العراق السلام، على رغم اندلاع القتال بين الحين والآخر، لأنّ المجموعات الشبيهة بپ"القاعدة"فقدت رواجها، والبلدان المجاورة تعمل للحفاظ على الهدوء. وتعقد في بغداد اجتماعات منتظمة لمجموعة الاتصال الديبلوماسي، وهي تضمّ ممثّلين عن العراق وإيران وسورية والأردن وروسيا والمملكة العربية السعودية وتركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
إيران التي تحرّرت من عقوبات الأمم المتحدة تكرّر تعهّدها عدم صنع أسلحة نووية، لكنّها تواصل تخصيب مقدار ضئيل من اليورانيوم للاستخدام في معامل توليد الطاقة النووية السلمية، وتخضع لتفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتقيم علاقات وثيقة مع المناطق التي يسيطر عليها الشيعة في العراق لكنّها لم تذكِ العنف الطائفي، ويرجع ذلك إلى حدّ ما إلى كبح جماح"الحرس الثوري"الإيراني. وتحافظ طهران على روابطها بپ"حزب الله"، مع أنّها خفّضت شحنات الأسلحة إليه، ولا تحاول زعزعة استقرار الحكومة اللبنانية التي لا تزال هشّة، ولا يزال الحزب مشاركاً مشاغباً فيها. لم ينجح الرئيس محمود أحمدي نجاد في تأمين إعادة انتخابه لأنّ برنامجه الاقتصادي المعيب خذل ناخبيه. ولا يزال القادة الإيرانيون - وهم الآن مزيج براغماتي من المسؤولين الفاسدين والدينيين - يطلقون على أميركا اسم"الشيطان الأكبر"، ولكن بوتيرة منخفضة.
لدى الفلسطينيين حكومة وحدة وطنية مكوّنة من عناصر منفصلة عن"حماس"وجيل جديد من الإصلاحيين في"فتح"، بعضهم أطلِق حديثاً من السجون الإسرائيلية. بعد حملة امتدت سنة من المقاومة غير العنيفة - على نحو تعاليم غاندي ومارتن لوثر كنغ - بلغ الفلسطينيون عتبة تحقيق ما عجز عن تحقيقه عقد من الإرهاب: إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً. وتتواصل المفاوضات مع إسرائيل الأكثر تفاؤلاً، ويبدو أنّ الجانبين عازمان على العمل بنصيحة إسحق رابين: اسعوا إلى السلام كأنّه لا يوجد إرهاب، وحاربوا الإرهاب كأنّه لا توجد مفاوضات.
اعترف ضابط سوري سابق بجريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري وأقسم أنّه تصرّف من تلقاء نفسه. ووجدته محكمة دولية مذنباً وحكمت عليه بالسجن المؤبد. انتقلت عائلته التي أصابها الثراء فجأة إلى فرنسا. فُتح الطريق الآن أمام المحادثات، فبدأت سورية وإسرائيل المفاوضات في شأن مبادلة الأرض بالسلام، مع تفهّم لأنّ الاتفاق النهائي يتوقّف على التوصّل إلى تسوية أيضاً بين إسرائيل والفلسطينيين. ولا تزال قوة الأمم المتحدة تحرس الحدود بين لبنان وإسرائيل.
في غضون ذلك، انتقل القادة في كل أنحاء العالم العربي من الرغبة في استرضاء رجال الدين الرجعيين اجتماعياً والعنيفين سياسياً، إلى مطالبتهم بالهدوء أو الخروج. وعلى المستوى الفكري، ثمة منافسة للمطالبة بأحقيّة الماضي. فقادة التيار السائد من مصر إلى قطر إلى قم، يشيرون إلى أنّ الثقافة الإسلامية كانت الأكثر تقدّماً قبل ألف سنة. ويرون أنّ ذلك العصر الذهبي كان يتميّز بالتعطّش إلى المعرفة عن كل ما خلق الله - التاريخ، والطبّ، والعلوم، والرياضيات، وعلم الفلك، والأدب - وذلك مسعى مناقض لمسعى البن لادنية. فعندما يضرب الإرهابيون باسم الرسول محمّد صلى الله عليه وسلّم، يستشهد هؤلاء القادة بالسلطات الدينية لإدانة الإرهابيين لا كقتلة فحسب، بل كمجدّفين وغير مؤمنين.
لا يزال هذا الاتجاه متقطّعاً ولم يحصل على الإجماع بعد. يتحدّث بعض القادة عن الحداثة بشجاعة، ويسير بعضهم على البيض. ولا تزال الدعوات إلى الحرب تشجع الشبّان، حتى وهم يتطلّعون إلى إيجاد مكان في الاقتصاد العالمي. الاختلاف بين 2004 و2012 مثلاً هو اختلاف في الاتجاه. إذ أخذ الإصلاحيون ينظرون حولهم لمعرفة عددهم. وهذا الاتجاه عالمي، يشمل المسلمين في كل قارّة، ويبرز فيه صوت إندونيسيا التي تضمّ أكبر غالبية إسلامية في العالم. وترسّخ الرأي بأنّ التفكير التقدّمي ليس خيانة للشريعة الإسلامية بل عودة إليها. كما ساهم نموّ وسائل الإعلام المستقلّة كثيراً في تعرية الكبرياء المنحرف لعقلية المحاربين باسم الدين. وأخذ الفكر الديني السيئ يتراجع أمام القوة الوحيدة التي تستطيع أن تهزمه: الفكر الديني الصالح. وبدأت الغالبية الإسلامية تستردّ دينها ممن سرقوه.
أثناء تقدّم عملية السلام الإقليمية، تراجع الوجود العسكري الأميركي بحدّة في المنطقة، وتقدّمت جهود الإصلاح العربية، وبدأ العديد من المجموعات الإسلامية المتشدّدة بنبذ العنف لينتظم سياسياً، وأخذت"القاعدة"بالتلاشي. ومثلما ولّد العمل العسكري الأميركي والإسرائيلي ردّ فعل عنيفاً، فإنّ هجمات"القاعدة"في المملكة العربية السعودية والأردن وباكستان وسورية ومصر، أفقدت هذه المنظمة مزاعمها الأخلاقية. وتضرّرت الشبكة التي كانت يوماً عصية على الاختراق، من العديد من المتدرّبين السابقين الذين وافقوا على تبادل المعلومات في مقابل الحصانة. واستردّت أسوأ المجموعات الإرهابية في الجزائر،"الجماعة السلفية للدعوة والقتال"، اسمها بعد أن غيّرته إلى"القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"في الذكرى الخامسة لهجمات 11/9. بل إنّ قرار قناة"الجزيرة"عدم بثّ أحدث رسالة مسجّلة لبن لادن، لأنّها"عديمة الأهمية الإخبارية"لم يكد يذكر في الأخبار. لم تمُت"القاعدة"، ولا يزال الإرهاب حياً، لكن المدّ انحسر، وأصبح الأميركيون أكثر أمناً وكذلك الجميع.
أخيراً، أصبح أعداء الولايات المتحدة يجدون صعوبة كبيرة في إثبات حجّتهم. فحكومتنا تلتزم معاهدات جنيف التزاماً تاماً، وثمة مبعوث أميركي متفرّغ للسلام في الشرق الأوسط، وصدّق مجلس الشيوخ على حظر التجارب النووية، وألغى البنتاغون خططاً لتطوير جيل جديد من الأسلحة النووية، وتجدّد نشاط أحلافنا، كما أنّنا نقود المساعي لمعالجة مشاكل البيئة والطاقة والأوبئة والفقر. ويبدو أنّ رئيس الولايات المتحدة، وهو منهك قليلاً لكنّه يتمتّع بالشعبية والاحترام، يتّجه إلى تحقيق فوز كاسح في الانتخابات الرئاسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.